آثار مصر … بين الكرسى والكلوب

آثار مصر … بين الكرسى والكلوب2019-12-01T08:39:03+00:00

آثار مصر … بين الكرسى والكلوب

 

          ” الأخبار ” تنشر فى هذه الصفحة كل الآراء الوطنية التى تقدم جديداً يشارك فى مسئولية البناء الديمقراطى واصلاح المسار الاقتصادى وتحقيق الوحدة الوطنية ، ان هذه الصفحة هى سطور الآراء الحرة فى كل اتجاه فكرى يعمل من اجل مصر …

          لقد وصلت الحالة بآثار مصر الفرعونية والاسلامية إلى الحد الذى يهدد اعتبارها من التراث العالمى .. الأمر الذى أشارت اليه لجنة المستشارين الذين أرسلتهم اليونسكو لدراسة الوضع الراهن فى هضبة الأهرام ..

          والتصريحات التى جاءت على لسان المسئولين عن هيئة الآثار والتى تشير إلى الاهمال الكبير الذى تعرضت له آثار مصر بالرغم من كل الدراسات والتحذيرات التى صدرت منهم ومن غيرهم على مدى الثلاثين عاماً الماضية دون أى استجابة أو اهتمام من اصحاب القرار ، إلى أن جاء تقرير اليونسكو من الخارج يحذر من سوء الحال الذى وصلت اليه هضبة الأهرام من جراء انشاء الطريق الدائرى الذى وافقت على انشائه هيئة الآثار عام 1985 م .

          وهنا فقط جاء قرار السيد رئيس الجمهورية بدراسة هذا الوضع ، الامر الذى يؤكد أن هناك خللاً فى الادارة واسلوب اتخاذ القرار خاصة بالنسبة لتراث مصر ورأس مالها الحضارى والاستثمارى أيضاً

          وادارة الدولة هنا مرتبطة أيضاً بقدرة النظام وفعاليته وهو يضم المجالس المحلية والشعبية التى لها تأثيرها السياسى والضاغط على متخذ القرار كما أن لها مصالحها الخاصة حتى ولو تعارضت مع المصلحة القومية على المدى البعيد ، وهى دائماً قادرة على التداخل حاملة شعار الوطنية ولواء البعد الاجتماعى ومصالح الجماهير الكادحة ..

          وهكذا امتدت العشوائيات فى كل مكان تحت نظر المسئولين ودعم المجالس المحلية التى تسعى إلى دعم شعبيتها على حساب المصلحة العامة ، لذلك تضخم عمران نزلة السمان وزحف على هضبة الاهرام .. وتداعت كل الدعاوى التى طالبت بكبح جماح العشوائيات التى كادت أن تقضى على تراث مصر الحضارى والاستثمارى .. الفرعونى والاسلامى الذى كاد ان يمحى من قائمة التراث العالمى كما هدد بذلك خبراء اليونسكو .

          ويظهر من متابعة تطور التعامل مع هضبة الأهرام منذ عام 1968 م الذى أعد فيه مشروع تطوير هضبة الأهرام حتى قضية الشركة الاستثمارية الأجنبية التى جاءت لتبنى مشروعات سياحية على الهضبة بمعاونة شركاء من مصر .. ان هناك اصرار على تخريب التراث الحضارى لمصر ، فقد جاء المشروع الذى قدم لتطوير هضبة الأهرام من الخبراء والمخططين المصريين شاملاً نفس التوجيهات والأسس التى يتناولها الآن خبراء اليونسكو كأنهم قادمون من كوكب آخر .. فالرأى الصادر من الخبراء المصريين لم يعد مسموعاً لدى المسئولين .. حتى الاقتراح الذى انتهت اليه لجنة اليونسكو أخيراً بالنسبة لتحويل الطريق الدائرى جاء مطابقاً لاقتراح أحد خبراء التخطيط على صفحات جريدة ” الأخبار ” فى تحقيق صحفى بهذا الشأن .

          كما يظهر فى متابعة مشروع تطوير القاهرة الاسلامية منذ عام 1980 م عندما جاءت إلى مصر مجموعة من خبراء اليونسكو لدراسة مستقبل هذه المنطقة واسلوب تطويرها ، دون دعوة للخبراء المصريين فى ذلك الوقت للمشاركة فى هذه الدراسة ، إلى أن اقتحمت مجموعة منهم مقر اجتماع لجنة اليونسكو ليدلوا بدلوهم الذى كان محل تقدير من الحاضرين ، وانتهى الامر بابعاد الخبراء المصريين عن الموضوع لسبب فى نفس يعقوب .. وتطلع المسئول لأن يحتل مكاناً مرموقاً فى اليونسكو ، ثم كانت دعوة البنك الدولى عام 1985 م لاعداد دراسة عن اسلوب تطوير القاهرة الاسلامية بهدف تمويل المشروع بمبلغ 400 مليون دولار ..

          وقامت مجموعة من الخبراء المصريين باعداد الدراسة المطلوبة وقدمت لمحافظة القاهرة فى حينه وتجمدت الدراسة ولم تصل بالصورة المطلوبة إلى البنك الدولى وفقدت مصر فرصة كبيرة للحفاظ على تراثها الحضارى والاستثمارى ايضاً ….. اذ انتهت هذه الدراسة إلى ضرورة انشاء هيئة مستقلة لتطوير القاهرة الاسلامية تنتقل اليها اختصاصات هيئة الآثار ووزارة الاوقاف ووزارة التعمير والمحافظة حتى تكون جهة واحدة قادرة على اتخاذ القرار والتعامل المباشر مع البنك الدولى .. ويظهر أن ذلك لم يرض المسئولين فكل يريد أن يبحث له عن دور يلعبه .. حتى ولو توقف العرض .. ويتكرر العرض ـ عرض البنك الدولى ـ مرة أخرى عام 1994 م … ويتجمد الموضوع مرة أخرى لنفس الاسباب .

          وجاءت لجنة اليونسكو فى ابريل 1995 م لتكشف الغطاء عن كل الاخطاء التى ارتكبت منذ أن بدأ التعامل مع هضبة الأهرام منذ عام 1968 م من زحف عمرانى لمنطقة نزلة السمان صعد إلى أعلى الهضبة .. ثم الاسكان الاقتصادى الذى اقيم دون حرمة للتراث الحضارى ثم المدارس والورش والمعسكرات ، وهنا يقف الجدل والحوار .. فالأمن لا يقف أمامه أى اعتبار آخر .. وهنا على هضبة الأهرام المكان الانسب ..

          وأمام كل هذه الأحداث يقف العقل حائراً متجمداً .. لا يعرف لها سبباً .. مع أن السبب واضح لمن تعاملوا مع هذه الاحداث على مدى السنين الطوال السابقة وهو ان المسئولين عن تراث مصر ليسوا على مستوى المسئولية .. والصراحة دائماً مرة .. مرارة العلقم .. اذا ما وجهت إلى المسئول الذى يحرص ان تكون صورته بيضاء من غير سوء أمام القيادة .. والمداهنة دائماً حلوة .. حلاوة العسل .. اذا ما وجهت إلى المسئول الذى اقنع نفسه بأنه ” أبو العريف ” .

          وبين الصراحة والمداهنة تضيع القضية فتفقد الصراحة اخلاصها وتعزل .. وتكتسب المداهنة مكانها وتقرب ..

          وهكذا ينسحب أهل الخبرة من الميدان .. ويتقدم أهل الحظوة فى كل مكان ، فاذا ما ذكرت الصراحة أمام أحد هؤلاء المسئولين ثار وفار وهاج وماج وهدد وتوعد بحكم تمتعة بالسلطة والسلطان وقناعته بالعلم والعرفان .. حتى أن أحد كبارهم عندما وجه اليه النقد المباشر عن مشروع هضبة الأهرام الذى أعده ذوى الحظوة ثار وفار وعزل الناقدين من ذوى الخبرة وأهل الخبرة وأحل محلهم المداهنين من ذوى الحظوة الذين وصفوا كلامه بأنة كالموسيقى التى تشنف الآذان ..

وآخر منهم عندما قرأ ما كتب عنه بصراحة ثار وفار وعزل أصحاب الكلمات من قائمة الخبراء والمستشارين .. واحل محلهم أصحاب الحظوة من غير المتخصصين .. وكان الله بالسر عليم .. وعندما اجتمعت لجنة اليونسكو لتنبه عن خطورة الطريق الدائرى .. ثار أحدهم وقال بالعربية ” الموضوع ده تاعبنى .. وأنا وصلت لمرحلة حاضرب الكرسى فى الكلوب ” ..

          وهكذا يتم التعامل مع تراث مصر الحضارى والاستثمارى.. بهذا المنطوق الذى خرج عن الطوق أمام أساتذة تاريخ الحضارة الفرعونية وعضو لجنة اليونسكو التى تعرف العربية .. باللهجة المصرية

          هذه هى حقيقة الأسباب التى أدت على تدهور الحال الذى وصل اليه تراث مصر الحضارى الفرعونى والاسلامى الذى يكاد أن يخرج من قائمة التراث العالمى كما صرح خبراء اليونسكو اذا لم تتعدل الأحوال .. ودائماً عمار يا مصر ..

          كاتب المقال : رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية .

 

word
pdf