آفاق جديدة للتعمير

آفاق جديدة للتعمير2019-11-27T09:44:34+00:00

آفاق جديدة للتعمير

الاهرام 8/1/1997

 

تسعى الدولة بكل إمكاناتها وطاقاتها إلى توسعة المعمور المصرى ليغطى مساحات أكثر من الأرض لاستيعاب الفائض السكانى من الوادى الضيق سواء كان ذلك فى المشروع القومى لتنمية سيناء أو المشروع القومى لتنمية جنوب الوادى أو فى فتح آفاق حضارية جديدة فى الدلتا التى تستمد شريان حياتها من بحيرة السد العالى. مضيق توشكى …  وجميعها امال كانت تراود العديد من المخططين فى بداية الستينيات ونداءات كانت تتردد بين الحين والآخر للخروج من الوادى الضيق ومقالات تنشر لتوجيه الخطط الخمسية فى بعدها المكانى لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية فى تحريك السكان من الوادى الضيق إلى آفاق التعمير الجديدة.

والدولة فى ذلك لها تجاربها السابقة فى مشروع مديرية التحرير التى سمعت أصداؤه فى كل الأرجاء، وفى مشروعات المدن الجديدة التى شهدت معدلات كبيرة فى مجال الاستثمار الصناعى فاق ما كان مخططا لها، كما شهدت معدلات متواضعة جدا فى مجال الاستيطان ولا تزال مساكنها المهجورة شاهدا على هذا الوضع. فقد كان من الواضح أن مثل هذه المشروعات العملاقة كانت تعامل كمشروعات مستقلة تعمل بآلياتها التنفيذية دون دعم من الآليات التى تتحكم فى توزيع الاستثمارات والسكان على مناطق التعمير الجديدة والقديمة. وبمعنى آخر لم تكن عوامل الجذب إلى مناطق التعمير الجديدة بقدر عوامل الجذب إلى المناطق القديمة فى الوادى الضيق، فقوة الجذب من ناحية لابد أن تدعمها قوة الطرد فى المناطق المأهولة. الأمر الذى يتطلب اتباع السياسات التى تساعد على ذلك وفى كل المجالات.

وأقرب مثل على ذلك هو أن مدينة القاهرة التى تضم حوالى ربع سكان مصر تستحوذ على أكثر من ثلث الاستثمارات القومية فكلما أنشىء فيها نشاط جديد … أى نشاط جذب معه كما من الفئات المختلفة من السكان.

ومصر وهى تضع حجر الأساس لبناء الدلتا الجديدة فى جنوب مصر لابد أن تستوعب الدروس المستفادة من التجارب السابقة والحالية وتهيىء الظروف التى تساعد على تحريك السكان من الوادى الضيق إلى الوادى الجديد وتحريك اتجاه الهجرة الطبيعية من الجنوب إلى الشمال وجعلها تتجه من الشمال إلى الجنوب وهذا هو لب المشكلة.

إنه من الإمكان وضع المخططات وإعداد التصميمات وتوفير المعدات وشق الطرق والقنوات وجذب الاستثمارات … ولكن يبقى جذب البشر الذى هو عماد التنمية فى هذه المناطق الصحراوية الحارة فى جنوب مصر. هذا هو الهدف وهو الموضوع.

ان جذب العمالة بكل مستوياتها ونوعياتها إلى هذه المناطق لا يمكن أن يتم فى إطار النظم واللوائح التقليدية ولكن لابد من التعامل مع مثل هذه المشروعات العملاقة بمنطق آخر ونظم أخرى وبآليات جديدة ليس فقط فى توفير الحركة بين الوادى القديم والوادى الجديد ولكن فى إنشاء مرتكزات عمرانية تبعث فيها حركة التنمية  والتعمير، وأول هذه المرتكزات أبو سنبل التى سوف تصبح مركزاً للتنمية العمرانية للدلتا الجديدة بما يتوفر فيها من خدمات تعليمية وصحية وتجارية وإدارية وأمنية وترفيهية وسياحية على أعلى مستوى من البناء والكفاءة والآداء الذى يفوق ما يتوفر فى الوادى القديم.

إن الاستيطان البشرى عملية مستمرة لها مقوماتها وآلياتها الخاصة التى تبدأ بتوطين الرواد الأوائل الذين تتوافر لهم الأولوية فى كل احتياجاتهم المعيشية فى المنطقة الجديدة والأولوية فى توفير جميع متطلباتهم الخاصة من خارج المنطقة، إن زرع البشر فى البيئة الجديدة يحتاج إلى علم وجهد وإدارة على أعلى مستوى الأمر الذى تصبح فيه إدارة التنمية من الأهمية التى تفوق أهمية التخطيط والتصميم والبناء والتشييد بحيث تتواكب عمليات الإستيطان البشرى مع مرحليات التنفيذ ويتبقى البحث عن الصيغة التى تتناسب مع هذا المشروع العملاق فى الدلتا الجديدة.

وإذا كانت الدولة قد أفردت وزارات خاصة لبناء السد العالى وهو مشروع إنشائى. فلا أقل من تفرد لمشروع الدلتا الجديدة وهو مشروع إنشائي إستيطانى وزارة خاصة تعمل بأساليب خاصة ونظم خاصة تتواءم مع طبيعة العمل والاستيطان فى هذا الجزء الثاني من الأرض من جنوب مصر، وزارة لها من الصلاحيات التى تساعدها على جذب السكان إلى هذه المنطقة الجديدة بحيث ينقسم عملها إلى وكالتين الأولى لتنفيذ الأعمال والأخرى لتوطين السكان، بحيث تأخذ الدولة فى حساباتها التنموية توفير مستوى معيشي أفضل للمستوطنين الجدد الأمر الذى سوف يؤخذ فى الاعتبار فى دراسات الجدوى الاستثمارية للمشروعات الجديدة فى الدلتا الجديدة.

كما تأخذ الدولة فى حساباتها البحث عن أساليب جديدة للبناء والتعمير فى إنشاء المستوطنات الجديدة تتناسب مع البيئة المحلية والظروف المعيشية حتى لا تنتقل إليها عدوى المدن الجديدة وحتى لا تتعرض إلى التجارب التى مرت بها مشروعات شمال سيناء والبحر الأحمر.

إن الأمر يتطلب الإعداد الدقيق والشامل لإدارة عمليات الاستيطان البشرى بنفس المجهود الذى بذل فى الدراسات المائية والبيئية والزراعية والإنشائية.

 

word
pdf