أضواء على القانون 25 لتنظيم البناء

أضواء على القانون 25 لتنظيم البناء2019-11-25T12:10:17+00:00

أضواء علي القانون 25 لتنظيم البناء

    دكتور عبد الباقي إبراهيم

       رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

      وكبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمرانية

    وأستاذ التخطيط ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس

 

 

انتهت توابع الزلازل وانتهت معه الحملات والإجراءات وتوقفت بعدها الندوات والاجتماعات والانتقادات والاقتراحات والتوصيات، وتهبط الموجة لترفع معها موجة العشوائيات الإرهابية مع التوجه لتطويرها بالإزالة أو بالتطوير ورصدت لها الأموال لتحسين الأحوال وعقدت الندوات والاجتماعات وتبعتها الاقتراحات والتوصيات التي انتهت ببعض الإجراءات التي بدأت تتباطأ مع هبوط قوة الموجة التي يخشى أن تتلاشي و لا تترك خلفها إلا الزبد علي رمال الشاطئ إلي أن تعلو الموجة مرة أخرى مع حيتان الإسكان وتعلو معها الصيحات والنداءات بعد وقوع الكوارث في كل مكان وبدأت التحقيقات والانتقادات والاتهامات لتنتهي بالاجتماعات والندوات والتوصيات والاقتراحات. وآخرها قرار مجلس المحافظين بتكوين لجنة برياسة وزير العدل وعضوية عدد من المحافظين بحثا عن المخرج القانوني لتغليظ العقوبات المترتبة عن المخالفات الخاصة بالقانون 25 الخاص بتنظيم البناء، هذا في الوقت الذي سبقت فيه جهة حكومية أخرى تسعي لتطوير نفس القانون ليس من دافع الحد من المخالفات فقط ولكن من منطلق تطوير المعاملات الخاصة بالتراخيص جذبا للاستثمار في الإسكان المتوسط بهدف التأجير لمواجهة ما سوف يترتب عن إصدار القانون الأول للعلاقة بين المالك والمستأجر الذي لا يزال في حيز المناقشات وفي نفس الوقت تعقد نقابة المهندسين اجتماعا للمهندسين المتعاملين مع القانون 25 بحثا عن أساليب تطويره وذلك بهدف الارتقاء بالمهنة وإحكام الرقابة والحد من المخالفات، الأمر الذي اضطر محافظة القاهرة للاستعانة بلواءات من القوات المسلحة وربما بغيرهم من قوات الأمن وهكذا تعمل كل جهة منعزلة عن غيرها وكأنها في جزر منفصلة لا يجمعها بحر واحد متلاطم تماما مثل الجهات الخمس المنفصلة التي تعمل كل منها لوضع الاستراتيجيات لرسم خريطة مصر المستقبل الأمر الذي يوحي بأن الموجات التالية غير المستقرة لن تلبث أن تهدأ ولا تترك خلفها إلا الزبد.

القانون 25 الخاص بتنظيم البناء يتضمن بعض التعديلات للقانون 106 المرتبط من ناحية أخرى بقانون التخطيط العمراني رقم 3 لعام 1982… وتهدف كل هذه القوانين إلي توجيه أعمال التعمير والعمران وأحكام تطبيقها ومراقبة تنفيذها كل ذلك دون أي عناية بتوفير الكوادر والأجهزة القادرة علي تحقيق أهداف هذه القوانين، الأمر الذي أدى إلي العشوائيات والتعديات والمخلفات والحيتان والحيات….. وللقانون 25 جوانب أربعة مترابطة ومتكاملة فنيا وإداريا وجزائيا وماليا لا يمكن الفصل بينها إلا إذا ارتأت اللجنة الموقرة التي أقرها مجلس المحافظين غير ذلك وركزت اهتمامها فقط علي الجانب الجزائي والمرتبط بتعظيم العقوبات… مع أن القانون لا يمكن أن يسير إلا علي أربعة أرجل إحداها العقوبات والجزاءات ولن يستطيع تركيب هذه الأرجل إلا أهل الخبرة بعد أن فشل أهل الثقة في تحقيق الأهداف وهذه هي إحدى مشاكل مصر الأساسية حيث يختلط العمل السياسي بالعمل الفني و الإداري وكأن القيادات تعلم كل شيء عن كل شيء وهكذا تتوقف أجهزة البحث العلمي المفروض أن تتابع وتطور قوانين الإسكان وتنظيم البناء والتخطيط العمراني… تقف أمام عبقريات أهل الثقة… كما يقف الخبراء المتخصصون وراء الستار ولا يستدعون إلا لتقديم المشورة لمتخذ القرار من القيادات كلما عن له خاطر. وكثيرا ما يظهر بعضهم علي الشاشة يشرحون مالا يعلمون أمام القيادات السياسية دون إدراك بما يسيء للمهنة والخبراء المتخصصين الغائبين عن الصورة مع إنهم هم الذين أعدوا كل الدراسات والبحوث وتوصلوا إلي النتائج والقرارات… هذا هو نتيجة الارتجال في اختيارالرجال.

إن الرجوع   إلي الحق فضيلة… والحق أن نظام الإدارة المحلية بشكلها القائم أثبت فشله في مجال البناء والتعمير والحق هو العودة إلي نظام البلديات الذي أثبت نجاحه وفعاليته… البلديات لإحياء مدينة القاهرة ولكل المدن الأخرى.. القديمة والجديدة.. فكيف يستوي الأمر إذا كانت أجهزة التنظيم تتبع رياسات الأحياء وليس مديري الإسكان في المحافظات… لقد آن الأوان لإعداد المهندسين المعماريين لتولي المسؤوليات في أجهزة تراخيص البناء فكثير من المحافظات تعين مهندسين من كافة التخصصات مثل النسيج والكهرباء والميكانيكا والكيمياء الصناعية والزراعية مع غيرهم من المهندسين المعماريين والمهندسين الإنشائيين وجميعهم في حكم الإدارة المحلية.. مهندسين… ونقابيين وأهو كله عند العرب مهندسين.

وليكن في مراجعة القانون 25 لتنظيم البناء فرصة لا تعوض للارتقاء بالمستوى العمراني للمدن والقرى تحقيقا لهدف التنسيق الحضري الذي دعت له وزارة الثقافة في يوم من الأيام ولم تستطع تحقيقه… وفي إعادة النظر في القانون 25 فرصة للارتقاء بمستوى الأداء في إعداد التصميمات المعمارية الذي هبط مستواها إلي مستوى الصفر بسب الإهمال والتسيب الذي لازم الدخلاء علي هذه المهنة العظيمة… وفي إعادة النظر في القانون 25 فرصة لتوزيع المسؤولية الفنية والتنفيذية علي أكثر من جهة علي المهندس المعماري لإشرافه علي التصميم والتنفيذ، وعلي مهندسي التنظيم الذين يمنحون التراخيص الأولية ثم علي لجان المراجعات التي تعينها نقابة المهندسين لكل حي من أصحاب الخبرة فالنقابة حسب القانون هي الهيئة الاستشارية للدولة في مجال الهندسة وفي إعادة النظر… في القانون 25 فرصة لتنظيم العقوبات مع سرعة تطبيقها وذلك بتطبيق القانون لمصادرة الأجزاء المخالفة لشروط البناء وبيعها لصالح عمارة الفقراء من سكان العشش والمناطق العشوائية علي إن ينطبق ذلك علي المخالفات السابقة للقانون… فسرقة حقوق المواطنين والمال العام لا تسقط بالتقادم إلا بعد فترة يحددها القانون.. وأصحاب الوحدات السكنية من الملاك الذين يشترون وحداتهم في عمارات مخالفة لشروط البناء يصبحون مشاركين مع الملاك الأصليين في المخالفات.. إذ كيف يتسنى لمشترى أن يشترى وحدة سكنية بمبلغ أكثر من مائة ألف جنيه دون التحقق من عدم مخالفتها للقانون.. و لا عذر له وهو يتابع باستمرار المشاكل المترتبة عن المخالفات أن من يقبل علي شراء سيارة لا يكمل إجراءات الشراء إلا إذا عرضها علي الميكانيكي وسأل عن سدادها للضرائب وفحصها فحصا دقيقا فما بالك بشراء شقة.. ومن الطبيعي أن يعترض من اشتروا الوحدات المخالفة علي هذا الرأي.. ومن الطبيعي أن تخضع الدولة لرأيهم بأنهم غير مسئولين المشاركة في المخالفة… تماما كما تخضع الدولة لأصحاب المساكن العشوائية وتترك لهم الحبل علي الغارب وتمكنهم من تملك الأراضي التي اغتصبوها.. وبعد كل ذلك يظهر التساؤل عن مدى أهمية القانون أي قانون خاص بتنظيم البناء أو التخطيط العمراني.. أو غيره.. ولماذا لا يدع كل واحد يفعل ما يشاء إذا كان القانون يصعب تطبيقه ولماذا لا تترك العشوائية تنتشر… ليس فقط في الإسكان المتواضع ولكن أيضا في الإسكان المتوسط والفاخر.. وها هي منطقة لأحد الجمعيات التعاونية الزراعية تبدأ عشوائيتها تظهر علي الجانب الغربي لطريق القاهرة الاسماعلية شمال سوق العبور… دون حسيب أو رقيب بل دون تخطيط أو تخريط وغيرها الكثير في كل أرجاء مصر… وكأن قوانين تنظيم البناء والتخطيط العمراني قد وضعت لدولة أخرى غير مصر… وهذا صحيح في كل الدول العربية التي سبقتنا في هذا المجال.

word
pdf