إدارة التنمية ومشروع الدلتا الجديدة

إدارة التنمية ومشروع الدلتا الجديدة2019-11-20T09:23:59+00:00

إدارة التنمية ومشروع الدلتا الجديدة

دكتور عبد الباقى إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

تسعى الدولة بكل إمكانياتها وطاقاتها إلى توسعة المعمور المصرى ليغطى مساحات أكثر من الأرض لإستيعاب الفائض السكانى من الوادى الضيق سواء كان ذلك فى المشروع القومى لتنمية سيناء أو المشروع القومى لتنمية جنوب الوادى أو فى فتح آفاقاً حضارية جديدة فى الدلتا التى تستمد شريان حياتها من بحيرة السد العالى عند مضيق توشكا .. وجميعها أمال كانت تراود العديد من المخططين فى بداية الستينيات ونداءات كانت تتردد بين الحين والآخر للخروج من الوادى الضيق ومقالات تنشر لتوجيه الخطط الخمسية فى بعدها المكانى لتحقيق أهداف التنمية الإقتصادية الإجتماعية العمرانية فى تحريك السكان من الوادى الضيق إلى آفاق التعمير الجديدة .

والدولة فى ذلك لها تجاربها السابقة فى مشروع مديرية التحرير التى سمعت أصداؤه فى كل الأرجاء ، وفى مشروعات المدن الجديدة التى شهدت معدلات كبيرة فى مجال الإستثمار الصناعى فاق ما كان مخططاً لها ، كما شهدت معدلات متواضعة جداً فى مجال الإستيطان ولا تزال مساكنها المهجورة شاهداً على هذا الوضع . فقد كان من الواضح أن مثل هذه المشروعات العملاقة كانت تعامل كمشروعات مستقلة تعمل بآلياتها التنفيذية دون دعم من الآليات التى تتحكم فى توزيع الإستثمارات والسكان على مناطق التعمير الجديدة والقديمة . وبمعنى آخر لم تكن عوامل الجذب إلى مناطق التعمير الجديدة بقدر عوامل الجذب إلى المناطق القديمة فى الوادى الضيق ، فقوة الجذب من ناحية لابد وأن تدعمها قوة الطرد فى المناطق المأهولة. الأمر الذى يتطلب إتباع السياسات التى تساعد على ذلك وفى كل المجالات.

وأقرب مثل لذلك أن مدينة القاهرة التى تضم حوالى ربع سكان مصر تستحوذ على أكثر من ثلث الإستثمارات القومية فكلما أنشئ فيها نشاط جديد .. أى نشاط جذب معه كم من الفئات المختلفة من السكان .
ومصر وهى تضع حجر الأساس لبناء الدلتا الجديدة فى جنوب مصر لابد وأن تستوعب الدروس المستفادة من التجارب السابقة والحالية . وتهيئ الظروف التى تساعد على تحريك السكان من الوادى الضيق إلى الوادى الجديد وتحريك إتجاه الهجرة الطبيعية من الجنوب إلى الشمال وجعلها تتجه من الشمال إلى الجنوب وهذا هو لب المشكلة .
إنه من الإمكان وضع المخططات وإعداد التصميمات وتوفير المعدات وشق الطرق والقنوات وجذب الإستثمارات .. ولكن يبقى جذب البشر الذى هو عماد التنمية فى هذه المناطق الصحراوية الحارة فى جنوب مصر ، هذا هو الهدف وهو الموضوع .

إن جذب العمالة بكل مستوياتها ونوعياتها إلى هذه المناطق لا يمكن أن يتم فى إطار النظم واللوائح التقليدية ولكن لابد من التعامل مع مثل هذه المشروعات العملاقة بمنطق آخر ونظم أخرى وبآليات جديدة ليس فقط فى توفير الحركة بين الوادى القديم والوادى الجديد ولكن فى إنشاء مرتكزات عمرانية تبعث فيها حركة التنمية والتعمير . وأول هذه المرتكزات أبو سنبل التى سوف تصبح مركزاً للتنمية العمرانية للدلتا الجديدة بما يتوفر فيها من خدمات تعليمية وصحية وتجارية وإدارية وأمنية وترفيهية وسياحية على أعلى مستوى من البناء والكفاءة والأداء الذى يفوق ما يتوفر فى الوادى القديم .
إن الإستيطان البشرى عملية مستمرة لها مقوماتها وآلياتها الخاصة التى تبدأ بتوطين الرواد الأوائل الذين تتوفر لهم الأولوية فى كل إحتياجاتهم المعيشية فى المنطقة الجديدة والأولوية فى توفير كافة متطلباتهم الخاصة من خارج المنطقة . إن زرع البشر فى البيئة الجديدة يحتاج إلى علم وجهد وإدارة على أعلى مستوى . الأمر الذى تصبح فيه إدارة التنمية من الأهمية التى تفوق أهمية التخطيط والتصميم والبناء والتشييد بحيث تتواكب عمليات الإستنباط البشرى مع مرحليات التنفيذ ويتبقى البحث عن الصيغة التى تتناسب مع هذا المشروع العملاق فى الدلتا الجديدة .

وإذا كانت الدولة قد أفردت وزارات خاصة لبناء السد العالى وهو مشروع إنشائى . فلا أقل من تفرد لمشروع الدلتا الجديدة وهو مشروع إنشائى إستيطانى وزارة خاصة تعمل بأساليب خاصة ونظم خاصة تتوائم مع طبيعة العمل والإستيطان فى هذا الجزء النائى من الأرض من جنوب مصر . وزارة لها من الصلاحيات التى تساعدها على جذب السكان إلى هذه المنطقة الجديدة بحيث ينقسم عملها إلى وكالتين – الأولى لتنفيذ الأعمال والأخرى لتوطين السكان ، بحيث تأخذ الدولة فى حساباتها التنموية توفير مستوى معيشى أفضل للمستوطنين الجدد . الأمر الذى سوف يؤخذ فى الإعتبار فى دراسات الجودة الإستثمارية للمشروعات الجديدة فى الدلتا الجديدة .

كما تأخذ الدولة فى حساباتها البحث عن أساليب جديدة للبناء والتعمير فى إنشاء المستوطنات الجديدة تتناسب مع البيئة المحلية والظروف المعيشية حتى لا تنتقل إليها عدوى المدن الجديدة ، وحتى لا تتعرض إلى التجارب التى مرت بها مشروعات شمال سيناء والبحر الأحمر .
إن الأمر يتطلب الإعداد الدقيق والشامل لإدارة عمليات الإستيطان البشرى بنفس المجهود الذى بذل فى الدراسات المائية والبيئية والزراعية والإنشائية .

إن بناء البشر أصعب بكثير من بناء الحجر .

word
pdf