إشكاليـة العمـارة بين الفرديـة والجماعيـة

إشكاليـة العمـارة بين الفرديـة والجماعيـة2019-11-17T11:32:46+00:00

إشكاليـة العمـارة بين الفرديـة والجماعيـة
د. عبد الباقى إبراهيم

 

 

يستمر الجدل حول إشكالية العمارة التى تعبر عن الإبداع الفكرى للمعمارى المفرد الأمر الذى يختلف بإختلاف المدارس المعمارية والعمارة التى تعبر عن ثقافة المجتمع وطموحاته وتتصل بإحساسه ويرضى عنها ويفضلها الأمر الذى يختلف بإختلاف المستوى الثقافى والإجتماعى للمجتمع .من هنا يظهر الإختلاف فى التوجهات الفكرية مع تعارض الفكر الإبداعى المطلق ورغبة المجتمع فى إيجاد التجانس والأصالة مع المعاصرة فى الفراغات التى يستعملها فى الشارع أو الميدان أو أى مكان ، والمشكلة ترجع إلى الإرتباط بين الفن بالعمارة ، والفن هنا تتنوع فروعه من الموسيقى والأدب إلى التصوير والنحت إلى غير ذلك من مجالات الفنون، والفن التشكيلى هو الأقرب إلى المفهوم المعمارى وقد إرتبط به وأثر فيه وتأثر به ، من هنا إنعكست الحرية المطلقة والفردية فى إبداعات الفن التشكيلى على الفن المعمارى الذى يتقيد من ناحية أخرى بأمور تكنولوجية ووظيفية أى بجوانب علمية وإجتماعية ،  وإذا كان الفنان التشكيلى يمكنه أن يعبر عن ذاته فى لوحاته بالإسلوب الذى يداعب إحساسه ووجدانه دون إعتبار لأحاسيس المتلقى أو المشاهد الذى تترك له بالتالى حرية الإستيعاب والتقدير تبعاً لأحاسيسه الخاصة وثقافته الفنية أو الإجتماعية ، وهكذا يصبح الأن التشكيلى مرتبطاً بفردية الإبداع الشخصى من جهة وبفردية الإستيعاب والتقدير الشخصى للمتلقى الذى تختلف إحساساته عن غيره من أفراد المجتمع ، هذا بالإضافة إلى أن علاقة الفن التشكيلى بالمجتمع يحدها مكان العرض فى الداخل أو فى الخارج وهى علاقة محدودة بمحدودية هذا المكان ، كما أن الفن التشكيلى لا يعدو أن يكون إختيارياً وليس نفعياً بالضرورة إلا فى حالات قليلة بخلاف العمارة التى تفرض نفسها على الإنسان الذى يعيش داخلها ويتحرك خارجها ، فإرتباطه بها حتمياً لا مفر منه سواء فى المدينة أو القرية أو فى أى مكان يذهب إليه ، من هنا تبدأ إختلاف الرؤيا للفن التشكيلى عن العمارة كفن وعلم وإجتماع معاً ، هى فن الإبداع الفراغى أكثر منها التشكيل الحجمى المصمت أو التشكيل الفنى المسطح ، هذا من منطلق التشخيص الأكاديمى للعمارة الأمر الذى لا يدرك الفرد العادى فى المجتمع أبعاده المختلفة فله منظوره الخاص الذى يتحدد حسب مستواه الفكرى والثقافى والإجتماعى الذى يتغير بتغير المناخ الإقتصادى والإجتماعى الذى يعيش فيه ويعمل ، والمعادلة الصعبة تصبح فى كيفية الموائمة بين الإبداع الفكرى الفردى المتنوع الإتجاهات الفنية والمعمارية وإرضاء مجموعة أفراد المجتمع فنياً ومعمارياً مع إختلاف مستوياتهم الثقافية والإجتماعية ، كيف يمكن الموائمة بين إيجاد التجانس المعمارى من الخارج وإطلاق حرية الإبداع فى الداخل ، كيف يتم ذلك إذا كان الفكر المعمارى يقول أن الواجهات الخارجية هى تعبير عن الفراغات الداخلية ، وتستمر المعادلة الصعبة دون حل إلا إذا إقترب المعمارى من رجل الشارع وتختلف المسافة بينهما بإختلاف المستوى الثقافى والإجتماعى بينهما، ويعنى ذلك ضرورة الإرتقاء برجل الشارع ثقافياً وإجتماعياً ليستطيع أن يتفهم لغة المعمارى وتوجهاته ، وذلك مع ضرورة الأخذ بيد المعمارى حتى يستطيع أن يتفهم السيرة الشعبية وما رسخ فيها من موروثات فنية وثقافية وإجتماعية شكلت وجدان الشعب وإحساساته ويمكن إستطلاع ذلك من خلال الغوص فى بنائه الفكرى على مر العصور ثقافياً وإجتماعياً وإقتصاياً ، وهنا يكمن دور المناهج المعمارية وذلك بإعتبار العمارة منتجاً إجتماعياً يتفاعل فى إنتاجه المعمارى مع صاحب العمل مع الهيئة المسئولة عن تنظيم البناء والتخطيط وهى المثلث الذى يستطيع أن يوجه العمل المعمارى ويؤثر فيه ، وإذا دخل الجهاز الرسمى المسئول عن تنظيم البناء فى الصورة فهو لابد وأن يكون على بينة من التوجهات التخطيطية والإتجاهات المعمارية التى تضمن إيجاد التجانس المعمارى العام فى المدينة ، ولا يتوقف دور هذه الأجهزة على التعامل مع كل مبنى على حدة فى ضوء الشروط المحددة للبناء سواء من الناحية الصحية أو الإنشائية بل قد يتعداه إلى إعتماد الطابع المعمارى الذى تعبر عنه الواجهات أو التشكيلات الخارجية ، وهنا يثار التساؤل مرة أخرى عن مدى إدراك المسئولين فى هذه الأجهزة عن مفهوم الطابع أو الوحدة المعمارية أو التجانس العمرانى ، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تم وضع التشكيل العام لواجهتى كل شارع وهنا يدخل دور التصميم الحضرى الذى يحدد ملامح التشكيل الفراغى للمكان بما ذلك الطابع العام للواجهات التى هى فى واقع الأمر ملك المجتمع الذى يتعامل ويتفاعل معها وبالتالى تخضع لقيمه الثقافية والحضارية الأمر الذى يتطلب تدخل الجهة التى حددها المجتمع لتكون مسئولة عن تنظيم المبانى ،ذلك من خلال مجموعة من التعاليم الفنية والدلائل المعمارية التى تعطى للمعمارى لأخذها فى الإعتبار عند إعداده لتصاميمه المعمارية ليس كضرورة ولكن كتوجيهات عامة يعمل المعمارى فى إطارها بكل حريتها وبحيث لا يخرج عن هذا الإطار وإذا كان من الممكن تحديد العلاقات التوافقية بين أعضاء مثلث التفاعل فى العمل المعمارى المتمثل فى المعمارى وصاحب الملك وجهاز تنظيم البناء فإن الدور هنا ينقلب بالتالى على عملية وبناء الفكر المعمارى ومدى صلاحية المدارس المعمارية المختلفة فى تحقيق هذا التوافق بين الجهات الثلاثة مع العلم بأن المدارس المعمارية مع إختلاف توجهاتها ونظرياتها هى فى حد ذاتها ترتبط بذاتية المعمارى دون النظر إلى الطرفين الآخرين من أطراف المثلث ، وهذا يدخلنا فى إشكالية أخرى عن بناء الفكر المعمارى والعملية التعليمية وهو مايحتاج إلى دراسة أخرى

word
pdf