إشكاليـة بنـاء الفكـر المعمـارى والعمليـة التعليميـة

إشكاليـة بنـاء الفكـر المعمـارى والعمليـة التعليميـة2019-11-17T11:45:57+00:00

إشكاليـة بنـاء الفكـر المعمـارى والعمليـة التعليميـة

د. عبد الباقى إبراهيم

إذا كانت إشكالية العمارة بين الفردية والجماعية قد أفرزت فيما أفرزت إشكالية بناء الفكر المعمارى والعملية التعليمية فإن الأمر يتطلب مراجعة الأهداف الأساسية فى بناء الفكر المعمارى ومايتطلبه من مناهج فى العملية التعليمية ، وإذا كان النمط الغربى فى التعليم المعمارى يهدف إلى بناء الفكر المعمارى للطالب حتى يستطيع أن يعبر عن شخصيته من خلال إبداعاته الفكرية فيعنى ذلك أن المدرسة الغربية بهذه الصورة تهيىء المعمارى المتفرد دون أى إرتباط منهجى بينه وبين طرفى المثلث اللذين يؤثران على المنتج المعمارى وهما المالك وجهاز تنظيم المبانى ، من هذا المنطلق وضعت المدرسة الغربية فى اوائل مناهجها مادة التشكيل الذى يعتمد فى الأساس على القيم الفنية للفنون التشكيلية كقاعدة يمكن الإنطلاق منها للتشكيل المعمارى بنفس المنهج وهذا ما تظهره أهم صورة فى الإتجاه الحديث والمسمى بالتفكيك والذى يرى فيه المعمارى عمله كقطعة فراغية دون أى إعتبار لمقيدات أو محددات خارجية كتأثير مباشر لقيم الفنون التشكيلية مع وجود الفارق الكبير بينهما ، فأعمال التصوير أو النحت ترى من منظور ثابت ومحدد ، فالصورة تنظر إليها من قريب لإستيعاب مايدور على سطحها من تغييرات فنية أو حرفية ، الأمر الذى يختلف إستيعابه بين شخص وآخر وهكذا بالنسبة للقطعة النحتية التى ترى من جوانبها المختلفة دون الدخول فى قلبها ، مع أن العمارة كفن ترى من الخارج كما ترى من الداخل ليس من منظور ثابت ولكن من منظور متحرك توجده حركة الإنسان فى الفراغ الداخلى أو الفراغ الخارجى للعمارة ، هنا يكمن الفرق فى أسلوب الإستيعاب البصرى لمشاهد العمل التشكيلى عن المشاهد للعمل المعمارى ، الأمر الذى يستدعى إعادة النظر فى إسلوب إعداد الطالب الذى يدرس العمارة بحيث تتكون له الشخصية الفردية التى تتعامل مع القيم الجماعية وتحت محددات نظم البناء وفى إطار الطابع المعمارى المرسوم لكل شارع أو منطقة، وطالب العمارة هنا يمكن أن يكون مهيأ للعمل المعمارى الفردى فى إطار نسج معمارى محدد الإطار وطابع معمارى تم الإرتضاء به وللعمل به فى كل منطقة من هنا يبدأ العمل لإعادة النظر فى وضع المناهج العلمية والفنية والإجتماعية والإقتصادية فى العملية التعليمية التى تتناسب موادها مع المتطلبات المحلية والحضارية ، لم تعد مناهج تاريخ النظرية المعمارية قاصرة على الإتجاه الغربى الممتد من اليونان شرقاً ثم الرومان غرباً ثم العصور الوسطى ثم عصر النهضة وعصر الإتصالات هذا التسلسل التاريخى الذى بنيت عليه الحضارة الغربية بل لابد من تحويل هذا التسلسل التاريخى ليكون نابعاً من الجذور التاريخية للمنطقة العربية وعلى مر العصور حتى التاريخ المعاصر حتى يمكن الربط بين الأصالة والمعاصرة فى مختلف الفنون ، فى العمارة والنحت والتصوير والموسيقى ، هنا يعيش الطالب ماضيه وحاضره بكل المقومات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية التى أفرزت العمارة العربية على مر العصور التاريخية وليس كتاريخ لأحداث ومعالم معينة ولكن كنظريات معمارية تشرح الإتجاهات التصميمية والقيم الحضارية والنظريات الفنية فى كل عمل معمارى ، على ألا يقتصر تاريخ نظريات العمارة على عمارة الصفوة ولكن لابد وأن تضم العمارة الشعبية التى تمثل الغالبية العظمى من أفراد المجتمع ، من هذا السياق العلمى يمكن إستنباط النظرية المعمارية المحلية التى تربط الطالب ببيئته ومجتمعه ، وهذا هو التحدى الحقيقى أمام السيل المتدفق من النظريات الغربية المتضاربة والمتغيرة والمسايرة للتقدم العلمى والتكنولوجى فى البناء المتوافق .. من هنا يبدأ البحث عن تكنولوجيا البناء المتوافقة فى الوطن العربى التى تتوافق مع إمكانيات ومتطلبات الفئات المختلفة من الشعوب العربية ، فعمارة المجتمع هنا هى عمارة الفئات الفقيرة والمتوسطة والغنية معاً لا تنفصل مكانياً أو فكرياً إذا مارجعنا إلى القيم الإجتماعية التى تربط هذه الفئات حيث التجانس الخارجى فى العمارة وحيث التكامل فى المجتمع وحيث المساواة كأسنان المشط فى الحقوق والواجبات وحيث الوسطية فى الإنفاق هذه هى القيم التى يمكن أن يرتبط بها أطراف المثلث من المعمارى والمالك وجهاز تنظيم البناء ، فى إنتاج العمل المعمارى لكل الإشكالية المعمارية من الفردية والجماعية ، وما يندرج على النظرية الجديدة للعمارة العربية يمكن أن يندرج أيضاً على باقى المواد فى مناهج العملية التعليمية فى التخطيط العمرانى فى الإقتصاد العمرانى ، فى الإجتماع العمرانى فى إنشاء المبانى وبالتالى فى التصميم المعمارى ، الأمر الذى يتطلب مراجعة كاملة لمحتوى المواد فى المناهج المعمارية حتى تخرج متكاملة متناسقة ومتدرجة فى كل سنة من سنوات الدراسة ، من هنا يمكن بناء الشخصية الحضارية للعمارة العربية حيث ثبات المضمون الإسلامى مع إختلاف فى الشكل المعمارى الذى يختلف بإختلاف البيئة والمكان والزمان فلكل مكان وزمان خصائصه الذاتية التى تنعكس على طرق ومواد البناء وترتبط فى نفس الوقت بالجذور التاريخية والثقافية للمكان ، من هنا يمكن فتح الطريق إلى نظرية عالية للعمارة ، فى الإسلام دين كل زمان وكل مكان .

word
pdf