إلى متى ستظل المملكة العربية السعودية تتحمل كل مسؤوليات الحج

إلى متى ستظل المملكة العربية السعودية تتحمل كل مسؤوليات الحج2019-11-24T13:58:17+00:00

 دكتور عبد الباقي إبراهيم 

           رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية         

                                                             وكبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمران                                                            

       وأستاذ التخطيط ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس سابقا    

 

 

انتهي موسم الحج بسلام وعادت قوافل الحجيج إلي بلادها بعد أن أدت الفريضة ونعمت بزيارة قبر الرسول صلي الله عليه وسلم. وبهذه المناسبة انبرى رؤساء وفود الدول الإسلامية وكبار المدعوين إلي أداء الفريضة إلي تقديم الشكر إلي حكومة المملكة العربية السعودية علي ما قامت به من مجهودات كبيرة لضيوف الرحمن والإشادة بالمشروعات الصحية التي بدأت تظهر بوادرها هذا العام, وكل من أدى الفريضة هذا العام يلاحظ مدى الإنجازات التي تمت خلال العام الماضي وهي كما نعلم مرحلة أولي من مراحل تطوير المشاعر المقدسة التي سوف تستكمل علي مدى السنوات القليلة القادمة موفرة كل سبل الراحة لحجاج بيت الله واستيعاب الأعداد الكبيرة المتوافدة منهم في المستقبل إن شاء الله.

ومع كل الإنجازات التي تمت يتساءل الفرد إلي متي ستظل الحكومة السعودية التي تتحمل كل هذه الإنجازات دون مساهمة الدول الإسلامية التي يأتي أبنائها بمئات الألوف إلي هذه الأماكن المقدسة لأداء الفريضة دون توعية أو تنظيم قد يضعف أمامها كل ما يتم هناك من إنجازات, فبينما تقيم الحكومة مشروعا لتيسير أداء النسك عند الحجرات نرى مئات الألوف من أبناء الدول الإسلامية تفترش داخله وخارجه والمساحات الموصله إليه مضعفين بذلك الغرض من المشروع. وبينما تقيم الحكومة الجسور العريضة الضخمة لتيسير حركة المرور نرى مئات الألوف من أبناء الدول الإسلامية القادمين للحج يفترشون أرصفتها ويقفون بسيارتهم علي جوانبها, وبينما تقوم الحكومة بإمداد المياه ووسائل الصرف إلي كل أجزاء المشاعر المقدسة نرى المياه وقد تدفقت من الصنابير دون توقف مغرقة بذلك الشوارع والطرقات ومصنعة بذلك أسبابا أخرى من تلوث البيئة, وبينما تحاول الحكومة إنشاء مئات من دورات المياه في مختلف أنحاء المشاعر المقدسة نرى عشرات الألوف من أبناء الدول الإسلامية يغتسلون في الشوارع والطرقات بل ويقضون الحاجة في أي مكان يتيسر لهم حتى ترى عشرات الألوف وقد أقاموا مطابخهم المكشوفة في الشوارع والساحات مستعملين كل أنواع الوقود, وأنظر بعد ذلك كيف يتركون بقايا الأكل في أي مكان دون وعي أو تقدير, وبينما تقوم الحكومة بإنشاء المجازر الحديثة في كل مكان نرى الناس وهم يقيمون بذبح وتنظيف الذبائح في الأماكن التي يقيمون بها بل ويترك بعضهم أشلاء الذبائح علي الأرصفة والجسور, وبينما تقوم الحكومة بوضع العلامات الإرشادية في كل مكان وبلغات مختلفة نرى مئات الحجاج لا يستطيعون القراءة ومئات الآلف منهم لا يعرفون المبادئ البسيطة للغة العربية لغة القرآن حتى يستطيعوا أداء حوائجهم بيسر. ومع كل ذلك فالحكومة السعودية وأجهزتها الإعلامية تتحاشى إبداء مثل هذه الملاحظات حفاظا علي مشاعر ضيوف الرحمن الذين يتشرفون بخدمتهم وتحمل كل المتاعب في سبيل توفير سبل الراحة لهم, ويظهر أن كثير من الدول السلامية تعتبر أن دورها في هذا الشأن قاصرا علي تطعيم أبنائها من الحجاج ضد الأمراض أو تيسير طرق الانتقال مع ما تيسر من التوعية الدينية والبيئية أما غير ذلك فيترك للتصرف الفردي الخاص لكل حاج وقدراته الثقافية والمادية علي التكيف بوسائل الحياة الصحية والإنسانية.

وهكذا يظهر أن دور الدول الإسلامية يكاد يكون منعدما في إنجاح هذا المؤتمر الإسلامي الكبير الذى يتلقى فيه أبناء كل الشعوب الإسلامية باختلاف أجناسها وألوانها متجردين من كل مظاهر الحياة المادية تربطهم عقيدة واحدة وهدف واحد. الأمر الذي جعل من هذا المؤتمر منطلقا قويا لتوحيد أمة الإسلام لتكون خير أمة أخرجت الناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر. وقوة الشعوب تكون في قيمتها إذا ما توازنت فيها القيم الروحية بالجوانب الحضارية, واستكمال الجوانب الحضارية لهذا المؤتمر الكبير بجانب الجوانب الروحية المتأصلة في حين يقوم بأداء الفريضة سوف يجعل منه حدثا سنويا يهز العالم روحيا وماديا ويعطي للأمة الإسلامية القوة والمتعة لتكون بحق خير أمة أخرجت الناس، فكم من العناية تعطيها الدول الإسلامية لهذا التجمع السنوي الإسلامي الكبير بقدر ما تعطيه لغيره من التجمعات والمهرجانات في مناسبات أخرى. فهل هو أقل أهمية من مهرجانات الأعياد القومية لهذه الدول أو هو أقل أهمية من المؤتمرات السياسية أو الفنية التي توفر لها كل الإمكانيات والاستعدادات. وهل السياحة الروحية أقل أهمية من السياحة الترفيهية التي تعني بها هذه الدول وتخصص لها الأجهزة المختصة. كم يقوم الإنسان المسلم من إعداد لرحلة إلي أوربا مستحضرا أجمل الثياب حاملا كل ما توفر له من مال ملما بمبادئ اللغات الأجنبية التي تعاونه علي قضاء حاجاته في البلاد التي يزمع زيارتها فما بالنا بأطهر وأكبر مؤتمر في التاريخ يقام سنويا علي أطهر أرض وأقدسها.

” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير”.

وهنا يقول الله سبحانه وتعالي بأن يشهد المسلمون منافع لهم تأكيدا لحكمة الحج في توثيق الترابط بين المسلمين والالتقاء علي الخير والنفع لهم, والمنافع هنا لا تقتصر علي أمور الدين دون أمور الدنيا وقوة الإسلام في عزة المسلم وبأسه وكرامته. وهذه أمور لابد للدول الإسلامية من أن تعمل فى سبيلها فلقاء المسلمين على الخير والنفع لابد وأن يشمل كل الجوانب الحياتية سواء أكانت في أمور الدعوة أو التشريع أو التنمية. وهنا مجال أوسع للمؤتمرات النوعية لأن تنعقد سنويا في ظلال هذا الفيض الروحاني حتى تناقش أمور الدين والدنيا معا في صورة متكاملة تتوازن فيها القيم الروحية والمادية للدول الإسلامية الكبرى. فيلتقي علماء الدين والمهندسين وعلماء الاقتصاد والزراعيين وعلماء الاجتماع والأطباء ورجال الأعلام والمفكرين في رحاب الله. ولتكن مكة المكرمة ملتقي المسلمين ليس لأداء نسك الفريضة فقط ولكن ليشهدوا منافع لهم. ولتبدأ هذه اللقاءات حول تنظيم هذا المؤتمر الإسلامي الكبير سواء بالنسبة لإعاشة الحجاج أو تنظيم حركتهم بين المشاعر، كيف يتعلم الحاج مبادئ اللغة العربية قبل أداء الفريضة, ماذا يستعد به من زاد وعتاد هل تبقي صورة الخيام وافتراش الأرض علي ما هي عليه أو نقوم بتطويره؟ كيف يمكن تطوير صناعة تجهيزات المعسكرات بما فيها تطوير الخيام والأثاث الخفيف وأدوات الطهي البسيطة وأمكنة قضاء الحاجة المتطورة, ولما لا،نأخذ بالتكنولوجيا الحديثة في هذه الناحية وما تم تصنيعه في الدول المتقدمة صناعيا حتى نظهر بمظهر النظافة والتطهر التي هي من مقومات السلم. كيف يمكن فصل المشاة عن مرور السيارات التي أصبحت بضجيجها تمنع الهدوء والسكينة عن هذا الجو الروحاني الجميل… وكيف وكيف من كثير من أمور هذا المؤتمر الكبير… ثم تتطور المؤتمرات النوعية بعد ذلك إلي غير ذلك من أمور المسلمين في العالم الإسلامي. وهنا لابد من الإشادة بالخطوة التي أقبلت عليها جامعة الملك عبد العزيز بجده بإنشائها مركزا لبحوث الحج يمكن اعتباره ملتقي آخر للخبرات المسلمة في هذا المجال… وإذا لم نلتف حول أمور ديننا فعلي ماذا اذن نلتفت؟

لقد آثار في نفوس الكثيرين مدى ما وصلت إليه مخيمات الهيئات بالجمعيات الدينية من سوء المنظر، فكيف تكون الدعوة الإسلامية مقنعة لشباب المسلمين إذا لم يرتبط السلوك بالمظهر والعلم, خاصة في هذه الأيام التي تعمل فيها المبادئ, الهدامة علي جرف شباب المسلمين إلي الهاوية معتمدة علي الجوانب المادية والمظهرية لهذه المبادئ ومن هنا فلابد للدول الإسلامية أن تقابل ذلك بالدعوة المقنعة روحانيا وماديا حتى تحتفظ الدولة الإسلامية الكبرى بشبابها المؤمن قوة لها يحميها من القوى المتربصة للإسلام والتي تعتبره خطرا عليها وعلي مقوماتها الإلحادية والمادية.

وفي الوقت الذي تقبل فيه المملكة العربية السعودية علي تطوير المناطق المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والتي بدأت مراحلها تظهر هذا العام ليتبعها بعد ذلك مزيدا من المنشآت, ففي مني سوف نرى إن شاء الله مزيدا من الطرق العرضية المعلقة ثم تنظيما محكما لمربعات المخيمات المكتفية ذاتيا بالمرافق الصحية والأمنية ودورات المياه فقد بدأت شبكات الصرف الصحي والمياه والإنارة تمتد علي هذه الأرض الطاهرة وسوف يتبعها بعد ذلك إن شاء الله تطويرا جذريا في توفير مناطق الإعاشة علي سفوح الجبال وفي المنطقة المبنية من مني لتكون ضاحية لمكة المكرمة تربطها بالحرم المكي وسائل النقل المستمر كمترو الأنفاق وترتبط من ناحية أخرى بوسائل النقل السريع بمراكز وصول الحجاج في المطار الجديد الذي يقام شمال جده أو بمينائي جدة وينبع.

في الوقت الذي تقبل فيه المملكة العربية السعودية علي كل هذه المشروعات والمنجزات لابد لنا في الدول الإسلامية أن نكون علي مستوى الاستعداد والوعي للتفاعل مع كل هذه المنجزات الضخمة بكل الإمكانيات التنظيمية والعلمية والفنية. فإلي متي ستظل المملكة العربية السعودية تتحمل كل مسئوليات الحج وحدها دون تحرك موازى من الدول الإسلامية حتى تكون مكة المكرمة قبلة المسلمين في أنحاء العالم ومركزا حضاريا لدولة إسلامية كبري فخط الطول الذي يمر بها وهو الخطط الذي ظهر علي طوله الأنبياء والمرسلين يكون ملتقي الشرق بالغرب جغرافيا وعنده يتحدد مقياس التوقيت الزمني للمسلمين.

أما في مصر فلا أقل عن أن يكون في وزارة الأوقاف وكالة لشئون الحج بمعناه الأوسع والأشمل وإن اتخذت الوزارة لها اسما مجيزا كوزارة الأوقاف وشئون الحج ونحن نعلم أن علي رأس هذه الوزارة حاليا شخصية إسلامية مرموقة لها فلسفتها الحضارية ومنطقها العلمي في إرساء دعائم الدولة الإسلامية.

word
pdf