الأجندة التي تنتظرها اللجنة القومية لحل مشاكل القاهرة

الأجندة التي تنتظرها اللجنة القومية لحل مشاكل القاهرة2019-11-24T14:53:55+00:00

الأجندة التي تنتظرها اللجنة القومية لحل مشاكل القاهرة

 دكتور عبد الباقي إبراهيم 

 

 رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية     

   

      وكبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمران 

     

وأستاذ التخطيط ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس 

 

قوبلت دعوة السيد/ رئيس الجمهورية لدراسة مستقبل القاهرة بكل التقدير والترحيب وإن جاءت متأخرة ثلاثين عاما عن موعدها بعد أن تفاقمت مشاكل العاصمة وتعقدت حتى أصبحت عزيزة عن الحل. لقد مر مستقبل القاهرة بالعديد من البحوث والدراسات بدأ من أول تخطيط لها عام 1956 حتى آخر تخطيط لها عام 1986 ومع ذلك فالمشاكل تتفاقم بسرعة مذهلة. وهنا يثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة… هل هي القصور في البحوث والدراسات وما أكثرها, أم هي في غياب الأجهزة القادرة علي تحويل هذه البحوث والدراسات إلي برامج تنفيذية, أم هي القصور في اللوائح والتشريعات التي تضمن تنفيذ مثل هذه البرامج, أم هي في تداخل الاختصاصات بين الأجهزة التخطيطية, أم هي عدم التحكم في ملكية الأراضي الموزعة بين المحافظة والدولة والقوات المسلحة والشرطة والآثار, أم هي في التداخلات السياسية التي كانت تقر ظاهرة الامتدادات العشوائية وكادت تصيب العاصمة في مقتل, أم هي قوى الضغط ذات النفوذ التي تبرر زيادة الإرتفاعات في مختلف الأحياء لمواجهة مشكلة الإسكان. أم هي في التسيب الذي أصاب إدارات الإسكان المحلية التي تتغاضي عن مخالفات قوانين المباني وتفاقم ظاهرة الأبراج,  أم هي في ضعف سلطة الدولة في إدارة المدينة, أم هي أم هي في غياب استراتيجية قومية للتنمية العمرانية تتأثر بها القاهرة كما تتأثر بها غيرها من المدن التي تقع في الأراضي الزراعية, أم هي في غياب البعد المكاني الحقيقي في خطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية وعدم تكاملها مع خطط التنمية العمرانية… وهل هي نتيجة لتداخلات المكاتب الاستشارية الأجنبية من خلال المعونات الأجنبية في توجيه التنمية العمرانية وجهاتها الخاصة, أم في ضعف أجهزة التخطيط المحلي والإقليمي إن وجدت, أم هي في النهاية ضعف الوعي السياسي الذي لا يري إلا المشاكل الآتية و لا ينظر بجدية إلي المستقبل, أم الفجوة بين الفكر التخطيطي والفكر السياسي, أم هي في كل هذه الأسباب مجتمعه…

ان التنمية العمرانية عملية مستمرة تدعمها قاعدة من البيانات المتجددة وتساندها مجموعة من اللوائح والقوانين وتدفعها أجهزة قادرة علي اتخاذ القرار والتنفيذ, وبغياب أحد الأطراف الثلاثة تنهار العملية من أساسها والتنمية العمرانية من ناحية لاتنفصل عن التنمية الاقتصادية الاجتماعية بأبعادها المكانية علي المستوى القومي والإقليمي والمحلي, الأمر الذي يتطلب توفير العلاقة التبادلية بين أجهزة هذه المستويات ان وجدت, الأمر الذي لا يتوافر إلا بإعادة هيكلة أجهزة التخطيط والتنمية ودعمها فنيا وإداريا بحيث يصبح الجهاز المركزي للتخطيط هو الموجه للتنمية بكل مقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية علي كل من المستوى الإقليمي والمستوى المحلي… وان تفكك أجهزة التنمية بصورتها الحالية لن يترك فرصة للإصلاح… والقاهرة هنا جزء لا يتجزأ من عملية التنمية القومية والإقليمية,  ولا يجب معالجتها منفصلة عن الاستراتيجية القومية التي تهدف إلي تفريغ السكان من الوادي الضيق إلي مناطق التعمير الجديدة, وذلك بزيادة عوامل الطرد من المناطق القديمة. والقاهرة جزء منها- مع زيادة عوامل الجذب إلي المناطق الجديدة, وذلك من خلال مجموعة من التشريعات الجديدة التي تتصل بتكلفة الخدمات وتوفيرها, وقيمة الضريبة المحلية أو القومية, والحد من التصريحات للبناء في المناطق القديمة وإطلاقها في المناطق الجديدة, وتوفير وسائل الاتصال والنقل السريع التي تساعد علي حركة السكان من الداخل إلي الخارج. وهنا تظهر الأهمية الكبيرة لتنظيم وإدارة عمليات التنمية والا فقدت الدراسات واللوائح والأجهزة موضوعيتها ووظائفها.

وتنقسم أجهزة التنمية الشاملة بذلك إلي أجهزة في المناطق الطاردة تعمل للإرسال وأجهزة في المناطق الجاذبة تعمل للاستقبال, وهنا يتطور مفهوم الجدوى الاقتصادية للمشروع -أي مشروع- إلي مفهوم آخر هو الجدوى الاستيطانية التي تخدم الاستراتيجية القومية, وهنا لابد من تطوير القوانين التي تنظم حركة السكان والتعمير لتعمل جميعا لتحقيق الاستراتيجية القومية وذلك بمفهوم جديد يتطلع إلي المستقبل إذ لم تعد هناك جدوى من ترقيع الثياب القديمة.

من هذه المقدمة الموجزة يمكن تصور عناصر الأجندة التي سوف تعرض على اللجنة العليا التي شكلها  السيد/ رئيس الجمهورية لدراسة مستقبل القاهرة ووضع مرئياتها خلال شهر من الزمان, وهي مدة كافية لوضع التصورات التخطيطية والتشريعية والإدارية التي تعالج مشاكل القاهرة في إطارها الإقليمي والقومي الذي لا تنفصل عنه، فالبحوث والدراسات متوفرة ومعروفة لأعضاء اللجنة وأسباب المشكلة واضحة تفصيلا ولم تعد تقبل التردد أو التكرار, والهدف محدد ومعروف وهو زيادة عوامل الطرد من الداخل مع زيادة عوامل الجذب إلي الخارج, ليس خارج القاهرة وحدها ولكن خارج الوادي الضيق معا. فما ينطبق علي القاهرة يندرج علي مدن الدلتا والصعيد من حيث معدلات التكدس السكاني المتزايدة وان اختلفت الأسباب. إن إجراءات عوامل الطرد من الداخل لابد وأن لا يبدأ تطبيقها إلا بعد توفير عوامل الجذب في الخارج, وهنا تظهر أهمية تنظيم وإدارة عملية التنمية القومية مع تحديد اختصاصات أجهزة الإرسال من ناحية وأجهزة الاستقبال من ناحية أخرى. كما تظهر هنا أهمية المرحلية في التنفيذ مع تحديد الأولويات التنفيذية تفصيلا وليس تقديرا. ويدخل في ذلك المرحليات التنفيذية لتحديد حجم القاهرة والمرحليات التنفيذية لإنشاء العاصمة الجديدة إذا لزم الأمر. إذا لا يمكن اعتبار القاهرة عاصمة مغلقة بصورة مفاجئة وقد لا يحتاج الأمر إلي اتخاذ هذا القرار أصلا وذلك في ضوء النتائج التي تترتب عن إجراءات الطرد وإجراءات الجذب علي المستوى القومي. الأمر الذي يتطلب عددا من الإجراءات العاجلة التي تجمد الأوضاع الراهنة حتى يتم إعداد المخططات الإرشادية والتشريعات والأجهزة القادرة علي دعم عمليات التنمية علي المستويات القومية والإقليمية والمحلية بوصفها عمليات مستمرة تتوفر لها حرية الحركة والتعامل مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.

وقد تنقسم عناصر الأجندة التي سوف تعرض علي لجنة مبارك لمستقبل القاهرة إلي الجوانب التالية:

أولا: الإجراءات العاجلة اللازمة للتهيئة للتنمية المستقبلية ويشمل ذلك :

  • الإجراءات اللازمة لوقف تراخيص البناء في كل الأرجاء لفترة محددة.
  • الإجراءات اللازمة لتحديد تخصيص الأراضي وملكياتها حتى كردون المدينة.
  • الإجراءات اللازمة لحصر المناطق العشوائية ووقف امتدادها.
  • الإجراءات اللازمة لتوزيع استثمارات الخطة الخمسية بما يخدم أهداف التنمية العمرانية.
  • الإجراءات اللازمة لتحديد النطاق العمراني لمدينة القاهرة والجيزة معا في نطاق واحد.
  • الإجراءات اللازمة لتكامل التنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية في جهاز واحد تنتقل إليه أجهزة وزارة التخطيط وأجهزة التنمية الريفية وأجهزة التنمية العمرانية ومركز البيانات ويعمل علي المستوى القومي والإقليمي والمحلي.
  • الإجراءات اللازمة لنقل الأنشطة المالية والإدارية والإنتاجية من الداخل إلي الخارج.

ثانيا: الإجراءات اللازمة لوضع الخطط التنفيذية والتشريعات القانونية والنظم الإدارية ويشمل ذلك:

  • إنشاء الجهاز المركزي للتنمية الذي يعمل علي المستوى القومي والإقليمي والمحلي.
  • إنشاء جهاز تطوير القاهر والجيزة كجهاز تنمية وإرسال في نفس الوقت.
  • إنشاء جهاز تطوير القاهرة القديمة.
  • توفير مشروعات الجذب السكاني خارج الوادي ومنها القاهرة مع إطلاق طاقات الجهود الذاتية لبناء مشروعات الإسكان لكل المستويات مع استقلال إدارة المدن الجديدة.
  • وضع البرامج التنفيذية لتطوير المناطق المزدحمة داخل المدن للارتقاء بمستواها الحضري والاجتماعي والاقتصادي.
  • بناء النظام الادارى والفني للبلديات المحلية للمدينة وتقسيم القاهرة إلي عدة بلديات ووضع اللوائح والتشريعات التي تساعدها علي الأداء قانونيا وماليا.
  • إعداد البرامج الإعلامية المؤثرة لدعم استراتيجية التنمية العمرانية.

من خلال هذه الإجراءات يمكن وضع المشروعات التفصيلية التي تحقق أهداف استراتيجية التنمية العمرانية وكذلك وضع القواعد التنظيمية والإدارية لإدارة هذه المشروعات بأسلوب الشركات المساهمة خاصة فيما يتم إقامته من مدن جديدة ومع إخضاع المناطق الصحراوية المتاخمة للمدن الحالية لقانون المجتمعات العمرانية الجديدة.

ان مشاركة الأجهزة التخطيطية والإدارية والمنظمات السياسية في تحديد الخطوات التنفيذية لتحقيق أهداف الاستراتيجية القومية للتعمير يساعد علي نجاح الجهود التي تبذلها القيادة السياسية في هذا الاتجاه.

word
pdf