الأقصر فى عيون زرقاء

الأقصر فى عيون زرقاء2019-11-07T15:25:52+00:00

الأقصــــر فى عيـــــون زرقـــــــــــــاء
       دكتور/ عبد الباقى إبراهيم
                                          كبير خبراء الأمم المتحدة للتنمية                                             

                                                العمرانية فى المملكة العربية السعودية سابقاً                                                  

 

نظراً للأهمية التاريخية والحضارية لمدينة الأقصر ووضعها السياحىالعالمى لما تذكر به من الآثار الفرعونية، فقد حظيت بعناية خاصة من الدولة حتى أصبح لها الاستقلالية الإدارية ومجلس أعلى خاص ورئيساً للمجلس له صلاحية المحافظ، كما تعرضت المدينة على مدى الثلاثين عاماً الماضية إلى العديد من الدراسات التخطيطية حيث أعد لها أكثر من ثلاثة مخططات عمرانية سواء منها التى أعدتها المكاتب الاستشارية المحلية أو التى أعدتها الهيئة العامة للتخطيط العمرانى ومع ذلك لم تنفذ أى من هذه المخططات وفقدت صلاحيتها بمرور الزمن ولم يدرك المسئولين طوال هذه المدة أن أسلوب إعداد المخططات العامة أو الهيكلية للمدن لم يعد صالحاً للتطبيق ما لم تسانده الآليات التى تضمن استمرار العمل بها وتعديلها وتطويرها فى ضوء المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأخيراً تتكرر العملية مرة أخرى ولكن هذه المرة من خلال مجموعة مكونة من ست مكاتب أجنبية اختيرت من خلال دعوة دولية انتهت باتفاقية بين وزارة الإسكان والتعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة وبرنامج الأمم المتحدة بتمويل هذه الأعمال الاستشارية مناصفة بينهما. وبعد شهرين من بداية العمل الاستشارى انعقد مؤتمر بالقاهرة لعرض مرئيات المكاتب الاستشارية الأجنبية بالنسبة لمستقبل مدينة الأقصر وضواحيها.

قال الاستشاريون الأجانب فى تقريرهم أنهم ينظرون إلى مستقبل مدينة الأقصر كنظرتهم إلى المنتجعات الصحراوية الثقافية الموجودة فى صحراء جنوب غرب أمريكا والمكسيك وأسبانيا والمغرب – مع الاختلاف الشديد بين الحالتين – وبدأت المجموعة الاستشارية تفرط فى تصوراتها لمستقبل مدينة الأقصر سواء بالاقتراح بإنشاء ميناء خاص ( مارينا ) للفنادق النيلية أو بتعظيم المنتج السياحى بإضافة أنواع أخرى من السياحة الترفيهية وإنشاء حديقة عامة على نطاق واسع لتظهر جمال الصحراء أو بإنشاء مصحات لمرضى الجهاز التنفسى للقادمين من أوروبا والشرق الأوسط أو جذب المتقاعدين الأجانب للاستقرار والعيش بالمدينة أو فتح مقابر جديدة فى البر الغربى لمواجهة الزيادة فى عدد الزائرين. وعزز الاستشاريون الأجانب ذلك باقتراح لإقامة جامعة إقليمية وكلية للآثار والسياحة والفنادق وإنشاء مدارس دولية للغات والتوسع فى المتاحف المحلية وإنشاء صناعات غذائية وإنشاء قرية تاريخية وأخرى للفنانين والحرفيين و تهيئة الريف للزيارات السياحية وإنشاء قرى سياحية متعددة الفنادق تضم 8000 غرفة ويقترح الاستشاريون الأجانب أيضاً إنشاء صندوق تنمية دولى لجمع ملاين من الدولارات سنوياً من أمريكا وأوروبا وبلدان أخرى من المساهمات ومنح المؤسسات والجهات المانحة بالإضافة الى دعم هذا الصندوق لأهدافه الخاصة بالتنمية الاقتصادية لأهالى الآقصر المقيمين بمناطق قريبة من الآثار واقترحوا كذلك إنشاء مدن جديدة تابعة فى الامتداد الصحراوى وتطوير مطار الآقصر لتيسير شحن المحاصيل ذات العائد الاقتصادى المرتفع وتصدير الصناعات الزراعية إلى أسواق الشرق الأوسط وأوربا مباشرة وتدريب طلبة كلية الزراعة التى تقام بالآقصر على إنتاج هذه المحاصيل ويقترح الاستشاريون الأجانب أن تكون الآقصر مركزاً للطيران الدولى للوجة القبلى ويزيدون من اقتراحاتهم بإيجاد السياحة الترفيهية بما فيها استغلال المناخ الصحراوى والشمس الساطعة والمناظر الخلابة ونهر النيل والملاهى الليلية والتوسع فى مرافق مركز المؤتمرات وإنشاء سوق حرة وقد أشاروا إلى مثال يحتذى به مدينة فينكس بولاية آريزونا بالصحراء الأمريكية وشملت آراء الاستشاريين الأمريكان الى أن المنتجعات المتعددة الفنادق التى تقام فى الصحراء سوف تشمل ألعاب رياضية كالجولف والتنس وحدائق وواحات للتنزه ونوادى صحبة بالإضافة إلى صالات القمار (كازينوهات) – كما جاء فى تقريرهم – ويتوقع الاستشاريون الأجانب أن تعداد السكان فى منطقة الأقصر سوف يصل إلى مليون نسمة عام 2017 وأن عدد السياح بها سوف يزداد من 500.000 سنوياً إلى 3.5 أو 4.5 مليون سائح عام 2017. هكذا دون دراسة لحركة السياحة الداخلية أو الدولية.

وهكذا عمل الاستشاريون الأمريكان البحر طحينة أمام المؤتمر والمسئولين عن الأقصر بأنها سوف تكون أكبر منتجع سياحى فى العالم كل ذلك مع محدودية الآثار الفرعونية التى لا تتحمل مزيداً من الزائرين مع محدوديه الأرض الزراعية ويتم هذا كله فى غيبة عن التخطيط الإقليمى الذى أعده برنامج الأمم المتحدة لجنوب الصعيد بواسطة الخبراء فى وزارة التخطيط. ومع ذلك لاتزال مهمة الاستشاريون الأمريكان مبهمة فهل سوف تقتصر مهمتهم على وضع مخطط هيكلى للآقصر موضحاً عليه المشروعات المستقبلية وأسلوب تنفيذها على مراحل أو كما يقول رئيس المجلس الأعلى للمدينة أن مهمة الاستشاريين سوف تتعدى ذلك إلى وضع التصميمات الهندسية والمواصفات الخاصة بالمشروعات التى يقترحوها ويتم الموافقة عليها – أى مشروعات دون تحديد – وهكذا يستمر أداء الاستشاريين الأجانب وتستمر دراساتهم التى قد تنتهى خلال عامين أو أقل ويتركوا لمدينة الأقصر فى نهاية العمل مزيداً من التقارير والمخططات كمثيلاتها من العشرات القابعة على أرفف المخازن وكأننا لم نستوعب الدرس بعد . ولنأخذه مما يتم ويجرى فى المملكة العربية السعودية عند توظيفهم للاستشاريين لأى مدينة حيث يبدأ الاستشارى أولاً بإنشاء وتنظيم وتجهيز لإدارة المحلية للتنمية والتخطيط ووضع أسلوب العمل فيها ثم يبدأ الاستشارى بالعمل داخل هذا التنظيم الإداري وفى نفس المدينة كمكون أجنبى جنباً إلى جنب مع المكون المحلى من المتخصصين الذين يتم تفاعلهم مع مراحل الأعمال الاستشارية وتدريبهم خلال فترة محددة يتولى بعدها الجهاز المحلى بعد ذلك الاستمرار فى عمليات التنمية والتخطيط مع مواجهه المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى قد تتعرض لها المدينة خلال مراحل نموها. فلم تصبح التنمية والتخطيط بهذه الصورة مرتبط بمده زمنية محدودة بعشرين سنه مثلا ولكنها تصبح عملية مستمرة تحكمها قواعد ولوائح فنية وإدارية واقتصادية وتوضحها دلائل أعمال لتنفيذ هذه القواعد دون الحاجة مستقبلاً لأى خدمات استشارية أخرى إلا فى الأمور التخصصية وهذه هى الصيغة المثلى المناسبة لتنمية المدن فى الدول النامية والتى تختلف جزرياً عنها فى الدول المتقدمة التى تستمر فى تصدير خدماتها الاستشارية كبضاعة للدول النامية دون أن تساعدها على تطوير نفسها بنفسها وهذا هو مربط الفرس ولعلنا نعى الدرس.

word
pdf