الادارة المحلية فشلت فى تنظيم البناء

الادارة المحلية فشلت فى تنظيم البناء2019-12-02T12:30:07+00:00

الادارة المحلية فشلت فى تنظيم البناء

 

الأهرام الأقتصادى  1993

 

انتهت توابع الزلزال وانتهت معه الحملات والاجراءات وتوقفت بعدها الندوات والاجتماعات والانتقادات والاقتراحات والتوصيات ، وتهبط الموجة لترتفع معها موجة العشوائيات الإرهابية مع التوجه لتطويرها بالازالة أو بالتطوير ورصدت لها الاموال لتحسين الاحوال وعقدت الندوات والاجتماعات وتبعتها الاقتراحات والتوصيات التى انتهت ببعض الاجراءات التى بدأت تتباطأ مع هبوط قوة الموجة التى يخشى أن تتلاشى ولاتترك خلفها الا الزبد على رمال الشاطىء الى أن تعلو الموجة مرة أخرى مع حيتان الاسكان وتعلو معها الصيحات والنداءات بعد وقوع الكوارث فى كل مكان … وبدأت التحقيقات والانتقادات والاتهامات لتنتهى بالاجتماعات والندوات والتوصيات والاقتراحات … وآخرها قرار مجلس المحافظين بتكوين لجنة برياسة وزير العدل وعضوية عدد من المحافظين بحثا عن المخرج القانونى لتغليظ العقوبات المترتبة عن المخالفات الخاصة بالقانون 25 الخاص بتنظيم البناء ، هذا فى الوقت الذى سبقت فيه جهة حكومية أخرى تسعى لتطوير نفس القانون ليس من دافع الحد من المخالفات فقط ولكن من منطلق تطوير المعاملات الخاصة بالتراخيص جذبا للاستثمار فى الاسكان المتوسط بهدف التأجير لمواجهة ماسوف يترتب عن اصدار القانون الاول للعلاقة بين المالك والمستأجر الذى لا يزال فى حيز المناقشات وفى نفس الوقت تعقد نقابة المهندسين اجتماعا للمهندسين المتعاملين مع القانون لمناقشة 25 بحثا عن أساليب تطويره وذلك بهدف الارتقاء بالمهنة وإحكام الرقابة والحد من المخالفات ، الأمر الذى اضطر محافظة القاهرة للاستعانة بلواءات من القوات المسلحة وربما بغيرهم من قوات الامن وهكذا تعمل كل جهة منعزلة عن غيرها وكأنها فى جزر منفصلة لا يجمعها بحر واحد متلاطم الامواج تماما مثل الجهات الخمس المنفصلة التى تعمل كل منها لوضع الاستراتيجيات لرسم خريطة مصر المستقبل الامر الذى يوحى بأن الموجات التالية غير المستقرة لن تلبث أن تهدأ ولا تترك خلفها الا الزبد.

القانون 25 الخاص بتنظيم البناء يتضمن بعض التعديلات للقانون 106 المرتبط من ناحية أخرى بقانون التخطيط العمرانى رقم 3 لعام 1982 … وتهدف كل هذه القوانين الى توجيه أعمال التعمير والعمران واحكام تطبيقها ومراقبة تنفيذها كل ذلك دون أى عناية بتوفير الكوادر والاجهزة القادرة على تحقيق أهداف هذه  القوانين، الامر الذى أدى الى العشوائيات والتعديات والمخالفات  والحيتان والحيات … وللقانون 25 جوانب أربعة مترابطة ومتكاملة فنيا واداريا وجزائيا وماليا ولا يمكن  الفصل بينها الا اذا ارتأت اللجنة الموقرة التى أقرها مجلس المحافظين غير ذلك وركزت اهتمامها فقط على الجانب الجزئى والمرتبط بتعظيم العقوبات … مع أن القانون لا يمكن أن يسير الا على أربعة أرجل أحداها العقوبات والجزاءات ولن يستطيع تركيب هذه الارجل إلا أهل الخبرة بعد أن فشل أهل الثـقة فى تحقيق الأهداف  وهذه هى احدى مشاكل مصر الاساسية حيث  يختلط العمل السياسى بالعمل الفنى والادارى وكأن القيادات تعلم كل شىء عن كل شىء وهكذا تتوقف أجهزة البحث العلمى المفروض أن تتابع وتطور قوانين الاسكان وتنظيم البناء والتخطيط العمرانى …. تقف أمام عبقريات أهل الثـقة … كما يقف الخبراء المتخصصون وراء الستار ولا يستدعون الا لـتقديم المشورة لمتخذ القرار من القيادات كلما عنّ خاطر. وكثيرا ما يظهر بعضهم على الشاشة يشرحون ما لا يعلمون أمام القيادات السياسية دون ادراك بما يسىء للمهنة والخبراء والمتخصصين الغائبين عن الصورة مع انهم هم الذين أعدوا كل الدراسات والبحوث وتوصلوا الى النتائج والقرارات … هذه هى نتيجة الارتجال فى اختيار الرجال.

ان الرجوع الى الحق فضيلة … والحق أن نظام الادارة المحلية بشكلها القائم أثبت فشله فى مجال البناء والتعمير والحق هو العودة الى نظام البلديات الذى أثبت نجاحه وفعاليته … البلديات لاحياء مدينة القاهرة ولكل المدن الاخرى … القديمة والجديدة … فكيف يستوى الامر اذا كانت أجهزة التنظيم تتبع رياسات الأحياء وليس مديرى الاسكان فى المحافظات … لقد آن الأوان لاعداد المهندسين المعماريين لتولى المسئوليات فى أجهزة تراخيص البناء … فكثير من المحافظات تعين مهندسين من كافة التخصصات مثل النسيج والكهرباء والميكانيكا والكيمياء الصناعية والزراعية مع غيرهم من المهندسين المعماريين والمهندسين الانشائيين وجمعيهم فى حكم الادارة المحلية … مهندسين … ونقابيين وأهو كل عند العرب مهندسين …

وليكن فى مراجعة القانون 25 لتنظيم البناء فرصة لا تعوض … للارتقاء بالمستوى العمرانى للمدن والقرى تحقيقا لهدف التنسيق الحضرى الذى دعت له وزارة الثـقافة فى يوم من الايام ولم تستطع تحقيقه … وفى إعادة النظر فى القانون 25 فرصة للارتقاء بمستوى الأداء فى اعداد التصميمات المعمارية الذى هبط مستواها الى مستوى الصفر بسبب الاهمال والتسيب الذى لازم الدخلاء على هذه المهنة العظيمة … وفى إعادة النظر فى القانون 25 فرصة لتوزيع المسئولية الفنية والتنفيذية على أكثر من جهة … على المهندس المعمارى لاشرافه على التصميم والتنفيذ ، وعلى مهندسى التنظيم الذين يمنحون التراخيص الاولية ثم على لجان المراجعات التى تعينها نقابة المهندسين لكل حى من أصحاب الخبرة … فالنقابة حسب القانون هى الهيئة الاستشارية للدولة فى مجال الهندسة … وفى إعادة النظر فى القانون 25 فرصة لتنظيم العقوبات مع سرعة تطبيقها … وذلك بتطبيق القانون لمصادرة الأجزاء المخالفة لشروط البناء وبيعها لصالح عمارة الفقراء من سكان العشش والمناطق العشوائية … على أن ينطبق ذلك على المخالفات السابقة للقانون … فسرقة حقوق المواطنين والمال العام لا تسقط بالتقادم الا بعد فترة يحددها القانون ، وأصحاب الوحدات السكنية من الملاك الذين يشترون وحداتهم فى عمارات مخالفة لشروط البناء يصبحون مشاركين مع الملاك الاصليين فى المخالفات … اذ كيف يتسنى لمشترى أن يشترى وحدة سكنية بمبلغ أكثر من مائة ألف جنيه دون التحقق من عدم مخالفتها للقانون … ولا عذر له وهو يتابع باستمرار المشاكل المترتبة عن المخالفات. ان من يقبل على شراء سيارة لا يكمل اجراءات الشراء الا اذا عرضها على الميكانيكى وسأل عن سدادها للضرائب وفحصها فحصا دقيقا فما بالك بشراء شقة … ومن الطبيعى أن يعترض من اشتروا الوحدات المخالفة على هذا الرأى … ومن الطبيعى أن تخضع الدولة لرأيهم بأنهم غير مسئولين عن المشاركة فى المخالفة … تماما كما تخضع الدولة لأصحاب المساكن العشوائية وتترك لهم الحبل على الغارب وتمكنهم من تملك الأراضى التى اغتصبوها … وبعد كل ذلك يظهر التساؤل عن مدى أهمية القانون أى قانون خاص بتنظيم البناء أو التخطيط العمرانى … أو غيره … ولماذا لا ندع كل واحد يفعل ما يشاء اذا كان القانون يصعب تطبيقه ، ولماذا لا تترك العشوائية تنتشر … ليس فقط فى الاسكان المتواضع ولكن أيضا فى الاسكان المتوسط والفاخر … وهاهى منطقة لاحدى الجمعيات التعاونية الزراعية  تبدأ عشوائياتها تظهر على الجانب الغربى لطريق القاهرة الاسماعيلية شمال سوق العبور … دون حسيب أو رقيب بل دون تخطيط أو تخريط وغيرها الكثير فى كل أرجاء مصر …. وكأن قوانين تنظيم البناء والتخطيط العمرانى قد وضعت لدولة أخرى غير مصر …. وهذا صحيح فى كل الدول العربية التى سبقتنا فى هذا المجال.

word
pdf