الاغتراب فى العمران

الاغتراب فى العمران2019-11-10T12:01:01+00:00

الاغتـــــــــراب فى العمــــــران

د. عبد الباقى إبراهيم
عميد قسم العمارة بجامعة عين شمس سابقاً
رئيس تحرير مجلة عالم البناء

 

 

تلقى العلاقات الدولية عبر التاريخ بظلالها على المقومات الحضارية فى هذه الدول سلبا أو ايجابا وذلك من خلال التبادل الثقافى والمعرفى أو من خلال التفاعل الاقتصادى والاجتماعى، الأمر الذى يؤثر قوة أو ضعفا على النسيج الحضارى للدولة …

وهو ما ينعكس بالتالى على الشخصية الثقافية بما فى ذلك من ثوابت ومتغيرات والمدنية جزء من هذه الشخصية، فالقطاع العرضى لمدينة القاهرة (مثلا) من شرقها الى غربها انما يعبر عن المراحل التاريخية التى مرت بها على مر العصور منذ نشأتها ولايزال ينعكس بشكل أو بآخر على عمرانها وآثارها. واصبحت آثار هذه المراحل ضمن التراث العمرانى للقاهرة سواء منها العمران التابع من التاريخ الإسلامى أو المستورد، ولاتزال هذه الظاهرة مستمرة باستمرار التفاعل الثقافى والحضارى مع الغرب وهو ليس غزو كما يترائى للبعض حيث انه مرغوب من الطرف المتلقى وان كان لاينسجم مع البيئة والتراث الحضارى، وحيث تتقبله العملية التعليمية فى العمارة بصدر رحب بل وتشجعه فى كثير من الأحيان فلم يعد لاحباء التراث المعمارى فى صورة معاصرة هما تعليميا كما لم يعد لاعطاء العمارة الحلبة طابعها الخاص هدفا ثقافيا. هذا فى الوقت الذى يدعوا فيه المعماريون الأجانب الى احياء التراث الثقافى لمصر فى العمارة المعاصرة .. وكأن العملية عكسية تماما. ويقول المتشبثون بالفكر الغربى ان الغرب هو مصدر الاختراعات والانجازات النظرية والفكرية وكأنهم بذلك يحجرون على الفكر العربى من ان يبتكر ويصدر نظرياته النابعة من تراثه التاريخى الطويل.

وكلما ظهرت نظرية جديدة أو بالاصح فكرة جديدة فى الغرب تلقفها اساتذة العمارة بكل ترحاب واهتمام دون اى مراجعة أو بحث وبالتالى ينتقل الفكر الى طلبه العمارة وتصدر تبعا لذلك الى مايسمى بعمارة السوق التى نلاحظها فى معظم مايشيد من عمارة فى الشوارع والميادين وفى المنتجعات الصيفية والشتوية كبضاعة رخيصة تستهوى من عنده المال.

وفى محاولة لتقويم المناهج المعمارية بحيث تنبع من الواقع الحضارى والتراث التاريخى ومن القيم الإسلامية التى تدعو الى الوسطية والتكافل والتعاون بين البشر فيما يهدف الى تكامل حرية الفرد فى الابداع فى الفراغ الداخلى واحترام حرمة الجماعة فى اضفاء ثوب من التجانس على العمارة الخارجية.. عمارة الشارع أو عمارة المجتمع. وبهذا التوجه وضع المحتوى العلمى لكافة المواد الدراسية وفى المراحل السنية المختلفة بحيث تكون المواد متكاملة مترابطة تقوم على بناء الفكر المعمارى كعملية تعليمية مستمرة من السنة الأولى الى السنة النهائية فى منهج يلتزم به الاستاذ والطالب ويتطور بتطور الابداع الفكرى الملتزم بالشخصية المحلية…
وتم وضع المحتوى العلمى لكل محاضرة فى جميع المواد لجميع السنوات وفى اطار اللوائح الجامعية السائدة وتم وضع هذه المناهج فى مجلد لاطلاع اعضاء هيئة التدريس عليه ومناقشته، واجراء التعديلات عليه بالاضافة أو بالحذف… واجمع الكل على رفض الفكرة.. فقال الاول: نحن لسنا مدرسين نتبع مايقال لنا ، بل لكل منا الحرية فيقول فى الدرس مايشاء.. وقال الآخر: هذه عملية تحتاج الى جهد فى الاطلاع وتجهز مناهج جديدة وكفانا بالمراجع الأجنبية اساس للعملية التعليمية، وقال الثالث: هذا ليس بالتقييم ولكن المهم فى التطور هو تحويل القسم المعمارى الى ثلاثة اقسام فى التخصصات الرئيسية المختلفة حتى يكون هناك فرصة اكبر لأعضاء هيئة التدريس ان يقوموا برئاسة الأقسام الجديدة.

واستمر الحوار بهذه الصورة، ورفضت الفكرة واستمرت العملية التعليمية بشكلها الحالى. وهو الشكل المتوارث منذ انشاء الجامعة… بلا فكر جديد أو تطوير يعيد الى العمارة المحلية قيمها الثقافية والحضارية التى فقدت على مر عصور الاحتلال العثمانى والفرس والانجليزى. ولاتزال تفقد بسبب مانستورده من مراجع اجنبية فى مجال العمارة والعمران ، ولم تمر التجربة بطرفها السالب ولكن كافة طرقها الموجبة فى طرح المحتوى العلمى لمواد الدراسة فى مجموعة من الكتب… منها بناء الفكر المعمارى والعملية التصميمية – ومنها المنظور التاريخى لعمارة الشرق العربى.. ومنها المنظور الإسلامى لنظرية العمارة ومنها المنظور الإسلامى للتنمية العمرانية.. ومنها الارتقاء بالمدن التاريخية ومنها الاسكان فى العالم الإسلامى، وكان منها كتاب عن حسن فتحى احد رواد العمارة البيئية المرتبطة بالقيم الثقافية والحضارية.. وان كانت هذه الكتب لم تجد لها طريقاً الى العملية التعليمية فى مصر.. الا انها قد انتشرت فى معظم بلدان العالم الإسلامى الذى تقبلها قبولاً حسناً.

word
pdf