البدء من الصفر .. دائماً !!

البدء من الصفر .. دائماً !!2019-12-08T13:47:23+00:00

البدء من الصفر .. دائماً !!

 

الأهرام 6/8/1989

ظهر هذا الخبر الذى أثار التعجب والتساؤل عند الخبراء المصريين يقول فى اجتماعه مع د./ محمود شريف محافظ القاهرة اتفق فاروق حسنى وزير الثقافة على أن تقوم الوزارة بالتعاون مع محافظة القاهرة بتنفيذ أضخم مشروع لتطوير شارع المعز لدين الله الفاطمى الذى يضم مجموعة من أجمل واندر الآثار الإسلامية فى العالم ، وذلك بعد ان كلف فاروق حسنى د./ سيد توفيق رئيس هيئة الآثار المصرية بعمل رفع ومسح أثري شامل لآثار هذا الشارع لعرضه على خبراء محافظة القاهرة لدراسة أفضل الأساليب لتطويره بما يتلائم مع ما يضم من آثار نادرة.

انتهى الخبر ـ وكأن العالم لا يعلم أى شئ عن آثار شارع المعز الذى ترى وزارة الثقافة إجراء مسح أثري فيه مرة أخرى مع أن هذا الشارع بالذات قد تعرض إلى عمليات المسح الأثري العديدة التى تكاد تمسحه من الوجود. وقد تم ذلك فى العديد من الدراسات والبحوث التى انتهت بمجموعات من التوصيات والقرارات ما لبثت ان تبخرت فى الهواء وتتلاشى من الوجود حتى تسوق الظروف مسئولين آخرين يدعون إلى نفس الشىء من الدراسة والمسح الأثري الذى لا ينتهى إلى شئ فنحن دائماً ما نبدأ من الصفر.

 والعجيب فى الأمر أن هناك دراسات تخطيطية ومعمارية وأثرية مستفيضة تمت لهذا الشارع والمناطق المحيطة به قام بها مجموعة من الخبراء المصريين تطوعاً لوجه الله والوطن عام 1980 م وعرضوه على خبراء اليونسكو الذين اجتمعوا فى مصر فى ذلك الوقت لهذا الغرض .. والأمر من ذلك أن هناك فى محافظة القاهرة نفسها دراسات أكثر تفصيلاً وأعمق تحليلاً للمنطقة قام بها البنك الدولى لحساب محافظة القاهرة . وتحتوى هذه الدراسة على مسح أثري لشارع المعز ثم دراسة تفصيلية لمنطقة الجمالية عند باب الفتوح كمنطقة عمل خاصة اختيرت كنموذج لدراسة اسلوب التعامل العملى والتنفيذى الذى يمكن تطبيقه على المناطق الأخرى على طول شارع المعز. واشترك فى هذه الدراسة كبار المخططين والمعماريين والمهندسين وخبراء السياحة والاقتصاد فى مصر. وكان معهم المهندس الراحل إبراهيم نجيب وزير الاسكان والسياحة الأسبق كأحد أعضاء فريق الدراسة .. وانتهت هذه الدراسة إلى وضع الأسلوب العملى والتنفيذى للتعامل مع هذه المنطقة فى إطار التخطيط العام لمدينة القاهرة.. التعامل معها كمنطقة طرد تقابلها من ناحية أخرى المجتمعات السكنية الجديدة شرق القاهرة كمناطق جذب. وحتى يمكن التنسيق بين الجهات المسئولة عن تطوير هذه المنطقة الأثرية وهى محافظة القاهرة وهيئة الآثار ووزارة الأوقاف ووزارة التعمير.. فقد تم وضع التنظيم الإدارى لجهاز التنمية العمرانية لهذه المنطقة ولديه كل صلاحيات الجهات المسئولة السابقة فى التعامل مع هذه المنطقة .. وانتهت الدراسة إلى حد وضع مجموعة من دراسات الجدوى الاقتصادية للعديد من المشروعات الاستثمارية والسياحية فى هذه المنطقة.
وبعد كل ذلك ماذا يريد وزير الثقافة وماذا ينتظر محافظ القاهرة .. كيف يقبلون أن تهدر كل هذه الجهود وهذه الدراسات.. ليبدأوا مرة أخرى من الصفر.. وبعد ذلك نلعن الظروف والأيام.. ونتباكى على تراثنا الحضارى الذى يتلاشى تدريجياً من الوجود.. هذا هو السبب.. البدء دائماً من الصفر .

 ارجعوا إلى ما لديكم من دراسات وابدأوا من حيث انتهت.. ارجعوا إلى البحوث العلمية والعملية التى فى أدراج مكاتبكم.. فالسيد محافظ القاهرة لدية معرفة جيدة عن هذا المشروع وما تم فيه من دراسات .. وله مجموعته الاستشارية التى اشترك بعض اعضائها فى هذه الدراسة.. لماذا اذن نبدأ من الصفر.. دائماً.. فلننظر حولنا لنرى ماذا يجرى فى الدول العربية التى سبقتنا فى هذا المضمار.. فلننظر إلى مدينة صنعاء التى بدأ فيها جهاز تطوير مناطقها الأثرية، فمنذ حوالى ثلاث سنوات يعمل لتغيير الوجه الحضارى للمدينة ، ويكاد ينهى أعماله خلال عامين.. ولننظر ما تم أو يتم فى مدن مثل مراكش أو فاس أو الرباط أو تونس أو القيروان غرباً أو مدينة بغداد أو جدة شرقاً.. لقد سبقتنا مدن العالم.. ونحن لا نتقدم خطوة.. بل نتأخر خطوات بالنسبة إلى ما يجرى حولنا فى مدن العالم العربى.. إننا نتكلم ولكن لا نعمل .

word
pdf