البعد المكانى للتنمية مفقود فى أعمال المؤتمر القومى للتنمية الاجتماعية

البعد المكانى للتنمية مفقود فى أعمال المؤتمر القومى للتنمية الاجتماعية2019-11-10T12:47:41+00:00

البعد المكانى للتنمية مفقود فى أعمال المؤتمر القومى للتنمية الاجتماعية
دكتور عبد الباقي إبراهيم
أستاذ غير متفرغ بهندسة عين شمس

 

تلاحظ ان المؤتمر القومى للتنمية الاجتماعية قد حدد مجالاته فى عدد محدود بستة محاور هى التعليم والصحة والثقافة والإعلام والرعاية الاجتماعية وتنمية الموارد ، واغفل المؤتمر أهم المحاور التى تجمع المحاور السابقة وهو موضوع الاكتظاظ السكانى فى الوادى الضيق وهو ما أشار إليه السيد رئيس الجمهورية لاعادة توزيع الخريطة السكانية وإنهاء التكدس الخانق حول شريط الوادى الضيق والانطلاق إلى الافاق الرحبة لخريطة مصر العمرانية الجديدة . فهذا التكدس الخانق سوف يقضى ان آجلا أو عاجلاً على كل المنجزات التى قد تتم فى مجالات التعليم والصحة والثقافة والإعلام والرعاية الاجتماعية . فالتكدس السكانى هو المعوق الأساسى لكل محاور التنمية فلا يمكن ان تتم تنمية فى مجال التعليم والمدارس والجامعات المكدسة بالتلاميذ فى إطار المدن المكدسة بالسكان . ولا يمكن ان تتم تنمية صحية والمستشفيات والوحدات الصحية مكدسة بالمرضى فى مدن تختنق بالسكان ولا مردود نافع من التنمية الثقافية والإعلامية والرعاية الاجتماعية لمجتمع مكدس فى مدن وقرى مكتظة بالسكان وتزداد اكتظاظاً باستمرار. وقد نبه الخبراء إلى هذه الحقيقة المخيفة فى بداية الستينات إلى ان وضعت الدولة الخريطة التى ترسم صورة مصر العمرانية عام 2017 دون ان توضع لها الآليات والقدرات التى تستطيع تحقيق هذه الصورة التى لن تقف عند سنة الهدف المحددة ولكنها صورة متنامية لا يجدها زمن معين . وإذا كانت الإحصائيات تقول بأن تعداد مصر عام 2035 سوف يصل إلى ما يقرب من 129 مليون نسمة فأين سوف يقيم هذا الكم من البشر حينئذ . والدولة تدعى ان المجتمعات العمرانية الجديدة سوف تواجه هذه المشكلة ولكن التجربة والبوادر والدراسات تقول ان ذلك لن يتحقق إلا فى إطار استراتيجية قومية للاستيطان خارج الوادى تزيد فيه عوامل

الجذب فى المستوطنات الجديدة وتقل فى المستوطنات الحالية بعكس ما يتم الآن فى الواقع العمرانى لمصر.
وسوف تبقى توصيات المؤتمر القومى للتنمية الاجتماعية حبراً على ورق ما لم نتمكن من وضع الآليات وتوفير القدرات التى تحقق الاستراتيجية القومية للاستيطان خارج الوادى الضيق بكل أبعادها وبرامجها واستثماراتها واللوائح والقوانين المحركة لها فى إطار إنشاء أقاليم تخطيطية إدارية كبديل لنظام التقسيم الإدارى للمحافظات الحالى الذى هو فى حقيقه الأمر أحد معوقات التنمية الاجتماعية بكل أبعادها . والدول تحتاج إلى نظرة مستقبلية ناضجة بعيداً عن الحلول الوقتية التى نواجه بها ضغوط الحياة اليومية والتى تساعد فى حقيقة الأمر على تفاقم التكدس الخانق فى الوادى الضيق كما تشير إلى ذلك كل الحقائق والظواهر والدولة ساكنة لا تتحرك لحل هذه المشكلة البالغة الأهمية. تماما كما لا تتحرك لحل المشكلة أى مشكلة إلا إذا تفاقمت ووصلت إلى ذروتها. ان مبدأ إطفاء الحرائق لن يجدى فالمهم هو القضاء على المصدر المولد لهذه الحرائق أولا ثم يتم التصدى لها بعد ذلك. ان استمرار الادعاء بان الجهاز التنفيذى للدولة يعى هذه الحقيقة ويعمل على حلها لن يفيد. فقد مر حوالى أربعين عاماً من التحذير لهذه المشكلة ولكن يظهر ان الجهاز التنفيذى لا يرى إلا ما تحت أقدامه إرضاء سريعاً للجماهير المغيبة عن هذه الحقيقة الواضحة .

ان مصر لا تتحمل رفاهية المظاهر فى الحفلات والاحتفالات أو فى تعظيم أو تفخيم المشروعات على غير حقيقتها أو فى تبرير الأوامر والقرارات التى تصدر دون دراسات متأنية ولا تتحمل مبدأ الإدارة من خلال التجربة والخطأ لغير المؤهلين أو المتخصصين من أصحاب المعاشات المبكرة ، إذا كانت مصر تسعى إلى بناء قاعدة تكنولوجية لمواجهة أعباء القرن الواحد والعشرين فإن العلم والخبرة والدراسات المستقبلية هى السبيل الوحيد إلى ذلك.

word
pdf