البنك الدولى .. وعشر أعوام ضائعة لتطوير القاهرة

البنك الدولى .. وعشر أعوام ضائعة لتطوير القاهرة2019-12-01T09:28:05+00:00

البنك الدولى .. وعشر أعوام ضائعة لتطوير القاهرة !

 

الأهرام الاقتصادى 22/8

 

بدأت علاقة البنك الدولى بمشروع تطوير القاهرة الاسلامية عام 1985 م عندما حضر إلى مصر الدكتور إسماعيل سراج الدين ومعه أحد خبراء الآثار الأجانب ووضعوا بالاشتراك مع مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية الشروط المرجعية للقيام بدراسة خاصة بتطوير منطقة القاهرة الاسلامية بهدف إعداد تقرير فنى إعلامى يشرح مقومات التنمية العمرانية والسياحية والأثرية لهذه المنطقة وأسلوب التعامل معها تخطيطياً وعمرانياً وتنظيمياً وادارياً ومالياً وذلك فى صورة لائقة لتوزيعه على المنظمات الدولية بهدف دعوتها للمساهمة فى تمويل هذا المشروع الحضارى الكبير . وقد تم الاتفاق مع محافظة القاهرة فى ذلك الوقت بالمساهمة فى اعداد هذه الدراسة من خلال المكتب العربى للتصميمات والاستشارات الهندسية واعتبارى منسقاً للأعمال التخصصية لفريق العمل الذى تكون فى ذلك الوقت من كبار الخبراء المصريين وكان منهم وزراء سابقون وقمنا باعداد إتجاهات للتنمية العمرانية للمنطقة مع التركيز بتفصيل أكثر على منطقة شمال الجمالية جنوب باب النصر وباب الفتوح . وقدمت الدراسة إلى محافظة القاهرة فى صورة تقارير فنية لا تؤدى الهدف منها وهو إعداد التقرير الفنى والاعلامى بالمستوى اللائق من الاخراج والطباعة ولم تستطع محافظة القاهرة حينذاك تقديمه للبنك الدولى طبقاً للاتفاق الذى أبرم بهذا الشأن وتوقف الموضوع عند هذا الحد وفقدت الدولة فرصة تمويل هذا المشروع الكبير بمبلغ 400 مليون دولار .

ومع إنتهاء الدراسة عند الشكل الذى قدمت به إلى محافظة القاهرة قمنا بالاستمرار فى إستكمالها تطوعاً وذلك بإعداد دراسات جدوى اقتصادية لعدد من المشروعات الاستثمارية الأثرية السياحية والخدمية بهدف إيضاح إسلوب التعامل الواقعى لعملية التطوير كعملية تنموية مستمرة تتم فى إطارها عدد من العمليات والمشروعات المتوازية سواء فى معالجة مشكلة المياه الجوفية والارتقاء بالبنية الأساسية للمنطقة وكذلك ترميم الآثار والتطوير العمرانى حولها واستقطاب عدد من المشروعات الاستثمارية والسياحية والثـقافية والتجارية التى يشارك فيها القطاع الخاص مع وضع شروط ونظم البناء فى هذه المنطقة بما يتناسب مع طابعها العمرانى والمعمارى بالاضافة إلى البحث عن تطوير المبانى القائمة أو إزالة المبانى الخربة ومشاركة أصحاب الأراضى من الملكيات الصغيرة فى مشروعات التنمية العمرانية على غرار شركات التطوير العمرانى فى بعض المدن العربية والأجنبية وقد اقتنع البنك الدولى بالاقتراح الذى انتهت إليه  الدراسات السابقة بضرورة إنشاء جهاز خاص بتطوير هذه المنطقة تنتقل إليه  بقرار جمهورى إختصاصات وزارة الأوقاف   وهيئة الآثار والتعمير والمحافظة والسياحة بحيث يستطيع التعامل مع هذه المنطقة بمنهج إدارى ومالى لا يعوق عمليات التنمية وبقدرة تنظيمية عالية ويستعين فيها بالخبرات المحلية والعالمية ويموله البنك الدولى عندما يتأكد من جدية تكوين هذا الجهاز وقدرته على إتخاذ القرارات فى عمليات التطوير لهذه المنطقة الهامة التى تعتبر من التراث الآن  سانى العالمى وحتى الآن   وبعد مرور حوالى عشرة أعوام لم تتمكن الدولة من إنشاء هذا الجهاز على غرار جهاز تطوير مدينة فاس الاسلامية فى المغرب أو جهاز تطوير مدينة تونس القديمة أو جهاز تطوير مدينة صنعاء القديمة أو جهاز تطوير مدينة حلب القديمة أو غيرها من الأجهزة فى العديد من الدول الأجنبية وقد إختلفت آراء   المسئولين فى الوزارات والهيئات المصرية حول هذا الاتجاه … وتوقف إنجازه .. وتوقفت بذلك إمكانية مساهمة البنك الدولى فى تطوير المنطقة .

وإتجهت الدولة بعد ذلك إلى تشكيل لجنة ثلاثية يرأسها رئيس الوزراء وعضوية وزير الاسكان والتعمير ووزير الثـقافة ومحافظ القاهرة لتطوير القاهرة الاسلامية يعاونها جهاز فنى يتبع هذه اللجنة الأمر الذى لم يتحقق وأخذت وزارة الاسكان والتعمير المبادرة عام 1991 بإنشاء جهاز يتبعها لتطوير القاهرة الاسلامية تديره لجنة تضم ممثلين عن محافظ القاهرة والهيئة العامة للآثار ووزارة الأوقاف   وبعض الخبراء المتخصصين .. حاول هذا الجهاز بصورته التنظيمية والادارية المتواضعة أن يقوم ببعض المشروعات المتناثرة .. ومنها بناء سور حول ساحة مكشوفة شرق مسجد السيدة زينب لأداء   غرض لم تتحدد أهميته ويحاول الجهاز بعد ثلاثة أعوام من تطوير جامع الأزهر الشريف والمنطقة المحيطة به .. ولم يتحدد معالم هذا المشروع بعد .. كما وضع الجهاز التابع لوزارة التعمير شروط مسابقة معمارية تخطيطية لتعمير منطقة المقابر القديمة شمال سور بدر الجمالى بمنطقة الجمالية .. ويعانى هذا المشروع تعثراً إدارياً وتنظيمياً كاد يوقفه عن الحركة .. هذا فى الوقت الذى قامت فيه الهيئة العامة للتخطيط العمرانى بمعاونة خبراء فرنسيين بوضع مخطط تفصيلى لمنطقة محددة فى القاهرة الاسلامية تسمى الدرب الأصفر   ولم تفسر هذه الدراسة إلا على خرائط ملونة وتقرير فنى و إنتهت مهمتها إلى هذا الحد .. وفى هذا المجال تقدمت الحكومة الفرنسية بعرض قرض بمبلغ 50 مليون فرنك للمعاونة فى تطوير بعض أجزاء شمال الجمالية .. وهنا تداخلت الاختصاصات وتعددت الاتجاهات وتوقفت فعالية هذا القرض مع توقف العمل فى مشروع منطقة المقابر القديمة شمال الجمالية والتى إنتهى الدفن فيها منذ عام 1936 م … ولكن يظهر أن للأموات قوة خارقة فى مقاومة أعمال التعمير .. وهدأت حركة الجهاز الجديدة0

وبعد كل ذلك لم تتوقف رغبة البنك الدولى وغيره من المنظمات فى توفير القروض والمنح اللازمة لتطـــوير القاهرة الاسلاميـــة وقام الممثل المقيـــم للبنك الدولى بالقاهرة يجرب حظه مرة أخرى بعد أن أخفق من قبل حظ الدكتور إسماعيل سراج الدين نائب مدير البنك الدولى حالياً .. واجتمع الممثل المقيم بالمسئولين بوزارة التعمير والمكتب العربى للتعرف على إنجازاتهم على مدى السنوات العشر الأخيرة وهى إنجازات هامشية لا تتعرض بعمق للعلاج الشامل المتكامل كما أوضحناه من قبل .. وعندما شرحنا له دورنا فى هذا النشاط وما إنتهينا إليه  منذ عام 1985 م بضرورة إنشاء جهاز له صلاحيات واسعة لتطوير المنطقة ووافق عليه خبراء البنك الدولى من قبل قال هذا هو الحل .. وتساءل لمن يكون الاتجاه بعد ذلك وكيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟ خاصة  أن مصادر التمويل على أتم الاستعداد لتمويل المشروع الأمر الذى يدمغ حجة الأجهزة الحكومية الحالية بعدم وجود التمويل الكافى .. وكان الرد عليه أنه لا سبيل إلى تحقيق أهداف الدراسات التى قمنا بإعدادها وتكوين جهاز قادر ومقتدر لتطوير القاهرة الاسلامية إلا باللجوء إلى السيد رئيس الجمهورية وهو بوضعه الدولى وتطلعاته الحضارية وإيمانه العميق بأهمية هذا المشروع حضارياً وسياحياً وثـقافياً يستطيع أن يصدر القرار المناسب فى الوقت المناسب بهذا الشأن .. وخرج الممثل المقيم للبنك الدولى من الاجتماع يتساءل عن كيفية الوصول بذلك إلى رئاسة الجمهورية مع أن مكتب رئيس الجمهورية مفتوح لكل الاقتراحات التى تساعد على البناء الاقتصادى والحضارى لمصر .. وعسى أن تصله هذه القصة ليأخذ بشأنها القرار المناسب .

word
pdf