البنك الدولى وقاهرة العصور الوسطى والملايين الضائعة

البنك الدولى وقاهرة العصور الوسطى والملايين الضائعة2019-11-27T13:05:41+00:00

البنك الدولى وقاهرة العصور الوسطى والملايين الضائعة

الأهرام الإقتصادى 9/12/1996

د. عبد الباقى إبراهيم

 

ضاعت على الدولة معونة مالية قدرها أربعمائة مليون دولار كانت مخصصة للحفاظ على قاهرة العصور الوسطى ، ولذلك قصة طويلة بدايتها فى أوائل عام 1980 عندما إجتمعت مجموعة كبيرة من خبراء اليونسكو بدعوة من رئيس هيئة الآثار السابق لمناقشة مستقبل قاهرة العصور الوسطى التى تعتبرها تراثاً عالمياً لا يهم مصر فقط وانما يهم  العالم أجمع مع إنها تهم مصر فى المقام الأول ليس لأنها تمثل متحف مفتوح أمام أقطار العالم فقط ولكن لأنها مصدر كبير للدخل القومى من خلال الجذب السياحى الذى تمتع به خلال الأنشطة السائدة لهذا الجذب السياحى .

وقد لاحظ كبار المخططين والمعماريين المصريين المهتمين بمستقبل قاهرة العصور الوسطى غياب دور الخبرة المصرية عن الإجتماعات التى ضمت خبراء اليونسكو بصفة رئيسية ، وهنا تقدمت مجموعة الخبراء المصرية بالتطوع لتقديم وجهة نظرهم فى هذا الموضوع وتقدموا بدراسة متكاملة توضح أسلوب التعامل مع قاهرة العصور الوسطى تخطيطياً ومعمارياً وآثارياً وأكثر من ذلك إدارياً وتنظيمياً وإقتحموا بهذه الدراسة إجتماعات خبراء اليونسكو الذين إستحوذوا على مجريات الحديث وتصدى لهم ثلاثة من المجاهدين الخبراء المصريين لإقناعهم بأن فى مصر من يستطيع أن يقدم من العلم والفكر فى هذا المجال ماهو على المستوى الدولى لخبراء اليونسكو ، وكان كبير خبراء الأمم المتحدة فى التنمية العمرانية موجوداً بالمصادفة بين الثلاثة المجاهدين من الخبراء المصريين والذين تقدموا بتصور للتنظيم الإدارى للجهاز الذى يدير عمليات الإرتقاء بقاهرة العصور الوسطى والحفاظ على آثارها ، وإنتهت إجتماعات خبراء اليونسكو وتداخلات الخبراء المصريين إلى عدد من التوصيات التى ذهبت إدارج الرياح على صفحات الجرائد والمجلات .

وفى عام 1986 م حضر إلى مصر إثنان من كبار خبراء البنك الدولى بمبادرة جديدة لإنقاذ قاهرة العصور الوسطى وإشتركوا مع كبير خبراء الأمم المتحدة الذى شارك فى التداخلات السابقة فى وضع برنامج العمل للدراسة العملية التى يمكن أن يستند إليها البنك الدولى فى جميع الإسهامات المالية من مجموعة المنظمات والهيئات الدولية ذات العلاقة والمهتمة بإنقاذ قاهرة العصور الوسطى والتى أطلق عليها خبراء البنك الدولى مجموعة الشريط الأزرق ، وتقدم خبراء البنك الدولى ببرنامج العمل للدارسة المقترحة إلى محافظة القاهرة بوصفها الجهة الرئيسية التى إختارها البنك الدولى لتولى هذا الموضوع وطلب من المحافظة التعاقد مع أحد المكاتب الإستشارية الخاصة القادرة على إنجاز هذه الدراسة ولكن النظم المالية بالمحافظة حالت دون تحقيق هذا الطلب وإقترحت المحافظة إستثمار الطاقات العلمية للمكتب الإستشارى من خلال أحد المكاتب الإستشارية الرسمية وأختير لهذه المهمة المكتب العربى للإستشارات الهندسية وتم تحديد مجموعة الخبراء المصريين من كبار المختصين من الأساتذة والعلماء فى مجالات الآثار والسياحة والعمارة والإقتصاد والإجتماع والهندسة والتخطيط العمرانى وكانت فرصة أخرى أمام المجاهدين الثلاثة الذن حضروا إجتماعات خبراء اليونسكو من قبل لتأكيد تداخلاتهم السابقة وإستمر العمل وتجمعت الدراسات المتخصصة التى تكاملت جميعها فى الدراسة التخطيطية والعمرانية والتى فى ضوئها وضعت الدراسات التنظيمية والإدارية لجهاز الحفاظ على قاهرة العصور الوسطى الذى إقترح خبير التنظيم والإدارة فى المجموعة أن تنتقل إليه إختصاصات هيئة الآثار ووزارة الثقافة والأوقاف والتعمير ومحافظة القاهرة بحيث يكون لهذا الجهاز كل الصلاحيات الإدارية والمالية التى تعطيه حرية العمل فى الحفاظ على المبانى أو إستخراج تراخيص البناء أو تجديد شبكات المرافق والخدمات العامة أو الإرتقاء بالبيئة العمرانية للمنطقة المحددة من قبل الخبراء المختصين وذلك على غرار الأجهزة المشابهة فى الحفاظ على مدينة فاس بالمغرب وصنعاء القديمة باليمن والمدينة القديمة فى تونس .

وإستمر المكتب العربى فى هذه الفترة يقوم بدور المنسق وجمع مايصل إليه الخبراء من دراسات وتصورات بهدف طباعتها فى مجلد خاص بإسلوب مركز مدعم بالشروح والخرائط والرسومات والمخططات وإخراجه على اعلى مستوى من الإظهار الفنى حيث أنه لن يعرض فى النهاية على محافظة القاهرة فقط ولكن سوف يستعمله البنك الدولى فى جمع المساهمات المالية من المنظمات والهيئات الدلوية التى تهتم بالحفاظ على هذا التراث الحضارى العالمى ، وإنتهت الإجتماعات وإنتهت الدراسات وتجمعت فى مجلدات عادية قدمت لمحافظة القاهرة للموافقة عليها تمهيداً لطباعتها بالصورة التى طلبها خبراء البنك الدولى .. وإنتهت القصة عند هذا الحد دون متابعة أو إهتمام بتطوير هذه الدراسات وتركيز خلاصتها فى الكتيب المطلوب وخسرت مصر الأربعمائة مليون دولار التى قدرها البنك الدولى لهذه المهمة الحضارية وضاعت هذه الفرصة التاريخية وأحس كل الخبراء الذين شاركوا فى وضع هذه الدراسة بخيبة الأمل فى المجهود الكبير الذى ضاع فى دهاليز الروتين والتراخى أو عدم القدرة على الإنجاز ودفع الأمور إلى نهايتها .

وتدور الأيام ويثار موضوع إنقاذ قاهرة العصور الوسطى مرة أخرى فى المحافل الدولية وإهتمت منظمات دولية وأجنبية وتحركت بالدراسات والإقتراحات عسى أن تجد فى مصر من يتجاوب معها .. وأخيراً تكونت فى مجلس الوزراء مجموعة من الوزراء المسئولين عن الثاقفة والتعمير لدفع هذه المهمة الحضارية إلى أن أخذ المهندس حسب الله الكفراوى وزير التعمير خطوة إيجابية بإنشاء لجنة للحفاظ على القاهرة الإسلامية وتشكل لها مجلس إدارة من الخبراء والمتخصصين مع ممثلين لوزارة الثاقفة وأجهزة التعمير وبدأت البوادر الإيجابية تظهر من خلال المشروعات الرائدة التى بدأت اللجنة بطرحها سواء فى تطوير المنطقة شمال الجمالية او منطقة الأزهر الشريف أو ميدان القلعة أو فى مشروعات الصرف الصحى وغيرها ، ويستمر نشاط اللجنة وجهازها الفنى يغلفه الأمل والحرص على مستقبل قاهرة العصور الوسطى ، ولكن يبقى الوقود الدافع لعمليات الحفاظ والتطوير وهو المال اللازم لذلك والتنظيم الإدارى والمالى القادر على تحمل أعباء هذه المهمة الحضارية الدولية ، وتثار مرة أخرى التجربة المريرة التى واجهها خبراء البنك الدولى والخبراء المصريون من قبل .. كما يثار مبدأ إنشاء الجهاز القادر على تحمل هذه المهمة الحضارية التى تنقل إليه إختصاصات وزارات الثقافة والأوقاف والتعمير ومحافظة القاهرة وهى الصيغة التى طرحت من قبل وأيدها ودعمها خبراء البنك الدولى كجهاز يستطيع أن يتعامل بطريقة مباشرة متكاملة مع كل جوانب التنمية والحفاظ على التراث الحضارى لقاهرة العصور الوسطى ويظهر أن البنك الدولى لا يزال يبدى إستعداده للقيام بجولة جديدة فى نفس الإتجاه السابق إذا ماإنتظمت أمامه الأمور وإتضحت رغبة الدولة فى إنشاء هذا الجهاز المتكامل أسوة بجهاز الحفاظ على مدينة فاس بالمغرب أو صنعاء القديمة باليمن وغيرها من مدن العالم .. هنا يمكن أن يدعى البنك الدولى مرة أخرى للقيام بجولة جديدة عسى أن تحقق أهدافها التى ضاعت من قبل، فالبنك الدولى من جهة أخرى قام مبادرة جديدة فى هذا الإتجاه ولكن من خلال هيئة التنمية السياحية بوزارة السياحة عسى أن نجد فيها أملاً جديداً .. وهكذا لا تزال الكرة فى اليد المصرية التى لاتزال تحتاج إلى من يشد عليها ويدعمها ويقويها لتكون قادرة على دعوة البنك الدولى مرة اخرى من جديد .

word
pdf