التخطيط الاقتصادى والاجتماعى كأساس للتنطيم الشعبى

التخطيط الاقتصادى والاجتماعى كأساس للتنطيم الشعبى2019-11-11T11:14:17+00:00

التخطيط الاقتصادي والاجتماعي

كأساس للتنظيم الشعبي

 

 

في الوقت الذي تدخل فيه الأمة مرحلة جديدة من مراحل تطورها على ضوء الخطوط الرئيسية ونبراس العمل الذي رسمه الميثاق الوطني، تتضافر جميع القوى لوضع التنظيم السياسي للدولة موضع التنفيذ. فالأمة وقد مارست الاشتراكية التي تأصلت جذورها وأصبحت جزءاً من حياة المجتمع بعد صدور قوانين يوليه عام 1961 تدخل الآن بمرحلة أخرى تطبق فيها أصول الديمقراطية السليمة عن طريق التنظيمات الشعبية. والتنظيمات الشعبية تستند قوتها من إيمانها بالأهداف التي رسمها الميثاق الوطني كسبيل للعمل ثم الدفع بكل الطاقات لتوفير مقومات الحياة الكريمة للشعب .. وهذا هو المفهوم الجديد للعمل السياسي. ولذلك يرتبط التنظيم السياسي للشعب ارتباطاً وثيقاً بالتنظيم الاقتصادي والاجتماعي للدولة والذي تحدده في سياستها التعاونية. وهكذا تتكامل العناصر الثلاثة المكونة لأركان المجتمع الجديد في كل من الاشتراكية والديمقراطية والتعاونية.

والتنظيمات الشعبية في ممارستها للعمل السياسي بمفهومها الجديد تعمل في نطاق حدودها المحلية من ناحية وفي نفس الوقت تساهم في رسم السياسة العامة متدرجة من مستوى القرية إلى مستوى المحافظة حتى مستوى الدولة. فالمنظمة الشعبية التي تعمل في نطاق حدودها المحلية يتجمع نشاطها حول أهداف وخدمات ومصالح مشتركة، سواء في توفير الخدمات العامة أو في النظام الاقتصادي والاجتماعي للجماعة التي تمثلها هذه المنظمة. فطبيعة هذه المصالح وهذه الخدمات تختلف في توزيعها في الريف عنها في المدن. ولما كان لكل من القرية والمدينة كيانها الاقتصادي والاجتماعي المميز فإن تقسيم المنظمات الشعبية وتكوينها يختلف في كل منهما. وعلى الأساس تختلف الأسس التي يبنى عليها التقسيم الطبيعي لوحدات التنظيمات الشعبية في كل من المدينة والقرية.

لقد عملت الدولة على مد الريف بمختلف الخدمات العامة ووزعت فيه الوحدات المجمعة التي يخدم كل منها حوالي 15000 نسمة كما تعمل الدولة على خلق الوعي التعاوني بين الفلاحين في سبيل زيادة الإنتاج وإعادة بناء الريف على أساس جديد. ففي سبيل زيادة الإنتاج الزراعي إلى حوالي 25% لابد من العمل على تجميع الملكيات الصغيرة في مزارع تعاونية تحترم فيها الملكية الخاصة حيث يساهم الفلاح بملكيته الصغيرة في رأس مال الوحدة التعاونية – وبعد ذلك يصبح للمزارع العائلية التي تكون وحدات اقتصادية متكاملة وضعها الجديد بجانب الملكيات الكبيرة التي تعتمد على العامل الزراعي في رسم التكوين الاقتصادي الذي يرسم بدوره التكوين الاجتماعي للريف.

وتوزيع الخدمات العامة في الريف جهة أخرى، كما يتضح من الأبحاث المختلفة، ويستلزم تقسيم الريف إلى وحدات تخطيطية تضم كل منها 15000 نسمة تشترك في الخدمات وتعمل متعاونة على تطبيق التنظيم الاقتصادي الذي يهدف إلى زيادة الإنتاج وبناء الريف على أساس من المساعدة الشخصية الموجهة وإقامة الوحدات والمراكز الصناعية وفي حدود الوحدة التخطيطية تذوب حدود القرى والعزب المكونة لها لتصبح مجموعة متحركة يدور نشاطها حول مركز الخدمات في القرية الأم كمركز للوحدة التخطيطية وعلى أساس الأهداف والخدمات والمصالح المشتركة التي يتجمع سكان الوحدة التخطيطية يبنى التنظيم الشعبي لتصبح الوحدة التخطيطية وحدة في التنظيم الشعبي.

وبهذه الصورة تقل مراكز التنظيمات الشعبية في الريف من 4000 قرية إلى حوالي 1000 وحدة شعبية. وهكذا تخرج القرية عن انطوائتها التي استمرت آلاف السنين لتجمع مع زميلاتها وتشترك في الخدمات وتعمل متعاونة في سبيل هدف مشترك. ويقسم بعد ذلك الشعور بالوطنية ويخرج عن مجال القرية كخلية مقفلة. وهكذا يشهد الريف تغييراً جزئياً في كيانه الاقتصادي والاجتماعي والطبيعي على التوالي. وتتغير صورة القرية التي عاشت آلاف السنين ويتضافر سكانها في إعادة بنائها من جديد. وهكذا نرى كيف يساند التنظيم الاقتصادي والاجتماعي التنظيم الشعبي والسياسي كأساس سليم لنظام الحكم المحلي.
وهكذا يصبح الهدف السياسي في القرية هو العمل على تضافر الجهود لتطبيق النظم المختلفة لإنعاش الريف كما في تطبيق نظام الدورات الزراعية وتجميع زراعات المحاصيل المختلفة دون أخطار الآفات الزراعية. كما يتعاون الجميع في إعادة بناء وتنظيم القرية على أساس المعونة الفنية التي تقدمها الدولة. ثم التعاون كذلك في إزالة الخلافات والنعرات القبلية حتى يصبح المجتمع الريفي متعاوناً في العمل كما مترابط في الحياة. كل ذلك في الوقت الذي يتتبع فيه السكان السياسية العامة للدولة ويشتركون في رسم خطوطها العامة ثم يراقبون ويتتبعون بعد ذلك طريقة تنفيذها. و هكذا.

والمدينة في هذا المجال تختلف عن القرية في تكوينها الطبيعي والاقتصادي والاجتماعي الذي يبنى على أساسه التنظيم الشعبي وذلك في وحدات يدور نشاط سكانها أهداف وخدمات ومصالح مشتركة. فالقسم باعتباره أساس للتنظيم الشعبي لازال ينقصه ظاهرة الترابط الاجتماعي الذي يدور حول مركز تتقابل وتجتمع فيه الجماهير أو في مراكز للخدمات الثقافية أو الإدارية أو التجارية أو الصحية الأمر الذي يتعذر معه الاتصال المباشر بالقاعدة الشعبية وتقل فعالية التنظيم الشعبي. فالروابط الاجتماعية في هذه الأقسام لم تستكمل قوتها بعد الفهم إلا في الأحياء القديمة حيث كان للتاريخ دوره في رسم تكوينها الطبيعي والاجتماعي وكذلك فإن الأقسام أو الأحياء في المدينة المصرية لا يزال ينقصها عامل الاكتفاء الذاتي في خدماتها الاجتماعية والتعاونية والإدارية والتجارية. وبمعنى آخر في الأهداف والمصالح المشتركة التي يلتف حولها المجتمع. و كلما زاد حجم القسم زادت حاجته إلى تقسيماً اصغر لكل منها مركز لتجمع سكانه ونشاطهم المشترك. والتنظيم الشعبي في المدينة يجب أن يسبقه تخطيط عام يضمن خلق الروابط الاجتماعية بين سكان أقسامها المختلفة ويتحدد على أساس العلاقة بين المسكن وكل من مكان العمل والمدرسة والمركز الاجتماعي وذلك حتى يسهل الاتصال بالقاعدة الشعبية والتعرف على مشاكلها وتحقيق أمانيها وآمالها. وهكذا تتوفر ظروف العمل الجماعي في طريق التنمية والتطور. ويتراوح حجم التقسيمات الصغيرة بين 15000 ، 20000 نسمة وهو ما يعادل ثلاث من الخلايا السكنية. وتتجمع بعد ذلك هذه التقسيمات الصغيرة في تقسيمات كبيرة يتراوح تعدادها بين 50000 ، 60000 نسمة وهو الحجم المناسب للأحياء التي تضمن لسكانها الاكتفاء الذاتي في الخدمات والإدارة والعمل. وهكذا يصبح الهدف السياسي في المدينة هو تعاون الجميع في استكمال النقص في النواحي الصحية والثقافية والعمرانية في الحي بمساعدة الدولة. فيشترك شباب الحي في نظافته أو في العمل على محو الأمية بين سكانه أو في توفير النشاط الرياضي والاجتماعي وتهيئة ظروف العمل للجميع – كما يعمل المجتمع بعد ذلك على تخفيض تكاليف المعيشة عن طريق إقامة الجمعيات التعاونية أو تجميع صناعات الصيانة والإصلاح في وحدات أكبر. و فوق كل ذلك العناية بالشعائر الدينية كأساس للمجتمع الصالح ويصبح المسجد بعد ذلك مركز للنشاط الاجتماعي والثقافي للحي. كل ذلك في الوقت الذي يتتبع سكان الحي سياسة الدولة ويشتركون في وضع خطوطها الأساسية يباشرون ويراقبون طريقة تنفيذها في المصالح والإدارات التي تنشأ لتخدم كل حي.

ولما كانت صورة التقسيم الطبيعي والاجتماعي للمدينة غير واضحة أو متبلورة كان الاتجاه إلى التقسيم النوعي للفئات العاملة في المجتمع كأساس للتنظيم الشعبي واعتبار المصنع أو محل العمل خلية ثورية يدور نشاطها حول المصالح والأهداف المشتركة في العمل الأمر الذي يتعذر معه إيجاد العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسر المختلفة كهدف تدور حوله حياة الفرد والمجموع في الخلايا السكنية المكونة للمدينة باعتبار الأسرة نواة في بناء المجتمع يشترك كل أفرادها في جميع الخدمات التي يقدمها هذا المجتمع في الوقت الذي تتعدد فيه أوجه العمل لكل منهم. لذلك كان التنظيم الاجتماعي والطبيعي عامل فعال في التنظيم الشعبي في المدينة.

وهكذا نجد أن التنظيم الشعبي أو السياسي يجب أن يحدده ويسانده تنظيم اقتصادي اجتماعي مشترك يشمل كل قطاعات الشعب في اتحاد واحد ويكون المفهوم الجديد للعمل السياسي له هو العمل الايجابي لبناء الوطن على أسس من الاشتراكية والديمقراطية والتعاونية.

word
pdf