التخطيط الاقليمى بين النظرية والتطبيق

التخطيط الاقليمى بين النظرية والتطبيق2019-12-02T07:00:19+00:00

التخطيط الاقليمى بين النظرية والتطبيق

الأهرام الاقتصادى 17/1/1994

 

-لا يزال مفهوم التخطيط الاقليمى يناقش فى اطاره النظرى سواء من ناحية الهدف أو المنهج أو الدراسة وقد شهدت الساحة التخطيطية فى مصر العديد من المحاولات والاجتهادات لتقسيم الدولة الى أقاليم تخطيطية سواء من منطلق الفكر الاقتصادى كأقاليم تخطيطية اقتصادية أو من منطلق الفكر العمرانى كأقاليم عمرانية هذا فى الوقت الذى توجد فيه اجتهادات أخرى لتقسيم الدولة الى أقاليم سياحية أو تنمية محلية تتم فى اطارها العديد من الدراسات التخطيطية ومع كل ذلك لم تصل الدولة الى صيغة تخطيطية متكاملة تتحرك فى اطارها جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية . ومع ذلك أيضا لم تتحدد بعد الآليات التى تحرك التخطيط الاقليمى من نطاق النظرية أو الدراسة إلى حيز التطبيق . وإذا كانت هناك اختصاصات لمثل هذه الآليات فى بعض الوزارات الا أنها تفتقر إلى الكوادر التى تقوم بهذه الاختصاصات ، وهكذا فقدت الاختصاصات قيمتها كما فقدت الأجهزة قوامها ومن ثم فقدت النظرية مضمونها . واستمرت الاجتهادات والدراسات فى مختلف الأجهزة والهيئات تحاول أن تقدم التوجيهات والتوصيات الى من يهمه الامر ولكن دون تحديد أو توجيه لمتخذ القرار على أى مستوى من المستويات التخطيطية .. فالادارة المحلية تعمل منفردة دون تنسيق أو تكامل مع الادارة الاقليمية التى لافعالية لها أو التخطيط المركزى الذى يتم قطاعيا فى جميع المجالات فى اطار التوجيهات الاقتصادية والاجتماعية للدولة. وهكذا تنتهى فعالية التخطيط الاقليمى كنظرية لا تجد التطبيق.

واذا كانت نظريات التخطيط الاقليمى هى فى الأصل واردة إلى مصر من حصيلة تجارب الدول الأخرى مثل بولندا وفرنسا والمانيا وانجلترا … وغيرها … تحاول أن تفرض نفسها على الواقع المصرى الذى يختلف اختلافا بينا عن واقع الدول المصدرة لهذه النظريات … جغرافيا وسكانيا واقتصاديا واجتماعيا واداريا . الأمر الذى يتطلب البحث عن النظرية الجديدة من خلال الواقع المصرى والتجربة المصرية لتحقيق الاستراتيجية القومية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية للدولة.

وتنحصر الاستراتيجية القومية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية فى مصر فى تحريك الفائض السكانى من الوادى الضيق الذى يمثل 4% من مساحة مصر ويضم 96% من سكانها الى مناطق التنمية الجديدة. وتحريك الفائض السكانى هنا يتطلب قاعدتين أساسيتين ، الأولى توفير فرص العمل والثانية توفير السكن كجناحين لعملية الاستيطان البشرى بحيث تتوافر عوامل الجذب فى هذه المناطق الجديدة وتكون أكثر قوة من عوامل الجذب الى المجتمعات القائمة فى الريف والحضر على حد سواء دون تفرقة بين المدن الكبيرة أو الصغيرة فجميعها تعانى من التكدس السكانى الكثيف . ويعنى ذلك ايجاد الآليات التى تساعد على الجذب إلى ناحية المجتمعات الجديدة والدفع من المجتمعات القديمة أى ما نسميه آليات الاستقبال فى الناحية الأولى والارسال من الناحية الثانية وهذه الآليات تحركها أجهزة لها اختصاصاتها ولها التوصيف الوظيفى لمختلف كوادرها … ولها مرحليات البناء والتعمير وتوفير الخدمات وكذلك مرحليات توفير فرص العمل من خلال مرحليات برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية المتمثلة فى التنمية الزراعية أو الصناعية أو السياحية أو الخدمية أو غيرها من مجالات التنمية.

إن تحقيق الاستراتيجية القومية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية من آليات لا بد وأن تلقى موافقة متخذ القرار على المستوى القومى ومن ثم يمكن الانطلاق فى تنفيذ الخطوات التنفيذية لآليات الارسال والاستقبال فى اطار من التنظيم الادارى والمالى الذى تدعمه مجموعة من اللوائح والقرارات ويعنى ذلك أن البعد التنظيمى والادارى فى التنمية القومية أو الاقليمية أو المحلية هو الطريق الذى ينتقل من خلاله التخطيط الاقليمى اذا جاز هذا المسمى من حيز النظرية إلى مجال التطبيق. وهنا يتوقف تعبير التخطيط ليحل محله تنمية المناطق الجاذبة وتطوير المناطق الطاردة بما يحقق الأهداف الاستراتيجية للدولة.

ومع كل ذلك تبقى النظرية والتطبيق رهنا لاتخاذ القرار ، وهنا تصبح المناورة بين المخطط ومتخذ القرار منهجا هاما فى التقاء البصيرة التخطيطية التى ترى الأمور بأبعادها الغريبة والبعيدة والبصيرة السياسية التى ترى الأمور أكثر بأبعادها الراهنة خاصة فى الدول النامية والمتخلفة. وبذلك تصبح المناورة بين المخطط ومتخذ القرار مكونا رئيسيا فى الدراسات التخطيطية بعيدا عن الغوص فى جداول الأرقام .

وبذلك توجه هذه الدراسات فى بدايتها إلى متخذ القرار على أى مستوى من المستويات القومية أوالأقليمية أو المحلية ، ويتوقف القرار هنا على تطلعات ورغبات متخذ القرار فى أى من هذه المستويات. وهذه التطلعات والرغبات تختلف باختلاف مستوى الوعى التخطيطى عند الشعوب حيث يزداد هذا الوعى فى الدول المتقدمة التى تعمل بديمقراطية القرار والمشاركة الشعبية الحقيقية ويقل فى الدول النامية التى تعمل بشمولية القرار سواء أكانت فردية أو جماعية فى المشاركة الشعبية الصورية. وهنا تصبح دراسة عملية اتخاذ القرار على المستويات المختلفة مكونا أساسيا للتنمية المستمرة حتى لا تفقد النظرية موضوعية التطبيق وتصبح مخاطبة الجماعات المستفيدة وكذلك المجالس المحلية أو التنفيذية بذلك حرفة تخطيطية لا بد وأن يتقنها المخطط كما يتقن تطبيق عمليات المسح والتحليل والتنظير والاستنباط والتصميم والاخراج والاظهار والتحرير والتقرير.

إن التمرس على مخاطبة الجماعات المستفيدة من مجالات التنمية يصبح المدخل الرئيسى لنقل النظرية التنموية الى الواقع العملى فى الدول النامية.

word
pdf