التخطيط على طريقة إطفاء الحرائق

التخطيط على طريقة إطفاء الحرائق2019-12-03T15:24:50+00:00

التخطيط على طريقة إطفاء الحرائق

د. عبد الباقي إبراهيم

 

الأهرام الاقتصادى 11/5/1992 

لقد أصبح التخطيط مباحا لكل الأجهزة لتخطيط نشاطها كما تشاء وذلك فى غياب التكامل مع الأنشطة التى تقوم بها غيرها من الأجهزة أو على الأقل يتطلب التنسيق معها حتى أصبحت الأجهزة التنفيذية وكأنها جزر مستقلة لا يربط بينها الا مجلس الوزراء إن استطاع أو بتدخل القيادة السياسية لفك الاشتباك بين الأجهزة المتصارعة فيها والدولة بطبيعة الحال ليست ملكا لفرد وهى أيضا ليست ملكا لجهاز يتصرف فيها كيفما يشاء. 
ان غياب التكامل وان لم يكن التنسيق بين الأجهزة التخطيطية يجعل كلا منها يعمل منفردا دون استراتيجية موحدة تربطها واذا كان جهاز رياسة الوزارة لا يستطيع القيام بمهمة التكامل أو التنسيق بين الخطط القطاعية فلا أقل من أن يوجد جهاز واحد يقوم بهذه المهمة. وهو فى المفهوم العام يتمثل فى وزارة التخطيط التى تقوم باعداد الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوزيع الاستثمارات على القطاعات المختلفة وتتابع نشاطها وتقوم انجازاتها. 

وإذا كان الأمر كذلك فما هى علاقة جهاز التخطيط الاقتصادى الاجتماعى الذى يدعى الاهتمام بالبعد المكانى للخطط الخمسية وما علاقته بجهاز مثل الهيئة العامة للتخطيط العمرانى الذى يتعامل مباشرة مع هذا البعد المكانى الذى تدعى وزارة التخطيط التعامل معه أيضا فى نفس الوقت فمن اختصاصات وزارة التخطيط وضع الخطط القومية والاقليمية فى الأقاليم الثمانية حسب تقسيمها للدولة هذا فى الوقت الذى تختص فيه هيئة التخطيط العمرانى بوضع المخططات الاقليمية كاطار لتخطيط المدن التى داخل حدودها وهى تقسيمات تختلف عن التقسيمات التى وضعتها وزارة التخطيط دون فاعلية أو أجهزة تقوم عليها وإن كان هناك اتجاه للتعاون الفنى مع الأمم المتحدة لدعم قطاع البيانات التخطيطية بالوزارة بما يجسم أهداف التخطيط على المستوى القومى والأقليمى والمحلى مع تحديد مواقع النمو ومواقع البنية الأساسية على خرائط جغرافية حديثة واعداد برنامج تدريبى متكامل لكوادر وزارة التخطيط والأقاليم الاقتصادية للوقوف على أحدث الوسائل فى مجالات التخطيط الاقليمى والهيئة العامة للتخطيط العمرانى وهى شريك أساسى فى هذا العمل ليس لها أى دور فيه وإن كان من صميم اختصاصاتها وهى تابعة لوزارة التعمير والاسكان. 

واذا كان مشروع الأمم المتحدة يهدف – كما تقول الأهرام فى 18/2/1992 – الى دعم المشاركة الشعبية فى عمليات التخطيط والتنمية من خلال المحليات والأقاليم دعما للاسلوب الديموقراطى فى ادارة الاقتصاد القومى واعداد خطط اقليمية تشمل المحافظات لدعم القطاع الخاص وما يمكن أن تقدمه المحليات لهذا القطاع وذلك بالتنسيق مع الخطة الخمسية الثانية فأين ذلك من مشروع الادارة المحلية الجديد الذى يسعى الى تقسيم مصر الى أقاليم للتنمية المحلية يضم كل منها محافظة أو أكثر وتكون له عاصمة وهو امتداد للنظام القائم الذى ثبت فشله فى تحقيق الأهداف التى وضعت له. 
هذا فى الوقت الذى لا يرد فيه ذكر لتطوير قانون التخطيط العمرانى لمواكبة هذه المتغيرات المستهدفة ثم ان ذلك من الاتفاقية التى أعادت الود بين البترول والسياحة فى البحر الأحمر بعد انسحاب التعمير منها …فقد تم اتفاق التعاون المشترك بين وزارتى السياحة والبترول لتحديد اشتراطات استعمالات أراضى ساحل البحر الأحمر فى المنطقة الواقعة بين مدينة السويس وخط عرض 22 (حدود السودان) فى النشاطين السياحى والبترولى فاين النشاط التعميرى والاسكانى فى هذه الاتفاقية ثم أين دور التخطيط العمرانى الذى من اختصاصاته تحديد استعمالات الأراضى بكل أنواعها … فى المدن والأقاليم ومنها ينطلق النشاط الاستثمارى فى النوعيات الاستثمارية المختلفة وهل لقطاع النقل والمواصلات دور فى هذه العملية التى لا بد أن تخضع الى متطلبات الأمن القومى الذى تعده وزارة الدفاع وهكذا يحاول كل قطاع أن يخلص نفسه بنفسه أو بالاتفاق مع غيره اذا لزم الامر دون تكامل أو حتى تنسيق يربط كل القطاعات وعلى الصعيد المحلى تظهر هنا خطة جهاز تنمية القرية لتعمير الريف وتخطيط القرى واعداد مخططاتها العمرانية والانتاجية مع أن من اختصاصات الهيئة العامة للتخطيط العمرانى وضع المخططات العمرانية للقرى كما أن لقانون الادارة المحلية الجديد رؤية أخرى فى هذا الشأن خاصة فيما يرتبط بدور المحليات فى التنمية والتعمير وهكذا تضيع الاختصاصات التخطيطية بين القطاعات المختلفة دون تكامل أو تنسيق الا بالقدر الذى توفره أجهزة مجلس الوزراء أو القيادة السياسية وهكذا يظهر حرص رياسة كل قطاع على الاستقلال الذاتى والتحوصل على نفسها بعيدا عن المشاكل والتداخل والحساسية وهكذا يترك أمر التخطيط مباحا للجميع وذلك على حساب الصالح العام وعلى الصعيد المحلى يحاول كل قطاع أن يستقل بنفسه تخطيطيا وتنفيذيا فالمرور يخطط للمرور، والمرافق تخطط للمرافق ، والكهرباء تخطط للكهرباء ، والاسكان يخطط للاسكان . وهكذا كل فى فلك يسبحون بعيدا عن الأهداف الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير التى تسعى الى مقاومة أم المشاكل وهى التكدس الشديد للسكان فى الوادى الضيق الذى بدأت تتفاقم فيه المشاكل الاجتماعية والأمنية والصحية والاقتصادية وكذلك المشاكل البيئية والأخلاقية حتى أصبحت صعبة الحل تتجمد أمامها كل السبل والأساليب لا تستطيع لها حراكا ويظهر أن النظام السياسى لا يسعى الا لحل المشاكل الأنية الضاغطة ولا يرى الصورة المستقبلية لمصر فى حجمها الحقيقى بكلياتها وجزئياتها وهى صورة مفزعة قاتمة لقد لقى حادث العتبة اهتماما جماهيريا لم يهدئه الا نصيحة القيادة السياسية ثم كانت مشكلة مرحبا التى أقامت الدنيا واقعدتها على مشروع استثمارى يجرى تنفيذه وأن اختلفت فيه الأراء وظهرت فيه حماسة النواب كما لم يظهر من قبل الا فى أحداث سالم اكسبريس وقرية عبد القادر وحريق عمارة المعادى. أما الاستراتيجية القومية التى تسعى الى انقاذ كل مصر فلا وجود لها فى وجدان نواب الشعب الذين ينتظرون أى كارثة ليقيموا عليها الدنيا جدلا وحماسة وصياحا.

word
pdf