التطور الإسلامى للنظرية المعمارية
المدخل لإعادة التوازن العمرانى للمدينة العربية
د. عبد الباقى إبراهيم
رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية ـ القاهرة
لاتزال إشكاليات التحديث والتأصيل في التجارب المعمارية المعاصرة في البلدان العربية وتجليات الإغتراب في العمران العربى المعاصر محلا للجدل والنقاش مع كثير من المفكرين والمعماريين . وكثيرا ما طرحت هذه الإشكاليات في العديد من المؤتمرات والندوات التى حاولت أن تسعى إلى القاء الضوء على المؤثرات الثقافية الواردة من الغرب على موروثنا الحضارى والعمرانى . والعمارة كغيرها من الفنون تعرضت إلى موجات متلاحقة من الغزو الثقافى الغربى منذ العصر العثمانى وخلال عصور الإحتلال وما واكبه من نفوذ أجنبى بدأت بوادره تظهر في عصر إسماعيل باشا في مصر حيث حاول ان يجعل من القاهرة قطعة من أوروبا بدعوته للمعماريين الفرنسيين والإيطاليين لبناء وتعمير إمتداد القاهرة غرب المدينة التاريخية فشقت الشوارع العريضة على النمط الباريسى فأقيمت العديد من العمائر التى تحمل طراز عصر النهضة والباروك ومعها تغيرت الأزياء الرسمية وشاع الزى الغربى في الأوساط الراقية كما أقيمت الأوبرا لتقدم الأنغام السيمفونية والأوبرالية . كما نفذت الثقافة الأوربية إلى الآداب والفنون بكافة انواعها .. وهكذا تغيرت ملامح الإنسان كما تغيرت ملامح العمران .. وانقطع تيار التواصل الحضارى مع الماضى الزاخر بإبداعاته الفكرية والأدبية والفنية والمعمارية . ودخلت مصر في حقبة جديدة من الحضارة المعاصرة عززها الإرتباط المعرفى بارسال البعثات من مختلف التخصصات إلى أوروبا وأفرزت بالتالى العديد من قادة الفكر والأدب والعمارة الذين تأثروا بالحضارة الأوربية ونقلوا ملامحها إلى مصر الأمر الذى أدى بقليل من المفكريين والأدباء والمعماريين إلى الدعوة للبحث عن الذات والعودة إلى التراث في جميع المجالات ومنها العمارة فبدىء بالنقل الحرفى من العمارة الفرعونية في بعض المبانى العامة والنقل الحرفى من العمارة الإسلامية في غيرها مع التبسيط والتنميط . من هنا بدأ الحوار الساخن بين المؤيدين للتفاعل مع العمارة العالمية والمؤيدين للتعامل مع العمارة المحلية واختلطت المفاهيم كما اختلطت المدارس الفكرية الأمر الذى انعكس بالتالى على المناهج المعمارية ومن ثم على المنتج المعمارى الذى حول المدينة إلى كرنفال من الأشكال والألوان والطرز المعمارية . وفقدت المدينة شخصيتها العمرانية . وانتقلت العدوى بالتالى إلى المدن في الدول العربية ، وظهرت هذه العدوى في عمارة الخمسينات والستينات في الكويت والمملكة العربية السعودية وسوريا والعراق وغيرهما من الدول العربية . إلى أن بدأت أموال النفط تجذب المعماريين من الغرب إلى المنطقة العربية مرة اخرى فأقيمت العمائر التى تعكس في معظمها العمارة الغربية الحديثة وأصبحت المنطقة العربية مثل السيرك يحاول المعماريون من الغرب ان يعرضوا فيه لعباتهم المختلفة فاختل التوازن العمرانى للمدينة العربية مرة اخرى وساعد على ذلك قناعة الكثير من اصحاب المال والعديد من المعماريين العرب بهذا التيار الجارف بحجة أن العالم قد اصبح قرية صغيرة لا مكان فيها للأصالة في عصر التكنولوجيا المتقدمة الواردة من الغرب . وأمام هذا التيار الجارف قام قلة من المعماريين العرب في بداية الستينات إلى الدعوة لتأصيل القيم الحضارية في بناء المدن العربية المعاصرة وظهر منهم حسن فتحى وعبد الباقى إبراهيم في مصر ومحمد مكية ورفعت الجادرجى في العراق وسباشير في الكويت وأخذوا على عاتقهم حملة التنوير الثقافى المعمارى سواء بالكتابة أوالنشر أو بالإنتاج المعمارى الذى يربط الأصالة بالمعاصرة .. وامتدت هذه الحملة تنتشر في البلاد العربية وتصل إلى قناعة متخذى القرار فيها من أصحاب رؤوس الأموال والمعماريين وبدأت صحوة جديدة تحاول ان تعيد إلى المدينة العربية وجهها الحضارى الذى فقدته على مدى قرن من الزمان . ومع هذه الصحوة الجديدة التى ظهرت آثارها في الثمانينات والتسعينات تسللت دعوات غربية تطرح من جديد النظريات الغربية المعاصرة حيث أن الفكر المعمارى في الغرب هو دائما في حالة تفاعل مستمر مع الإنجازات التكنولوجية المتلاحقة التى تصدر بعد ذلك إلى العالم العربى لتؤثر مرة اخرى على المنتج المعمارى الأمر الذى دعى بعض المعماريين وكان على رأسهم حسن فتحى للدعوة إلى ضرورة البحث عن تكنولوجيا للبناء متوافقة مع البيئة المحلية والإمكانيات البشرية . وظلت هذه الدعوة حبيس الأدراج ولم تظهر آثارها بعد على العمارة العربية المعاصرة . أما التوجه الثالث فيرى انه لايجب اعتبار العمارة الإسلامية هى المتمثلة فقط فيما انتج من معمار في فترة تاريخية محددة وهى العصور الإسلامية وفى حيز مكانى واحد هو المنطقة الممتدة من شرق العالم الإسلامى إلى غربه . الأمر الذى يخرج المفهوم الإسلامى عن مضمونه الذى يعتبر في الإسلام حضارة لايحدها زمان أو مكان . وأن بها مضامين معمارية ثابتة لاتتغير بتغير المكان و الزمان وان كان فيها الشكل هو العامل المتغير بتغير المكان والزمان . ويحاول هذا التوجه إعادة المنهج إلى البحث عن العمارة في الإسلام وليس البحث عن العمارة الإسلامية بمفهومها التقليدى المتعارف عليه ، من هذا المنطلق بدأ البحث في الأصول والآليات التنظيمية التى كانت سائدة في العصور الإسلامية والتى أثرت على البناء المعمارى في هذه العصور كما بدأ البحث في مراجعة آيات القرآن الكريم والسنة المحمدية وكتب السلف الصالح بهدف استخلاص القيم التى تبنى الإنسان وأخذها بالقياس في بناء العمران مع الأخذ بأساليب البناء الحديثة والمتطلبات المعاصرة.
1. التقدم التكنولوجى الذى أفرزه الغرب في فترة الضعف التى انتابت العالم الإسلامى خلال مراحل الإستعمار وضعف القدرة على مسايرته حتى أصبحت المراجع الغربية هى الموجه للفكر المعمارى المحلى .
|