الجمعيات الخيرية لإسكان الفقراء

الجمعيات الخيرية لإسكان الفقراء2019-11-28T12:01:53+00:00

الجمعيات الخيرية لإسكان الفقراء

 د. عبد الباقي إبراهيم

خبير الأمم المتحدة للتنمية العمرانية سابقا

            الاهرام 24/9/1995

 

 

عادة ما تناقش مشكلة الاسكان من أبعادها الاقتصادية والتمويلية ، ومن حيث الكم العددى للوحدات السكنية بمستوياتها المختلفة مع التوصيف الهندسى للمواصفات التى تتحقق لهذه المستويات ، وقد أحيلت مشكلة الاسكان غير الاقتصادى إلي القطاع الخاص بينما ترصد الدولة الموازنات السنوية لبناء الاسكان الاقتصادى لذوى الدخول المحدودة والذى أصبح يوفر الوحدات السكنية لذوى الدخول المتوسطة أكثر منه للدخول المحدودة

ومع ذلك لم يدخل اسكان الفقراء دائرة المعالجة من قبل الدولة التى لا تستطيع تمويل هذا النوع من الاسكان ، وبذلك لم يدخل بعد فى خططها الاسكانية واتجهت أعداد كبيرة من المواطنين الفقراء إلي سكن العشش وبيوت الصفيح والطين … مستعملين فى ذلك مواد البناء المتوافرة فى البيئة دون أى قدر من الوعى الصحى أو الاجتماعى أو الفنى، وعادة ما يتم البناء على أراض مملوكة للدولة فى أطراف المدن أو داخلها لذا توافرت بجوار العمران القائم وفى حمايته . وأصبح اسكان الفقراء يسبب العديد من المشاكل الاجتماعية والأمنية التى تهدد كيان المجتمع بالاضافة إلي المشاكل الصحية والبيئية التى تضيف أعباء كبيرة على الدولة.  وبدراسة مشكلة اسكان الفقراء نجد أنها تضيف أعباء مالية كبيرة على الدولة بطريق غير مباشر وذلك يتمثل فى الأعباء الاضافية التى تنفق على الأمن وصحة البيئة والارهاب الذى يتولد من هذه المناطق.هذا بالاضافة إلي ما تفقده الدولة من مظهر حضارى واجتماعى يؤثر بدوره على مقوماتها السياحية خاصة فى المناطق الأثرية التى تمتزج بالاسكان العشوائى من العشش وبيوت الطين والصفيح. وتفاقمت المشكلة حتى أصبحت حملا ثقيلا على الدولة التى تسعى إلي تطوير هذه المناطق منفقة الملايين على توفير الخدمات الأساسية فيها دون مساس بالاسكان العشوائى نفسه الذى هو لب المشكلة.

من هذا المنطلق ظهرت فكرة انشاء جمعيات خيرية لاسكان الفقراء وذلك تأكيدا لمبدأ التكافل الذى فرضه الاسلام لتضييق الفجوة الكبيرة بين سكن الفقراء وسكن الأغنياء ، هذه الفجوة قد تهدد النظام العام للدولة. وتأتى فكرة انشاء الجمعيات الخيرية لاسكان الفقراء للمشاركة فى الحمل الكبير الذى تتولاه الدولة فى توفير الخدمات والمرافق للمناطق العشوائية ، وذلك من خلال المساهمات الخيرية التى يوفرها القادرون من القطاع الخاص سواء كمصارف للزكاة أو كتبرعات وصدقات لله ، وتتضح فعالية وجدوى هذا التوجه من خلال التجارب الأولى لهذه الجمعيات الخيرية ، وإذا ماثبت نجاحها سوف يتسع مجال رسالتها الانسانية. ومع توافر الثقة والفعالية لها فسوف تجذب إليها المساهمات الخيرية من مختلف الجهات. ولذلك كان الاهتمام الكامل لانجاح أول تجربة لهذه الجمعيات لتكون مثلا رائدا لغيرها فى هذا المجال ، الأمر الذى يتطلب مساندة الدولة فى المراحل الأولى لنشاط الجمعيات ، وذلك بتوفير الأراضى الصالحة للتعمير مجانا لاسكان الفقراء ، وتترك للجمعيات توفير المرافق والخدمات العامة والوحدات السكنية بالاسلوب الذى تختاره وذلك عن طريق تشغيل الفئات المستهدفة بأجر تحت الاشراف الفنى للجمعيات مع توافر مواد البناء المدعمة من الدولة ، وذلك تحت الاشراف المإلي والادارى لوزارة الشئون الاجتماعية التى يمكن أن تخصص لذلك إدارة خاصة تتفرع بعد ذلك بالمحافظات المختلفة. وتقوم الجمعيات من جانبها بعمل الدراسات الاجتماعية اللازمة لاختيار الفقراء والمحتاجين للمأوى وذلك بمساعدة المحافظات التى تحدد المناطق العشوائية أو المتهالكة ذات الأولوية فى التعمير وفى نطاق برامجها التنموية.كما يشارك بنك ناصر من ناحية أخرى فى توفير السيولة المالية المناسبة تبعا للدراسات الاستثمارية التى تقدمها الجمعيات الخيرية لكل مشروع مستفيدة فى ذلك بالتجارب الرائدة التى أقيمت فى الدول الأفريقية أو الشرق أوسطية أو أمريكا الجنوبية أو من المضمون المنهجى لعمارة الفقراء المستقاة من تجارب المعمارى الراحل حسن فتحى ويتم ذلك من خلال ماتستنبطه منها الهيئة العامة لبحوث البناء والاسكان والتخطيط العمرانى التى تستطيع أن توفر الخبرات والمعونة الفنية لهذه الجمعيات دون مقابل0

وتعتمد الجمعيات الخيرية لاسكان الفقراء فى عملها على الجهود التطوعية كما فى غيرها من الجمعيات الخيرية الاخرى التى يشترك فى عضويتها كل من يجد فى نفسه الرغبة فى خدمة المجتمع وذلك باعتبار أن اسكان الفقراء وايواء من لا مأوى لهم يمثل نفس قيمة الخدمة الاجتماعية التى تسعى إلي توفير السكن الصالح للمواطن الصالح بعيدا عن الرقعة الزراعية ومصدا عائقا لانتشار العشوائيات ، وإذا كان الاسكان عادة ما يرتبط بالعمل ، فان توفير المأوى لمن لا مأوى لهم يرتبط بتوفير العمل لمن لا عمل لهم ، وبذلك تصبح مهمة هذه الجمعيات مهمة اجتماعية وانتاجية فى نفس الوقت ، وإذا كانت الدولة تسعى إلي تطوير القرى الحالية لتكون قرى انتاجية فالأولى بها أن تسعى إلي اقامة القرى الانتاجية على أراض جديدة بعيدا عن الأرض الزراعية وفى اطار المجتمعات العمرانية الجديدة وذلك بمساندتها ودعمها لمثل هذه الجمعيات الخيرية لاسكان الفقراء التى تعتمد فى عملها على الجهود الذاتية للفئات المستهدفة والمساعدات المالية كتبرعات من الافراد والمؤسسات والشركات والمنظمات الدولية التى لن تتردد فى المساهمة فى مثل هذا العمل التطوعى إذا ما ثبت أمامها نجاح التجربة الأولى فى هذا المجال.

وإذا كان حسن فتحى رحمه الله – قد نادى بعمارة الفقراء فى منتصف القرن العشرين وانتشرت رسالته وأفكاره وأساليبه ومنهجه فى جميع أنحاء العالم ، فلا أقل من أن تنشر دعوته على المستوى العام من خلال الجمعيات الخيرية لاسكان الفقراء بعيدا عن الروتين الحكومى ونظام المقاولات الذى يستهلك أكثر من 40% من التكاليف الحقيقية للبناء ، ثم العمل باسلوب الجهود الذاتية فى البناء بمشاركة الفئات المستهدفة التى تبنى بنفسها لنفسها ولو بأجر حتى تتأكد رابطة الانتماء بين الانسان ومجتمعه الجديد المتمثل فى القرى الانتاجية الجديدة خارج الرقعة الزراعية وفى فلك المجتمعات العمرانية الجديدة 0 وإذا كان صندوق الخدمة الاجتماعية يوفر المعونات المالية للمقبلين على المشروعات الانتاجية الصغيرة فمن الأجدى أن يوفر ذلك لغرض العمل فى القرى الانتاجية الجديدة وبذلك يرتبط توفير السكن لمن لا مأوى لهم بتوفير العمل لمن لا عمل لهم بعيدا عن العمران القائم الذى يعانى من الضغط السكانى ، الذى يكاد يكتم أنفاسه ولن يبقى لاى مشروعات خدمية او انتاجية أثر بعد حين ، وبذلك تتحقق أبعاد الاستراتيجية العمرانية القومية التى تعمل فى اطارها كل أجهزة الدولة. وهكذا يصبح انشاء الجمعيات الخيرية لاسكان الفقراء هو أحد المداخل الرئيسية لمشاكل الدولة العمرانية والأمنية والصحية والاجتماعية وبها يتحقق التكافل الاجتماعى والتكامل بين المأوى والعمل على بحر الصحراء الذى يحيط بالوادى الأخضر ، ويبقى الموضوع معلقا بأصحاب المبادرة التطوعية لانقاذ فئة كبيرة من المواطنين الذين لا مأوى لهم0

word
pdf