الخرائط الثلاثة

الخرائط الثلاثة2019-11-28T09:16:00+00:00

الخرائـــط الثلاثــة

دكتور/عبد الباقى ابراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتنمية العمرانية سابقا

 

          تشهـد الساحة المصرية نشاطا مكثفا من قبل رئاسة الوزارة والوزارات المعنية لاعداد عدة خرائط تنموية كل فى اتجاه قاصدا تحقيق البعد المكانى للخطط الاستثمارية للدولة،  فقد قامت وزارة التخطيط من خلال خبرائها بوضع المخططات الانمائية لسيناء وتبعاتها بجنوب الصعيد وتصعد بها إلي شمال الصعيد ثم الدلتا باعتبارهم أقاليم تخطيطية،  وقد جاءت نتائج  الدراسات التى أعتمدت من مجلس الوزارء ونوقشت على كل المستويات الفنية والتشريعية محققة لتوزيع استثمارات الخطط الخمسية الأربع القادمة حتى عام 2018 لتكون دليلا لمراحل التنمية الاقتصادية الاجتماعية على أرض مصر وهى بذلك تعتبر خطوة فى سبيل التكامل بين الخطط الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية كهدف أساسى للتنمية القومية المناسبة لمصر حيث يتركز 96% من السكان على 4% من المسطح الكلى لمصر وهذه طبيعة سكانية جغرافية ليس لها مثيل فى العالم، وبالتالي لابد وأن يكون لها خصوصية فى النظرية التنموية وبالتالي فى إسلوب التنمية الاقليمية والمحلية.  وقد عالج خبراء وزارة التخطيط النظرية التنموية على أساس إقليمى بعد تقسيم مصر إلي عدة أقاليم تخطيطية.  وقد شاب هذه النظرية كثير من التناقض وذلك باعتبار أنه من الصعب تقسيم دولة يعيش 96% من سكانها على 4% من مساحتها إلي أقاليم تخطيطية،  الأمر الذى يدعو إلي ضرورة اعتبار مصر بهذه الطبيعة الخاصة وحدة تنموية واحدة مكونة من مناطق جذب ومناطق طرد ويظهر ذلك فى أن تنمية سيناء يرتبط بتنمية الوادى المكتظ بالسكان وبمعنى آخر تنمية مناطق الجذب بالتكامل مع مناطق الطرد فى عملية تنموية واحدة  وذلك بزيادة عوامل الجذب من اتجاه وعوامل الطرد فى نفس الاتجاه وبإسلوب تقسيم مصر إلي أقاليم تخطيطية يعامل كل إقليم بمفرده. وضع خبراء وزارة التخطيط منهجهم التنموى ورسموا بذلك الخريطة الأولى التى تحدد صورة مصر عام 2108.

          مـــــن ناحية ثانية قام خبراء التخطيط العمرانى بوزارة الاسكان والتعمير باتباع إسلوب آخر عند محاولتهم وضع خريطة للتنمية العمرانية لكل مصر كوحدة واحدة وذلك بدراسة الأوضاع الراهنة فى كل قطاعات التنمية وتحليلها ووضع بعض المؤشرات التخطيطية التى انتهت إلي عدة توصيات للتنمية العمرانية لكل مصر .. وتوصلت هذه الدراسة إلي ضرورة توطين 20 مليون نسمة من الفائض السكانى فى الدلتا والصعيد فى المناطق العمرانية الجديدة ووضعت لذلك عدة توجيهات للعمل بها فى القطاعات المختلفة لتحقيق هذه الغاية دون ذكر لحجم الاستثمارات اللازمة لذلك كما فى خريطة وزارة التخطيط،  وإذا كانت الدراسة تعتبر قاعدة بيانية بمؤشرات مختلفة فهى لاتزال تحتاج إلي تحديد أولويات التنمية تبعا لحجم الاستثمارات التى يمكن إتاحتها لجذب العشرين مليون نسمة إلي مناطق التعمير الجديدة فى ضوء الأولويات التى يتطلبها الأمن الاجتماعى والدفاع الوطنى،  فليس بالتمنيات تتحقق الأهداف ولكن بالخيال والواقعية معا حتى يعلم كل قطاع دوره فى خطط التنمية فى فى ضوء امكانياته المستهدفة مع اعتبارات للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.  وهكـــــذا وضعت الخريطة الثانية بواسطة خبراء هيئة التخطيط العمرانى فى محاولة للرد على التساؤلات العامة متى يكون لمصر خريطة تنموية توضح صورة المستقبل الذى قدرته الهيئة حتى عام 2020.

          من ناحية ثالثة تقوم الدولة بوضع خريطة استثمارية لمصر تحدد فيها المناطق المتاحة للاستثمار المستقبلى مع توضيح المجالات والامكانيات الاستثمارية لكل موقع على أرض مصر سواء على الأراضى التى تمتلكها الدولة على وجه خاص وذلك بهدف تنشيط عمليات الاستثمار وجذب رؤوس الأموال الداخلية والخارجية كل ذلك فى إطار القوانين واللوائح الميسرة للاستثمار، وهكذا تخرج الدولة بخريطة ثالثة تحتاج فى واقع الأمر إلي معطيات الخريطة الأولى والثانية فى شكل متكامل يؤكد أن أجهزة الدولة لاتعمل فرادى ولكن بإسلوب أكثر تكاملا وأكثر تنسيقا.

          واذا كان هناك من المتغيرات ماقد يجعل الأوضاع القائمة اليوم تختلف فى الغد ومن ثم تختلف السياسات والمناهج، فإن هذه الخرائط الثلاث لابد وأن تدمج فى خريطة واحدة تحركها وتجددها وتطورها أجهزة متخصصة، فكم من الدراسات التى أعدت من قبل انتهى تاريخ صلاحيتها،  وكم من الدراسات التى وضعت فى مجلدات ومخططات ولم تجد من يحركها ويعمل بمقتضاها،  وكم من الدراسات التى تمت ولم توجه إلي الجهات المسئولة عن اقرارها واتخاذ القرار بشأنها وكأنها حوارات مغلقة تعرض على بعض اللجان من الخبراء والمتخصصين الذين ليس لهم دور فى اتخاذ القرار بشأن هذه الدراسات،  والكرة الآن فى يد رئيس الوزراء القادر على إتخاذ القرار بشأن تكامل الخرائط الثلاث والعمل بها بواسطة أجهزته المركزية والاقليمية والمحلية،  فان الخرائط والمخططات لن تؤتى ثمارها مالم تجد الآليات والأجهزة التى تقوم عليها،  فالسائد فى العالم الآن أن إدارة التنمية المستدامة هى أهم عنصر من عناصر التنمية.

 

 

word
pdf