الدكتور/ شفيق الصدر رائد التخطيط العمراني

الدكتور/ شفيق الصدر رائد التخطيط العمراني2019-11-20T15:01:52+00:00

الدكتور/ شفيق الصدر رائد التخطيط العمراني

 دكتور عبد الباقي إبراهيم

 

ترك الأستاذ الدكتور شفيق الصدر برحليه فراغا كبيرا فى مجال التخطيط العمراني فقد تتلمذ على يديه كبار المخططين من المعماريين فى مصر الذين درسوا عنه منذ بداية عمله مدرسا لمادة تخطيط المدن فى قسم العمارة بجامعة القاهرة عام 1949 بعد حصوله على درجة الدكتوراة من جامعة هارفارد بأمريكا.. ومنذ ذلك الحين بدأ علم التخطيط العمراني يأخذ صبغته المعاصرة التي تتكامل فيها الجوانب الطبيعية بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي ترسم في النهاية الصورة الحضارية للمدينة. ولم يعد التخطيط العمراني عملا معماريا فرديا بل أصبح عملا جماعيا يقوم به فريق عمل من المتخصص في النواحي المختلفة. وقد بدأ الدكتور شفيق الصدر يطبق هذا المنهج من خلال العملية التعليمية. وبدأت تطلعاته تتجه إلي شرق القاهرة كامتداد طبيعي فبدأ يعلم تلاميذه كيفية التعامل مع المناطق العمرانية الجديدة وكان أول مشروع قام به طلبته تخطيط هضبة المقطم وأدخل لأول مرة مفهوم المجاورة السكنية وفصل المرور عن المشاة وتركيز الخدمات المحلية وتحديد المنطقة المركزية والتعامل مع طبوغرافية الأرض والاعتبارات المناخية ثم مرحليات البناء التعمير وهكذا أدخل الدكتور شفيق الصدر المفاهيم المعاصرة للتخطيط العمراني في مصر. واستمر عمله في الجامعة سبعة سنوات إلي أن اختاره السيد عبد اللطيف بغدادي ليكون مديرا عاما لتنظيم القاهرة وكان اختيارا موفقا وبدأ في دراسة كورنيش النيل الذى غير الملامح العمرانية للمنطقة المركزية لمدينة القاهرة . وهكذا أصبح مدير عام تنظيم القاهرة من علماء التخطيط العمرانى الذى يربط بين النظرية والواقع وأصبح للإدارات المحلية للتنظيم فى أحياء القاهرة قوة تنظيمية وتطبيقية فعالة خاصة لها عرف عن الدكتور شفيق الصدر من عزم وحزم فى الإدارة.

وفى عام 1954 بدأ الدكتور شفيق الصدر فى الإعداد لأول تخطيط عمرانى تشهده القاهرة فى تاريخها الطويل واستنفر لذلك أساتذة التخطيط العمرانى من جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس وانتهوا من إعداد أول مخطط عام للقاهرة سنة 1956 وتحدد الحجم الأقصى للقاهرة بحوالى 3.5 مليون نسمة .. ولم يقتصر عمل إدارة التخطيط والتنظيم عند هذا الحد بل نقلت نشاطها برياسة الدكتور شفيق الصدر لتضع لكل مدينة مخططا عاما, فظهرت المخططات العامة لعواصم المحافظات عام 1958 فكانت إدارة التخطيط العمرانى فى ذلك الوقت بمثابة مدرسة فكرية وعلمية تخرج منها مجموعة كبيرة من المخططين عملوا بعد ذلك فى العديد من الدول العربية حاملين خبراتهم التى اكتسبوها فى العمل تحت رياسة الدكتور شفيق الصدر.

ولم يتوقف دور الدكتور شفيق الصدر عند هذا الحد بل تبنى فكرة إنشاء أول معهد للتخطيط العمرانى بجامعة القاهرة وشكلت لذلك فى عام 1976 لجنة فنية خاصة فى الجامعة اشترك فى عضويتها المرحوم الدكتور عبد العزيز كامل وبعض أساتذة الجامعة من المتخصصين وقد وضع أحدهم أمام اللجنة دراسة مقارنة للنظم العلمية المختلفة ومعاهد التخطيط العمرانى فى العالم وذلك حتى تسترشد بها اللجنة فى وضع التصور النهائى للمعهد الجديد. ومع ذلك فقد لاقت الفكرة التى تبناها الدكتور شفيق الصدر معارضة شديدة من رؤساء أقسام العمارة بجامعتى القاهرة وعين شمس فى ذلك الحين وتوقف المشروع إلى أن ظهر مرة أخرى تحت ظروف أخرى وبمفهوم آخر. فقد كانت الفكرة الأولى تسعى إلى أن يفتح معهد التخطيط العمرانى أبوابه للخريجين من أقسام العمارة والهندسة المدنية والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع والإحصاء حتى تنصهر معلوماتهم فى بوتقة التخطيط ويتخرج بعد ذلك كل فى التخصص الذى يرتبط بتكوينه الجامعى فخريج قسم العمارة يتخصص فى التصميم الحضرى والجغرافيا فى التخطيط الاقليمى، والاقتصاد فى اقتصاديات المدن وهكذا كما هو قائم فى معظم معاهد التخطيط العمرانى فى العالم. وهكذا كانت الفكرة التى تبناها الدكتور شفيق الصدر ولا تزال متقدمة فى العصر الحاضر.

عرف الدكتور شفيق الصدر بين زملائه وطلبته بالحزم فى الإدارة والالتزام فى العمل كما عرف بالنظام والانتظام سواء فى تحريك مجموعات العمل التى كان يكونها من طلبته أو فى الإدارات الحكومية التى كان يديرها. الأمر الذى أهله بعد ذلك للعمل خبيرا بالأمم المتحدة وعضوا فى لجان مركز الإسكان والبناء والتخطيط العمرانى بالمنظمة الدولية الذى رشحه عام 1971 ليرأس واحدا من أكبر مشاريع التخطيط العمرانى فى مصر وخارجها. ثم اختفى عن الساحة عندما أغفلته الدولة ولم تعطه حقه من التكريم أو تستفيد من خبراته الواسعة وقد هانت عليه نفسه التى كان شديد الاعتزاز بها أن يتقدم لأى جهة يقدم لها خبراته وخدماته.

لقـد عـاش الدكـتور شفـيق الصـدر كريمـــا ومـــات كريمـــا.

word
pdf