الدوامـــة

الدوامـــة2019-12-03T08:39:49+00:00

الدوامـــة


التخطيط والإدارة وتطابق الحدود

دكتور عبد الباقي إبراهيم

 

 

التخطيط والإدارة صنوان متلازمان , فالتخطيط لا يستقى بياناته الصحيحة إلا من خلال الإدارة الصحيحة  ولا يحقق أهدافه إلا بالإدارة القادرة. وإذا كانت الدولة قد قسمت فى الماضى البعيد إلى عدد من المديريات يقوم على كل مديرية مدير تعينه وزارة الداخلية وتعاونه الادارات المحلية التى تمثل الوزارات المختلفة ومنها البلديات والشئون القروية. فقد جاء نظام الحكم المحلى ليجعل من كل مديرية محافظة يرأسها محافظ يعاونه مجلس محلى يعبر عن رأى المجتمع ومجلس تنفيذي يجمع رؤساء مديريات الخدمات والإنتاج التى تتبع المحافظة إشرافيا وتتبع الوزارات القطاعية ماليا وإداريا. أما المحافظ فيرتبط مباشرة برئيس الوزراء من خلال وزارة الحكم المحلى, ويتصل تخطيطيا بوزارة التخطيط من ناحية وبالوزارات المعنية من ناحية أخرى. ومع ذلك فهو بحكم الاختصاص يمثل رئيس الجمهورية فى محافظته. ورئيس الجمهورية هو رأس السلطة فى الدولة. ومع المجلس المحلى للمحافظة هناك المجموعة المحلية لنواب مجلس الشعب فى المحافظة.. ومع كل ذلك فالأمور تسير عادية ولا تتوقف وهذا من كرم الله وفضله.

هذا بالنسبة للإدارة أما بالنسبة للتخطيط فوزارة التخطيط هى التى تجمع كل خيوط التنمية وتوجهها تبعا لسياسة الدولة فهى التى تضع برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية التى تلتزم بها الوزارات القطاعية ثم تحدد لها نصيبها فى خطة الدولة.. وللوزارات القطاعية أن تبحث عن موارد أخرى إذا شاءت وتمكنت. ثم تنتقل الاستثمارات المحددة للمشروعات القطاعية بعد ذلك إلى مواقع العمل والإنتاج والخدمات فى المحافظات, فتستكمل بعضها الآخر أو تقام مشروعات أخرى جديدة على أرض جديدة. وهنا يدخل البعد المكانى للعملية التخطيطية فى الربط بين هذه المشروعات الإنتاجية أو الخدمية مع ما يقيمه القطاع الخاص أيضا من مشروعات. وهنا تقع المسئولية على المحافظات التى تضع المخططات – بحكم القانون- للمدن والقرى أن تيسر لها الحال. وان تيسر لابد من عرضها على المجالس المحلية ثم اعتمادها من الوزير المختص بالتخطيط العمرانى. والتخطيط العمرانى له هيئة تدير أعماله وتوجه أفعاله وتختص بإعداد الخطط الإقليمية قبل الخطط المحلية لكل مدينة وكل قرية, فالحمل عليها ثقيل لا تستطيع أن تتحمله فتطلب معاونة المحليات فلا تجد الكفاءات القادرة على الإنجاز فتلجأ إلى الاستشاريين المحليين قبل المستوردين.. فتعد المخططات- على ما قسم- لعدد قليل من عواصم المحافظات , وما أن يتم اعتماد المخطط العمرانى حتى تبدأ التداخلات والمتغيرات فالاختلافات.. فتتبدل التوجهات وينتهي دور المخططات وتظهر الحاجة بعد ذلك إلى التعديل ثم الاعتماد ثم الاعتماد ثم التعديل مرة أخرى.. وهكذا تسير الأمور فى يسر وسرور.. ثم تظهر الدعوة إلى ضرورة إعداد المخططات الإقليمية فهى عند الخبراء أساس المخططات المحلية, والمخططات المحلية لا تستطيع الانتظار إذ ليس أمامها من خيار فالمشاكل تتعقد وتتفاقم – المدينة فى حاجة إلى مرافق عامة والمرافق العامة تحتاج إلى استثمارات والاستثمارات فى وزارة التخطيط. والمرافق بحكم القرارت لا تتم إلا فى إطار التخطيط العمرانى.. والتخطيط العمرانى عند وزارة التعمير ووزارة التعمير لها أولويات فى المجتمعات الجديدة كما تقول الاستراتيجية القومية.. والمجتمعات الجديدة فى أقاليم التعمير… وأقاليم التعمير ليس لها علاقة بالأقاليم التخطيطية التى حددتها واعتمدتها وزارة التخطيط.. ووزارة التخطيط ليس لها أجهزة لكل إقليم تخطيط مع أن هناك مجلس تخطيط لكل إقليم تخطيطى يضم عددا من المحافظات يرأسه أكبر المحافظين يجتمع بين الحين والحين للتوفيق والتنسيق.. ولكن بلا مخططات إقليمية ترجع إليها الوحدات المحلية فى إعداد مخططاتها العمرانية.. ومع كل ذلك فالأمور تيسير عادية لا تتوقف وهذا من كرم الله وفضله.

وعندما توقف التفكير ظهرت الدعوة إلى ضرورة تطابق حدود الأقاليم التخطيطية بحدود الأقاليم الإدارية وطرحت النظريات والاجتهادات والتوصيات هل تقسم الدولة بالطول أو بالعرض ؟ .. هل تقسم إلى أقاليم جغرافية عمرانية أو أقاليم إقتصادية ؟ هل تضم المحافظات فى كل إقليم تخطيطى حتى يكون لكل إقليم محافظ واحد وبذلك يقل عدد المحافظين من ستة وعشرين إلى ثمانية فقط على حسب عدد الأقاليم التخطيطية. وهنا تتساوى محافظة مطروح التى تضم مئات الآلاف من البشر بمحافظة القاهرة التى تضم عشرة ملايين أو أكثر يمثلون ربع الدولة.. والموضوع لا يزال للمناقشة مطروح – فهل تتساوى المحافظات الزراعية بالمحافظات الصحراوية ؟ .. وهل يستوى الذين يخططون اقتصاديا بالذين يخططون عمرانيا.

المشكلة قد يراها البعض هى موضوع الساعة.. ولكنها موضوع كل ساعة.. فى عام 1972 تشكلت فى وزارة الحكم المحلى مجموعة عمل من كبار المخططين والجغرافيين والإداريين والإقتصاديين تبحث نفس الموضوع وهو ضرورة تطابق حدود الأقاليم التخطيطية بالأقاليم الإدارية.. ووضعت مجموعة العمل خطتها لإنجاز مهمتها خلال عام واجتمعت المجموعة مرتين لا ثالث لهما.. وتبخرت الفكرة كغيرها عندما تتغير الإدارة العليا. ومع ذلك كانت فرصة للتعارف من أعضاء اللجنة الذين تفرقوا فى أقطار الأرض بحثا عن عمل آخر.. فمنهم من علا شأنه علوا كبيرا ولم يفعل شئ فى هذا الشأن.. ومنهم من رحل إلى دار الخلود وترك الذكرى الطيبة. وانحسر العمل فى وزارة الحكم المحلى التى كانت تبحث فى هذا الموضوع وتقلص دورها حتى أصبحت أمانة عامة تستقبل من لا عمل لهم فى أماكن أخرى. إلى أن ظهرت مرة ثانية تحاول أن تقوم بدورها كوزارة فى التنسيق بين المحافظات والمحافظين ربما فى إطار التقسيمات الإدارية الحالية وربما فى إطار التقسيمات التخطيطية المعتمدة.. وربما فى إطار صيغة جديدة قد تكون تحت البحث والدراسة التى تقوم بإعدادها مجموعة عمل أخرى تمثل فيها وزارة التخطيط والتعمير والحكم المحلى والدفاع . ويعود التساؤل مرة أخرى هل تقسم الدولة بالطول أم بالعرض أو بتقسيمات جغرافية عمرانية أو تقسيمات اقتصادية ؟ وقد ينتهى الأمر إلى ترك المفاهيم السابقة والعمل بمفهوم منطقى جديد تقسم الدولة فيه إلى مناطق جذب ومناطق طرد إذ لم تعد تنفع معها المفاهيم السابقة المستوردة من دول أخرى, فلم تعد المشكلة هى تقسيم الدولة إلى أقاليم تخطيطية إقتصادية أو عمرانية أو أقاليم إدارية ولكن المشكلة هى الخلاص من هذا التكدس البشرى الرهيب الذى يكاد يقضى على حياة البشر ونقل الفائض السكانى من الوادى القديم باعتباره منطقة طرد إلى المناطق العمرانية الجديدة باعتبارها مناطق جذب.. وعندما تنتهى مجموعة العمل المقترحة لوضع الصيغة الجديدة للتقسيمات الجديدة سوف تصل إلى أن تخطيط وتنمية مناطق الطرد سوف يختلف منهجيا عن تخطيط وتنمية مناطق الجذب وأن الإدارة المحلية لمناطق الطرد سوف تختلف منهجيا بالتبعية عن الإرادة المحلية لمناطق الجذب ويعنى ذلك تغيير فى المفاهيم التنموية للدولة سواء فى التنمية الاقتصادية الاجتماعية أو فى التنمية العمرانية أو التنمية الإدارية بحيث تتكامل جميعها فى اسلوب واحد للتنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية الاجتماعية العمرانية الإدارية مع اختلاف مناهجها التطبيقية فى المناطق الطاردة عنها فى المناطق الجاذبة.. اسلوب تتضح فيه القنوات والاختصاصات دون تعقيد واشتباكات.. اسلوب تتضح فيه الخطوط التبادلية بين المستويات التخطيطية رأسيا وبين المجالات القطاعية أفقيا.. اسلوب يرتكز على أساس الاستراتيجية القومية الواضحة للتنمية الشاملة والتى تهدف إلى زيادة عناصر الجذب فى المناطق الجاذبة وزيادة عناصر الطرد من المناطق الطاردة.. وإلا استمر الحال على نفس المنوال تتشابك فيه الخيوط كالاخطبوط. تتوه فيها الاتجاهات وتضيع معها المسئوليات.. وتبقى الأمور على ماهى عليه تسير عادية لا تتوقف وهذا بكرم الله ورعايته.. والحمد لله من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

word
pdf