الدوحة يزعج جمالها تلك المساحات الخالية

الدوحة يزعج جمالها تلك المساحات الخالية2019-12-08T14:31:07+00:00

الدوحة 

يزعج جمالها تلك المساحات الخالية

جريدة الدوحة القطرية 29/9/1988 

الدوحة عروس جميلة وجهها هادىء مشرق ويشع بالحيوية والشباب ومع كل طلعة شمس يمكن لسكانها أو لزائريها أن يلحظوا جديدا فى ثوبها الفضفاض … إما بقعة خضراء تغازل العيون أو تطريز معمارى يداعب النفس ويعاندها فى حب.

هكذا ترى الدوحة ؟ ! لكن كيف يراها خبراء التخطيط العمرانى وأساتذة بناء المدن ؟ !
كان هذا محور حديثنا مع أحد خبراء الأمم المتحدة الذى زار الدوحة فى مهمة عمل تتعلق بالتخطيط والجمال والعمار وهو الاستاذ الدكتور المهندس عبد الباقى إبراهيم أستاذ التخطيط العمرانى ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس – ورئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية ورئيس تحرير مجلة ” عالم البناء ” ورئيس مجلس ادارة جمعية إحياء التراث التخطيطى والمعمارى . 
ولأن وقته من ذهب فقد دخلنا فى حوارنا مباشرة وقلنا له كيف ترى الدوحة ؟! وهل هناك عيوب فى ثوبها الجميل ؟ !
** بابتسامة عريضة هادئة مثل هدوء موسيقى الفندق الذى نجلس فيه قال الدوحة ليس فيها عيوب لانها بشكلها العمرانى تمثل الواقع الذى مر ويمر به المجتمع،  والعمران فى الدوحة يعبر عن طفرة لها إرتباط وثيق بمجتمع له تكوينه الاجتماعى والثقافى الخاص كما أن شكل الدوحة وتصميمها إنعكاس للتطور الاقتصادى. 

وأقاطعه هل هناك تجانس فى البناء والعمارة ؟ 
** التجانس مطلوب بالطبع فى الشكل واللون والاحجام لكن من يقول هذا لأصحاب المساكن والمهندسين الذين يقومون بالإنشاء … إننى اقول إن التجانس لا يحدث إلا بأحد أمرين. 
الأول هو تجانس المجتمع وهذا تلقائيا يحدث ويظهر فى البناء وثانيا إحداث نوع من التوعية عند المعمارى وعند صاحب المنشأة. 
وهذه التوعية لا ينجح فى إجرائها وتوصيلها إلا وسائل الاعلام وبالتحديد الصحافة. 
ويتوقف ثم يتابع حديثه قائلا للأسف الصحافة القطرية والعربية عموما لاتهتم بالوعى الحضارى العمرانى. 

ودعنى أقولها بشكل آخر لو سألت أى شخص عن لاعب كرة أو مباراة فى الدورى الايطإلي سيجيبك على الفور باسمه أما لو سألته عن الموسوعة الاسلامية للتخطيط العمرانى فلن يعرف ولن يرد ؟! والسبب فى هذا هى الصحافة !!

لو سألت أى إنسان أو قارىء عن سعاد حسنى فبالطبع هو يعرفها ويعرف إنتاجها لكن لو سألته عن أجمل مبنى فى الدوحة فلن يعرف ؟ !
لذلك فالصحافة العربية متخلفة حضاريا وفكريا لانها تعالج المؤثرات السطحية والرغبات عند الناس. 
ولكى أؤكد كلامى هذا عليك بمراجعة أى صحيفة محلية أو عربية على مدار سنة كاملة وأبحث هل نشر فيها بحث عمرانى !!! هل نشر فيها بحث عن التراث والعمارة التاريخية التى تمتلىء بها بلادنا هل تحدثت عن العمارة فى الاسلام … لا … لن تجد أبدا. 

ولن أطيل عليك لن تتطور العمارة عندنا ولن تتجانس بالشكل المطلوب إلا بمساعدة الاعلام المرئى والمكتوب ومن خلالها يمكن أن نحقق التجانس فى العمارة القطرية وأيضا نبعث الطراز الاسلامى من جديد ونحافظ عليه. والحمد الله أن الفكر هنا موجود والأسس متوفرة ودعاة العمارة الاسلامية موجودون وأسس التصميم المعمارى والتخطيط الحضرى موجودون أيضا. 
أستوقفه مرة أخرى وأقول معنى ذلك إنك تحارب أساليب العمارة الغربية ؟ 
** يعلو صوته قائلا المسألة ليست حربا للعمارة الغربية لكن نحن لنا تراثنا الغنى جدا ولنا ثوبنا المناسب جدا جدا وتقاليدنا  وديننا وتاريخنا فلماذا  نرتدى ثوبا غريبا علينا ونظل تابعين للأجانب فى صيانته وقطع غياره ؟‍ إن إسلامنا يأمرنا أن يكون كل شىء نابع من ذاتنا والحمد الله ذاتنا غنية جدا وسخية أيضا ولكى تعرف هذا عليك بمشاهدة المبانى ذات الطراز الاسلامى فى الدوحة وأن كنتم لا تستطيعون التفرقة بين هذا وذاك إسالوا التخطيط العمرانى فى البلدية فهناك باحثون ومهتمون ومناضلون من أجل العمارة الاسلامية. 
وأقاطعه للمرة الثالثة إنك لم تجبنا بشكل واضح عن ما الذى ينقص الدوحة ؟‍‍ !
** علا صوته مرة أخرى وقال الدوحة لا ينقصها شىء لكن يزعج جمالها تلك المساحات الواسعة الفارغة فى المدينة وعند أطرافها وحبذا لو تمت زراعة هذه الأماكن  لحين استغلالها وإن لم تتم زراعتها فإنه يجب احاطتها بأسوار تضيف بعدا جماليا للمكان وتعطى راحة للعين. كما أن أصحاب الأراضى الفضاء التى تنتظر البناء يمكن تجميلها وذلك بإحاطتها بالخضرة أو الاشجار لحين موعد البناء. 
أقاطعة للمرة الرابعة وأقول له الكورنيش عبارة عن مجموعة من المبانى الجميلة لكنها مختلفة فى الشكل والطابع وبمعنى آخر غير متجانسة فكيف نعالج هذا ؟ 
** الكورنيش علاجه سهل فطالما المبانى ليس لها طابع واحد فإن الحل البسيط والسهل هو عدم إقامة مبان أخرى ثم تشجير المساحات الفارغة وتكثيف الخضرة فيها وإضافة إلي ذلك لابد من إستخدام أشجار عالية وكبيرة وهذه الأشجار ستحقق الإنسجام وتخفى أى شىء آخر. 

ودعونا نضرب مثلا بأنقرة كيف نجحت من خلال التشجير فى إحداث طابع عمرانى لها يتوفر فيه الانسجام والتجانس.

وأطرح عليه هذه المرة سؤالا ألا وهو مداخل مدينة الدوحة ليس لها طابع واضح ولذلك كيف نجملها ونميزها بطابع عمرانى محدد ؟ !
** يصمت ثم ينطلق صوته الدوحة تتوسع عمرانيا وتمتد مع غيرها من التجمعات السكانية والمدن القريبة منها لذلك لا يمكن تحديد المداخل إنما من الممكن عمل معالم نحدد بها الأماكن أو الدخول للمدينة مثلا دوار المطار أو دوار المنطقة الصناعية ففى دوار الصناعية على سبيل المثال نميز المنطقة بتشكيل وفنون تعبرعن الصناعة. 
ويكون هذا التشكيل مستوحى من آيات القرآن الكريم لان تحويل المعانى والآيات إلي معالم حية يجعل الناس مطمئنة النفس ومتحفزة للانتاج. 
وهنا أقاطعه كيف يا دكتور ؟ 

** بسرعة يقول خذ مثلا الآية القرآنية وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ؟! يمكن ان نستوحى منها لوحة رائعة فى مدخل المدينة الصناعية وأيضا الآية الكريمة من سورة البقرة ” مثل الذين ينفقون أموالهم  فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ”  صدق الله العظيم 
من هذه الآية نستوحى الكثير والكثير جدا ولقد قمنا فى جدة بالمملكة العربية السعودية بعمل عظيم على الكورنيش مستوحى من هذه الآية الكريمة ودعنى أكرر إن عمل التشكيلات الفنية المستوحاة من القرآن تعبر عن القيم وتحفز النفوس على العمل والانتاج … ويصبح هذا مع كل ميدان وكل مكان فعند المطار يمكن عمل تشكيلات فنية أيضا تمثل الخير والعطاء وتستوحى من القرآن ما يناسب هذا المكان. ويواصل قائلا عند مدخل مدينة الخور توجد الدلة والدلة عربية أصيلة لكن ينقصها الحركة فى الميدان فلو حركنا هذا العمل التشكيلى بصب الماء منه بدلا من القهوة بحيث ينطق بالحياة لكان أفضل كثيرا. 
وأعود لاسأله ما هى طبيعة زيارتك للدوحة ؟ 

** يعود فيقول كما ذكرت سابقا فهى زيارة من قبل الأمم المتحدة لاجراء بعض الدراسات كما إنها للتنسيق مع الاخوة هنا فنحن نعد الآن لموسوعة أسس التصميم المعمارى والتخطيط تحت إشراف منظمة العواصم الاسلامية .. 
وسنقيم بهذه المناسبة معرضا لأسس العمارة فى القاهرة لإظهار أسس التخطيط المعمارى فى العالم الإسلامى وكل ذلك من أجل احياء تراثنا والعودة بالعمارة إلي نهرالاسلام الواسع الفنى ففى تاريخنا من العظمة ما يجعلنا ننادى بأعلى صوتنا للعودة اليه لأن تراثنا هو الأغنى والأفضل والانسب لنا وللحق نحن بحاجة إلي احترام ذاتنا الغنية بالقيم لان ذلك سيحمينا من التبعية للأجانب الذين لا يريدون بنا خيرا على الاطلاق ويريدون أن نكون توابعهم على طول الخط. 

ومرة أخرى العمارة  الاسلامية غنية جدا جدا وسخية ويجب أن نتنبه لذلك ونحترم ذلك. 
وأساله ما هى التنظيمات العربية التى تحمى تراثنا المعمارى العربى والاسلامى ؟ !
** بسرعة يقول منظمة المدن العربية مقرها الكويت وينبثق منها لجنة جائزة العمارة العربية ومقرها بالدوحة ثم معهد إنماء المدن بالرياض ومركز الدراسات والتخطيط العمرانى ومقره مصر ومنظمة العواصم الاسلامية (جدة). 

وهذه المنظمات مهتمة بأن تعكس روحنا الاسلامية والعربية على المبنى والشارع وتسعى لانتشالنا من حالة الارتباك الحضارى التى ضاعت فيها هويتنا وتحاول أن تسير فى طريق ديننا الاسلامى لأن ديننا يعلمنا الاعتماد على الذات ويحررنا من الاعتماد على قوى لا ترجو لنا إلا الشر وتسعى هذه المنظمات جاهدة أيضا لتحويل الدعوة للعمارة الاسلامية والتخطيط العمرانى إلي تطبيق نراه ونلمسه على الواقع. 
وعموما لا يسعنا إلا توجيه التحية لهذه المنظمات الاسلامية والعربية ولعل الدوحة تختص بجانب كبير من ذلك لانها احتضنت لجنة جائزة العمارة العربية. 
من تاريخ الدكتور عبد الباقى إبراهيم 

تخرج من كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 1949 وحصل على بكالوريوس  العمارة وكان الأول بامتياز ، وسافر إلي انجلترا ليحصل على بكالوريوس آخر فى العمارة من جامعة ليفربول 1955 ثم الماجستير والدكتوراه فى تخطيط المدن من جامعة نيوكاسل عام 1959 . 

قام بعد ذلك بالتدريس فى جامعة عين شمس وأثناء عمله بها انتدب للعمل مديرا عاما لادارة الاسكان بالجهاز المركزى للمحاسبات عام 1966 ثم خبيرا للأمم المتحدة فى الكويت عام 1968 وحتى 1970 وفى عام 1973 عمل كبيرا لخبراء الأمم المتحدة بالمملكة العربية السعودية وكمدير لمشروع التخطيط العمرانى الذى استمر حتى عام 1979. وقد انتدب للعمل كأستاذ زائر فى جامعة شتشن فى بولندا عام 1968 … كما أختير عضوا فى عدد من هيئات تحكيم المشروعات المعمارية والتخطيطية فى مصر والسعودية والامارات. 

وفى مجال العمارة والتخطيط نشر مئات البحوث وتم ترجمة التراث الاسلامى المعمارى لنشرها بين الثقافات الأخرى.

word
pdf