السكان والمكان – والخطر القادم

السكان والمكان – والخطر القادم2019-11-10T13:45:54+00:00

السكان والمكان – والخطر القادم
دكتور عبد الباقي إبراهيم
كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمرانى

 

 

مر إعلان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن عدد سكان مصر حتى أول يناير 2000 مر الكرام دون تحذير أو إنذار بمستقبل عمران مصر ودون الربط بين عدد السكان الذى بلغ 65 مليون نسمة الذين يقيمون على 5% من إجمالى مسطح ارض مصر . وهى نفس المساحة التى كان يسكنها 15 مليون نسمة فى منتصف القرن وهى تقريباً نفس المساحة التى سوف يقيم عليها 129 مليون نسمة – أى ضعف سكان اليوم – عام 2029 .. كما يقول الإعلان. هذا فى الوقت الذى تمتد فيه الرقعة العمرانية للمدن والقرى بمعدلات كبيرة سنوياً سوف تبتلع كافة الأرض الزراعية عام 2035 وعندئذ تقع الكارثة وعندئذ نبحث عن الحل كما هو الحال فى مواجهة المشاكل .. ويلاحظ من الإحصاء ان إقليم القاهرة الكبرى يستوعب حوالى 25% من السكان فى الوقت الذى ينفق عليه 40% من ميزانية الدولة .. وتبشر الإحصائيات بخطر شديد حيث ان إقليم القاهرة الكبرى والدلتا يسكنها حوالى 55% من إجمالى سكان مصر . فى الوقت الذى يبلغ فيه سكان محافظة جنوب سيناء 59 ألف نسمة وسكان محافظة الوادى الجديد 52 ألف الأمر الذى يشير إلى عدم التوازن فى توزيع السكان على الرقعة المعمورة من ارض مصر وإذا كانت الدراسات التى تضمنتها الخريطة العمرانية لمصر عام 2020 تشير إلى ان التجمعات العمرانية الجديدة الحالية والمستقبلة سوف تستوعب على اكبر تقدير نظرى حوالى 20 مليون نسمة وان تعداد مصر فى هذه السنة سوف يبلغ حوالى 100 مليون نسمة أى ان الوادى الضيق سوف يرزخ تحت الضغط السكانى بحوالى 80 مليون نسمة ان لم يكن اكثر بكثير. هذا فى الوقت الذى تستمر فيه الدولة توجه معظم استثماراتها إلى المناطق المأهولة والمزدحمة بالسكان لتزداد ازدحاماً بعد ازدحام ويزيد من ذلك ان رئيس جهاز الإحصاء كان يشير إلى ان التقديرات السكانية الأخيرة تعكس أهمية إقامة المشروعات النوعية فى الريف لتحقيق الهجرة العكسية ووقف استمرار الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر خاصة وان الحكومة أصبحت تهتم بتوفير البنية الأساسية وفرص العمل والحياة الكريمة فى الريف المصرى – كما يقول سيادته – مع ان كل المؤشرات تشير إلى التضخم السكانى فى قرى مصر والتى أصبحت مدناً صغيرة بكل خصائصها السكانية والعمرانية

هذا فى الوقت الذى تستمر فيه المدن الكبيرة تمتد لتبتلع القرى المحيطة بها تدريجياً على حساب الأرض الزراعية.
والخطر المنتظر لا يقتصر على هذه الظاهرة العمرانية لكنه يمتد إلى كل جوانب الحياة التى سوف تتأثر بالتالى بهذه الظاهرة ويتمثل ذلك فى زيادة تفاقم المشاكل البيئية والصحية والأمنية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية التى سوف تحتاج بالتالى إلى مزيد من الإنفاق القومى الأمر الذى لم يحتسب تقديره على المدى البعيد بواسطة أجهزة التخطيط القومى فالدولة لا تزال تضع سياساتها لمواجهة المشاكل الآنية وان كانت تعمل على وضع بعض المشروعات القومية لمواجهة ظاهرة التضخم السكانى على مدى طويل من الزمن قد لا يحل الا نسبة قليلة من المشكلة ، فالتضخم السكانى الذى يصيب جسم مصر لابد وان نواجهه بسياسة قومية للامتداد العمرانى خارج الوادى فيما نسميه الاستراتيجية القومية للاستيطان خارج الوادى مدعمة بالآليات والقدرات التنفيذية لتحقيقها وإلا تفتقد مصر معظم النتائج التى حققتها فى برامج الإصلاح الاقتصادى وإذا كنا قد حذرنا من هذا الحظر عام 1964 فنحن الآن نزيد من شدة الضوء الأحمر على هذا الخطر القادم.

word
pdf