الشقق المغلقة .. متى تفتح أبوابها؟

الشقق المغلقة .. متى تفتح أبوابها؟2019-11-25T11:31:34+00:00

الشقق المغلقة .. متى تفتح أبوابها؟

 

 

لاشك أن الشقق المغلقة التي تبلغ حسب الإحصائيات الأخيرة أكثر من مليون وحدة سكنية تمثل عبئا إقتصاديا كبيرا على الدولة كمدخرات مجمدة لا عائد لها. وليس هنا المجال لشرح أسباب هذه الظاهرة الخطيرة التي تراكمت على مدى الثلاثين عاما الأخيرة, فقد أسهبت المقالات التي تناولت هذا الموضوع في شرح هذه الأسباب وعيوب القوانين الحالية خاصة ما أوضحته الدكتورة سعاد الشرقاوي أستاذ القانون العام بحقوق القاهرة في مقالها الذي نشر بالأهرام بتاريخ 2/7/1987, ووضعت فيه ثلاث بدائل أمام أصحاب الشأن للاختيار بينها. وهذه البدائل في نظر العدالة تعتبر حلولا عادلة. ولكن يبقى التساؤل هنا من هم أصحاب الشأن الذين يستطيعون اتخاذ القرار المناسب بالنسبة للبديل المناسب. فهل أصحاب الشأن هنا هم أعضاء لجنة الإسكان في مجلس الشعب أم هم أعضاء لجان الإسكان في الأحزاب أم هم أعضاء اللجنة الاستشارية العليا للإسكان التي استمرت تناقش هذا الموضوع لأكثر من عامين دون الوصول إلى نتيجة معينة, أم هم أعضاء اللجان في المجالس القومية المتخصصة الذين قدموا الدراسات والاقتراحات في هذا الشأن, أم هم أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الذين اجتمعوا ليضعوا تقاريرهم الاستشارية. أم هل أصحاب الشأن هم أعضاء لجنة السياسات في مجلس الوزراء .. هذا هو السؤال الذي لا يزال يبحث له عن جواب.

العلاقة بين المالك والمستأجر هي إحدى العلاقات المعقدة في مشكلة الإسكان بجانب العلاقة بين الدولة والمالك من جهة والدولة والمستأجر من جهة أخرى والتي زاد من تعقيدها هذا الكم الضخم من اللوائح والقوانين زادت من حدة المشكلة إلى الدرجة التي فقدت معها صلاحيتها التشريعية وأصبحت مشكلة الإسكان معوقا كبيرا للتنمية الاقتصادية .

ومشكلة الإسكان من ناحية أخرى بجانب أنها مشكلة فنية واقتصادية وتشريعية فهي مشكلة جماهيرية في المقام الأول وبمعنى آخر مشكلة سياسية قبل أي شيء. وهنا يتجه الفكر مباشرة إلى دور الأحزاب في حل هذه المشكلة فبقدر التحام الحزب بقاعدته الشعبية بقدر إمكانيته على التفاعل معها للوصول إلى الحل الذي يتمشى مع أهداف الحزب وفلسفته, وبقدر اتساع القاعدة الشعبية للحزب بقدر الوصول إلى القناعة العامة لدى الغالبية العظمى من الجماهير بأفراده الذين لا يخرجون عن إما مالك أو مستأجر أو طالب سكن جديد. فإذا كان حزب الأغلبية قادرا على فك الاشتباك بين المالك والمستأجر فإنه بذلك يريح ويستريح وتصبح مشكلة الإسكان بعد ذلك مركزة حول تلبية الطلب للسكن الجديد وهي مشكلة لا تقل ضخامة أو تعقيدا .. وتبقى كل الآراء والبدائل التي تطرح للمناقشة هنا رهينة لقدرة الحزب الحاكم على اتخاذ القرار الذي يرضي جماهيره العريضة من ملاك أو مستأجرين. هذه هي المشكلة, أما البدائل فهي كثيرة ومتعددة. ومع ذلك لم يتقدم أي حزب من الأحزاب بتصور متكامل عن العلاقة بين المالك والمستأجر وصيانة المباني السكنية وتبادل الشقق أو تخصيص الإسكان الشعبي, أو التعاون الإسكاني الإنتاجي في التجمعات الجديدة أو تحديد عوامل الجذب في مناطق التنمية الجديدة بالتوازي مع تحديد عوامل الطرد من المناطق القديمة.

ويستمر التساؤل هنا .. هل يستطيع أي حزب أن يتبنى البديل الأول الذي اقترحته الدكتورة سعاد الشرقاوي مثلا لإتاحة الفرصة أمام المتعاقدين لإبرام عقد تتزايد فيه القيمة الايجارية سنويا بنسبة 3٪ أو 5٪ .. وهو حل معترف به في أغلب دول العالم .. وإذا كان هذا البديل يسري على الإسكان الجديد .. أفليس من العدل أن يسري على الإسكان القديم الذي تعرض لعدة قوانين عملت على خفض الإيجار وتوريث العقد للمستأجرين؟ بحيث يتم إرجاع الإيجار بعد التخفيض إلى قيمته قبل التخفيض ثم تطبيق نسبة الزيادة السنوية عليه حتى يمكن تحديد الإيجار الذي يمكن التعامل به اليوم, فبحسبة بسيطة إذا كان الإيجار القديم لوحدة سكنية منذ عشرين عاما كان عشرة جنيهات وطرأ عليه تخفيض أوصله إلى 6 جنيهات فيمكن إعادة التقدير على أساس العشرة جنيهات يضاف عليها نسبة سنوية قدرها 5٪ فبذلك يصبح إيجار هذه الوحدة بعد عشرين سنة يبلغ 25 جنيه وهو مبلغ يمثل 20٪ من الدخل الشهري لأسرة قدره 125 جنيه اليوم وهو في قدرة السواد الأعظم من المستأجرين .. في هذه الحالة تعود لصاحب العقار حقوقه في الملكية ومسئولياته عن الصيانة بحكم القانون .. وإذا كان الناس قد تعودوا ألا يفرطوا فيما حصلوا عليه من مزايا حتى ولو كانت مخالفة لحقوق الإنسان فهل في قدرة أي حزب من خلال قاعدته الجماهيرية أن يعيد الحق إلى أصحابه على أساس من العدل المعترف به في الشرائع السماوية .

وهل في قدرة أي حزب من خلال قاعدته الجماهيرية أن يحصل على موافقتهم بتحديد مدة عقد الإيجار لفترة انتقالية ولتكن لمدة خمس سنوات يصبح بعدها العقد حرا بين المالك والمستأجر وبذلك تتاح الفرصة أمام المستأجر أن يرتب أموره على الوضع الجديد الأمر الذي قد يساعد بطريق غير مباشر على هجرة المناطق القديمة إلى مناطق التنمية الجديدة حيث تزداد فيها عوامل الجذب وتوفر الإسكان المدعم إذا لزم الأمر بالنسبة لمحدودي الدخل. وقد يساعد هذا الاتجاه أيضا على أن يحاول المواطن بناء مسكنه بنفسه وعلى مراحل كلما توفرت له المدخرات اللازمة لكل مرحلة .

المشكلة في النهاية ليست مشكلة بدائل أو حلول ولكنها مشكلة سياسية في المقام الأول لأنها تمس كل مواطن مالكا كان أو مستأجرا .. وهنا يظهر دور كل حزب من الأحزاب, وقدرته على توجيه الرأي العام لتقبل الحلول التي تعبر عن سياسته وفلسفته التي يؤمن بها ويدعو لها ويتميز بها عن غيره من الأحزاب, وإلا فقدت الأحزاب طبيعتها. وهنا فإنه ليس من المجدي أن تجلس الأحزاب معا على مائدة مستديرة تحاول أن توفق بين سياساتها وفلسفاتها لحل مشكلة الإسكان وهي في واقع الأمر تتعارض وتتصارع فكريا ومنهجيا. والأمر هنا متروك لصاحب الشأن .. لكل حزب يستطيع أن يحصل على موافقة جماهيره على البدائل التي يقدمها لحل المشكلة .. والأغلبية هي التي تحدد القرار في النهاية .

دكتور عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

word
pdf