الصورة التي اختفت في معرض الرياض بين الأمس واليوم

الصورة التي اختفت في معرض الرياض بين الأمس واليوم2019-11-25T13:43:56+00:00

الصورة التي اختفت في معرض الرياض بين الأمس واليوم

 

الأستاذ عصام رفعت رئيس تحرير الأهرام الاقتصادي – بعد التحية

قرأت بإمعان مقالكم بعنوان معجزة فوق الرمال نتيجة لرحلتكم الصحفية إلى المملكة العربية السعودية .. فقد بدأت نتائج هذه الزيارة تظهر على صفحات الصحف والمجلات تمهيدا لمعرض مدينة الرياض بين الأمس واليوم الذي سوف يفتتح في القاهرة في شهر يونيو القادم. وإن كل ما شاهدتموه بأنفسكم على ارض السعودية سوف تتاح رؤيته لأبناء النيل حينئذ .. هذا الإنجاز الذي شارك فيه المصريون المهندس المصري والعامل المصري والطبيب المصري على حد التعبير الذي تردد في كل مكان شملته الزيارة. وبقدر اهتمامكم بإبراز أبعاد هذه المعجزة التي ظهرت على رمال المملكة العربية السعودية لابد أيضا من إبراز دور المصريين في المشاركة في كل ما شاهدتموه. والمدن السعودية تختلف الآن اختلافا كبيرا عما كانت عليه منذ حوالي خمسة عشر عاما, فقد بدأت مظاهر التخطيط العمراني الذي وضع لهذه المدن في منتصف السبعينيات تظهر على الطبيعة بكل عناصرها المعمارية والإنشائية والتجميلية .. وهنا لابد وأن نذكر أن المصريين كانوا أول من شاركوا في مشروعات التخطيط العمراني بالمملكة .. فكان الدكتور عمر عبد الرحمن عزام مستشار للمملكة في هذا المجال في أواخر الستينيات حتى أوائل السبعينيات وتبعه الدكتور عبد الرحمن حسنين مخلوف الذي وضع المخطط الأول لمدينة جدة في منتصف الستينيات .. وشارك في إنشاء أول إدارة للتخطيط العمراني بالمملكة. وفي أوائل السبعينيات تعاقدت المملكة مع مجموعة من اكبر الشركات الاستشارية العالمية الإنجليزية والفرنسية واليونانية واليابانية لتخطيط المدن والأقاليم واستمر عملها حتى عام 1973. عندما تم الاتفاق مع الأمم المتحدة لتوفير عدد من الخبراء العاملين في التنمية العمرانية لمتابعة أعمال المكاتب الاستشارية والتنسيق بينها وبين وزارة التخطيط, وتم تعيين أحد المصريين كبيرا للخبراء الذين ضموا عددا آخر من المصريين. وفي عام 1975 وضع كبير الخبراء برنامجا جديدا في التنمية العمرانية هدف إلى تغيير اسلوب التعامل مع المكاتب الاستشارية التي كانت تتبع مناهج مختلفة وبرامج مختلفة في العمل. وأصبح التعامل مع مثل هذه المكاتب في إطار محدد للعمل له دلائل أعماله الموجهة للعملية التخطيطية وأنشأت لذلك إدارات محلية للتنمية والتخطيط في كل مدينة لها تنظيماتها الإدارية الموحدة،  مع توحيد قواعد البيانات التخطيطية وإعداد المخططات الإرشادية والارتقاء بالبيئة العمرانية, واقتصر عمل المكاتب الاستشارية على توفير الكفاءات الفنية فقط لتعمل في إطار عمل موحد للعملية التخطيطية .. وكان من أبرز معالم هذه العملية هو إعداد خطط خمسية للتنمية العمرانية الاقتصادية الاجتماعية المتكاملة لكل مدينة وإقليم. وكان في ذلك المدخل للتنسيق بين جوانب التنمية الاقتصادية الاجتماعية التي تتولاها وزارة التخطيط والتنمية العمرانية التي تتولاها أجهزة وزارة الشئون البلدية والقروية, هذا بجانب وضع نظام موحد للمعلومات يعمل على مختلف المستويات التخطيطية ونظام آخر للتنسيق بين المشروعات ونظام رابع للمتابعة والتقويم .. وهكذا وضع المصريون أسلوباً جديدا في التنمية العمرانية يمكن أن تستغني به المملكة عن الخبرات الخارجية وتعتمد على خبراتها المحلية التي بدأت تعمل في إطار العملية التخطيطية لتكتسب الخبرة الفنية والتنظيمية. وفي ذلك الوقت تضاعف عدد خبراء الأمم المتحدة ليصلوا إلى خمسة وعشرين خبيرا من كل أنحاء العالم يعملون بتوجيهات كبير الخبراء المصري وكان منهم من المصريين الدكتور حازم محمد إبراهيم والدكتور فهمي حسين والمهندس فكري أمين والدكتور الشوان والدكتور الزغبي والمهندس عزت جمال الدين. وكان كبير خبراء مشروع الأمم المتحدة الذي وصل إلى أعلى سلم الدرجات في الأمم المتحدة قبل السكرتير العام المساعد قد طلب إنشاء مكتب اتصال للمشروع في نيويورك تحت رياسة مصري آخر هو الدكتور قدري العربي. وهكذا قام خبراء الأمم المتحدة من الأجانب والمصريين برياسة كبير الخبراء المصري بتوجيه عمليات التنمية العمرانية في المملكة العربية السعودية التي تظهر آثارها الآن لتبهر العالم.

ولم يقتصر دور المصريين عند هذا الحد بل عمل منهم مستشارون للتنمية العمرانية وتجميل المدن لمعاونة أمين مدينة جدة السابق حتى أصبحت مدينة جدة نموذجا للمدينة العربية المعاصرة امتدت آثارها إلى جميع المدن بالمملكة. وكان للمصريين دور في عمليات التجميل فأقاموا نماذج تشكيلية معبرة عن مضامين الآيات القرآنية مثل “السبع سنابل” في كل سنبلة مائة حبة” – على كورنيش جدة وغيرها من النماذج .. ومع ذلك لم يتمكنوا من تحصيل مستحقاتهم في الدفعة الأخيرة لأتعابهم التي تصل إلى 300 ألف ريال …. هكذا.

وفي مجالات أخرى ساعدت مجموعة من المصريين بقيادة كبير خبراء الأمم المتحدة وتضم الدكتور أحمد كمال عبد الفتاح والدكتور حسن الششتاوي والدكتور حازم إبراهيم أحد شباب المعماريين السعوديين لإصدار مجلة معمارية تصدر كل شهرين –هي مجلة البناء – والتي لا تزال تحمل العنوان الذي رسمه كبير الخبراء .. وقامت المجموعة بتحرير وإخراج أعداد السنة الأولى كدفعة قوية لهذه المجلة في الصدور. كما ساعد الخبراء المصريون تلامذتهم السابقين من المهندسين السعوديين في الحصول على الدرجات العلمية العالية سواء في الداخل أو الخارج .. منهم المهندس سعيد فارس أمين مدينة جدة السابق الذي حصل على درجة الماجستير من جامعة الإسكندرية التي تخرج منها ويقدم الآن لدرجة الدكتوراة من نفس الجامعة . ومنهم المهندس عمر قاضي أمين المدينة المنورة حاليا وخريج قسم العمارة بجامعة عين شمس, وغيرهم عشرات من المخططين والمعماريين .. كما قامت مجموعات أخرى من الخبراء المصريين يصعب حصرهم هنا بوضع المخططات العامة والتفصيلية للمدينة المنورة. هذا بخلاف الأساتذة المصريين الذين عملوا أو لازالوا يعملون في تخريج أجيالا عديدة من المعماريين والمخططين السعوديين. وبالإضافة إلى المعماريين والمخططين الذين عملوا مع المكاتب الاستشارية السعودية وارتقوا بها إلى مصاف المكاتب العالمية تنظيما وعملا وإنتاجا ..

هذه هي أعمال بعض المصريين في مجال التنمية العمرانية في المملكة العربية السعودية وهذه هي أسماء الجنود المجهولين والتي اختفت من الصورة. صورة معرض الرياض بين الأمس واليوم الذي سوف يشاهده المصريون في يونيه القادم.

واختفت معها لمسة الوفاء. ومن غرائب الصدف أن يقام معرض الرياض بين الأمس واليوم في صالات العرض بسوق القاهرة الدولي التي صممها من قبل كبير خبراء الأمم المتحدة مع زملائه الدكتور علي الزيني والدكتور فؤاد الفرماوي.

     أ.د. عبد الباقي إبراه)

     رئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس (سابقا)

    رئيس تحرير مجلة عالم البناء

word
pdf