الطريق إلى طشقند

الطريق إلى طشقند2019-12-02T13:40:31+00:00

الطريق إلى طشقند

د. عبد الباقى إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

الأهرام 29/6/1992

 

 

طشقند هى عاصمة أوزباكستان من الجمهوريات الإسلامية في آسيا الصغري وكانت قبل الثورة البلشفية عاصمة إقليم تركستان الذي كان يضم الجمهوريات الخمس: أوزباكستان وتركمانستان وطاجيكاستان وقرجزستان وكازاخستان. وطشقند هي أكبر عواصم هذه الجمهوريات ومركز صناعي وثقافى هام فيها، لم يعد الطريق إلى طشقند يمر بموسكو بعد إستقلال أوزباكستان عنها ، فقد بدأت الطرق تصل إليها مباشرة من جدة ومن إسلام أباد شرقاً واسطنبول غرباً حاملة الزيارات والاستثمارات.

وجمهوريات أوزباكستان تحمل مقومات سياحية هامة فلديها مخزون كبير من العمارة والآثار الإسلامية في سمرقند وبخارى وايفا غرباُ وترمز وخوارزم جنوباً، كما تتحلى الجبال الخضراء وقمم الثلوج والبحيرات شرقاً تنتظر جميعها الاستثمار الأجنبي الذي أصبح مطلباً أساسياً في التنمية الإقتصادية بعد فشل النظام الشيوعى. والدولة من ناحية أخرى تنتظر الاستثمار الخيرى لبناء المراكز الاسلامية التى تضم الواحدة منها المسجد والمدرسة والمكتبة والمطعم والمشغل وهذا مسمي جديد، يختلف فى مفهومه ومضمونه عن المراكز الثقافية القديمة التى كانت تضم المسرح وقاعة الموسيقي والاستعراضات. فهذه الدول لا تزال تحمل مخزوناً كبيراً من القيم الإسلامية وإن كانت ممارستها للشعائر قد توقفت من سبعين عاماً … فالتحية العادية لا تزال السلام عليكم وردها وعليكم السلام ورحمة الله…. ولا تزال الدعوات الصالحات تؤدى قبل الاجتماع وبعده…. ولا تزال القيم الاجتماعية متأصلة في الغالبية العظمي من الشعوب.

وها هو آذان العصر يرفع مرة أخرى مردداً الله أكبر الله أكبر لا الله إلا الله محمد رسول الله حى على الصلاة حى على الفلاح… الله أكبر .. الله أكبر.. نداء يهز الأرض كما يهز الوجدان… النظافة من الإيمان هو الشعار السائد، عادة خلع الحذاء عند دخول المسكن لا تزال متأصلة فى المجتمع، مؤسسات الإيمان تذيع برامجها على الشاشة الصغيرة، تعلم القراءة والكتابة بالعربية كما تعلم تلاوة القرآن..

هكذا فى لحظة وجيزة من الزمن بدأت تقام المساجد بعد غلقها أو هدمها وهكذا عاد الإنسان المسلم إلي سيرته الأولى يؤدى أركان الدين الخمسة ويعمل بكل طاقته على الإنتاج والإبداع، ولكنه لا يزال يحتاج إلي من يأخذ بيده في هذه المرحلة… مرحلة التحول من النظام الشمولى إلي النظام الإسلامي.. لقد عاش سبعين عاماً لا خيار له .. يوجه و لايوجه .. وهو الآن يقف والخيار له وهو أمر لم يتعود عليه .. يريد من يسانده على الخيار واتخاذ القرار.. يريد الموجه التنموى كما يريد الموجه الاسلامى.. وهنا تظهر الحاجة إلى المعونة المتكاملة التى ترتبط فيها الدعوة الاسلامية بالمعونة الإقتصادية. هنا تظهر الحاجة إلي الاستثمار المتكامل في أمور الدين والدنيا. وأوزباكستان غنية برجالها كما هى غنية بمواردها التى كانت موجهة إلي الإتحاد السوفيتي من قبل وهى الآن ملك يمينها.. فهى تمتلك الذهب الأصفر.. كما تمتلك الذهب الأبيض … القطن الذى يمثل 65% من إنتاج الاتحاد السوفيتي سابقاً وتمتلك أيضاً الذهب الأسود في مناطقها الشمالية وقد بدأت الشركات السعودية والأمريكية في إستخراجه.. وتمتلك مع كل ذلك الذهب السياحى فى مخزونها المعمارى والأثرى وجمال جبالها الخضراء الذي لا ينضب.

الطريق إلي طشقند أصبح مفتوحاً أمام كل من يريد التعامل والتعاون، ومن يريد الإستثمار أو الإتجار، ومن يريد التبادل العلمي والثقافى .. لقد انغلقت أوزباكستان عن العالم سبعين عاماً وها هى تفتح أبوابها ولكنها لا تعرف إلى من تتجه فهى لا تزال تتحسس الطريق .. ولكنها تفتحه للجميع .. العام والخاص .. فالقطاع العام فيه لايزال قائماً ولا يمنعه مانع من التعاون مع القطاع الخاص فى أي وجه من أوجه التنمية الإقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية. وأخيراً تم التعاقد على بروتوكول للتعاون العلمى والمهني والاستثمارى بين مجموعة من خبراء العمارة والتخطيط في طشقند وأحد المراكز الاستشارية المصرية يتبعه تعاقدات على العديد من المشروعات العلمية والمهنية، وجاءت الدعوة من الجانب الاوزباكستانى الذي رحب بالإستشارى المصرى وإستضافه وفتح له كل أبواب التعاون فى المجالات المعمارية والتخطيطية والثقافية والإستثمارية.. لقد أصبح التنظيم والإدارة مطلباً هاماً فى مرحلة التحول السياسي والإقتصادى الذي تمر به البلاد، التنظيم في إعداد المشروعات ودراسات الجدوى والإدارة فى التعامل مع النظم العالمية والإمكانات المتاحة لا تساعد على سفر الاوزباك إلى الخارج للتعرف على ملامح العالم الجديد الذي ظل بعيدأ عنهم لفترة طويلة من الزمن.. فلا أقل من السعى إليهم .. فعندهم الكثير.. فالتضحية فى الحاضر لها مردودها الوافر فى المستقبل.. وإذا كانت العملة واللغة تقفان حاجزاً أمام إنفتاح الاوزباك على الخارج فإن هناك دوراً هاماً أمامهم لتطوير أنفسهم للقفز على هذا الحاجز الكبير..

إن مرحلة التحول الإقتصادى الذي تمر به أوزباكستان فى الوقت الحاضر يجر معه العديد من الأنشطة التجارية التى تسعي إلي إستيراد المنتجات الإستهلاكية من الخارج والتى طالما تطلع إليها المجتمع المحروم .. وقد يؤدى هذا الإتجاه إلي تأخر معدلات التنمية الحقيقة فى الدولة الجديدة. الأمر الذي يستدعى الإسراع بجذب الإستثمار والإنتاج من الخارج خاصة من الدول الغنية فى العالم الإسلامى الذي تتطلع إليه أوزباكستان بكل الأمل والرجاء، الأمر الذي لا يحتمل التأخير أو التهاون فإن لم يسارع الأغنياء من العالم الإسلامي سبقهم غيرهم ممن لديهم القدرة على الحركة والمراوغة ووضع الأقدام فى كل مكان.. وهنا لن يجد المستثمرون المسلمون مكاناً لهم على أرض أوزباكستان، إذ بح صوتها عن دعوتهم وإستضافتهم، فهم بالنسبة لها الأولى والأحق وذلك من واقع الروابط الإسلامية التى تربطها بهم ولكن هذه الروابط لها قوة تحمل محدودة بمحدودية الحاجة والزمن، فالجزاء لمن يسبق.. هذه هى سمات عالم اليوم .. هذه هى سمة الحياة لمن يريد الحياة.

يقول نعمان عباس وزير البيئة فى أوزباكستان أن دولته تتطلع إلي مساعدة الدول الإسلامية كما ترغب فى التعرف على خبراتها وتجاربها التنموية.. كما يقول حسن الدين عصاموف حاكم طشقند السابق ورئيس مؤسسة طشقند للتصميم والبحث والأبنية العامة إن العالم الاسلامي لابد وأن يكون كالجسد الواحد. فالإسلام هو دين الإنسانية ..لقد مارسنا الشيوعية والآن وقد رجعنا إلى الحق ..إلى الله، فإننا ننتظر من أخواننا المستثمرين المسلمين أن يساعدونا فى هذه المرحلة الهامة من مراحل بناء دولتهم الجديدة ، ويقول عليموف برهان نائب محافظة طشقند أن مستقبل أوزبكستان يرتبط بمستقبل العالم الاسلامى فهى الآن جزء منه تنتظر التفاعل مع أجزائه الأخرى حتى تتدفق الدماء فى شرايينها وتبعث فيها الحياة .كما يقول فيروز أشرفى رئيس إتحاد المعماريين فى أوزبكستان أنه يتطلع للتعاون بين المعماريين المسلمين فى كل مكان من العالم الإسلامى فلدى أوزبكستان مخزون كبير من العمارة الإسلامية ، هذا بخلاف مخزونها الحضارى.. فمنها خرج الإمام البخارى من بخارى.. ومنها خرج إبن سينا كما خرج الترمذى من ترمز والإمام النسائى والديلمى والكاسانى والزمخرشى ، كما خرج الخوارزمى من خوارزم ، وهاهو يولات زهدوف رئيس هيئة صيانة الآثار الإسلامية يشرح مدى إهتمام الدولة للحفاظ على تراثها التاريخى العريق..

هذا هو الطريق إلى طشقند .

word
pdf