العد التنازلى لمؤتمر المستوطنات البشرية ـ قمة المدن

العد التنازلى لمؤتمر المستوطنات البشرية ـ قمة المدن2019-11-28T11:45:10+00:00

العد التنازلى

لمؤتمر المستوطنات البشرية ـ قمة المدن

  دكتور / عبد الباقى إبراهيم

كبير خبراء الامم المتحدة للتنمية العمرانية ـ سابقاً

 

الاهرام ديسمبر 1995

مع نهاية مؤتمر المرأة ببكين يبدأ العد التنازلى لمؤتمر المستوطنات البشرية “قمة المدن” فى مدينة اسطنبول فى يونية 1996 م ليكون الحلقة النهائية من المؤتمرات الدولية التى تنظمها الامم المتحدة من قمة الارض فى ريو بالبرازيل عام 1993 إلى مؤتمر السكان فى القاهرة عام 1993 م ومؤتمر الشئون الاجتماعية فى كوبنهاجن عام 1994 م ثم مؤتمر المرأة ببكين عام 1995 م.  وسوف تتجمع كل الخبرات والسياسات والنتائج التى تم الوصول اليها فى المؤتمرات السابقة لتكون القاعدة الفكرية لمؤتمر “قمة المدن” حيث تتكامل مشاكل السكان والعمران معاً لتضع الحلول المناسبة لها للدخول بها القرن الحادى والعشرين .. وهنا سوف تقوم كل دولة بتقديم خبراتها فى مجال التنمية والتعمير فى جلسات عمل خاصة بمندوبى الدول وأخرى خاصة بالمنظمات غير الحكومية .. هنا سوف تكون المباراة النهائية بين الدول تعرض فيها آخر ما قدمته لمواطنيها من منجزات لتوفير المأوى المناسب لجميع الفئآت وخاصة الفقيرة منها. ويمثل اسكان الفقراء الجزء الاكبر والاساسى فى مناقشات قمة المدن،  حيث يعانى اكثر من ثلث سكان العالم من سوء حالة الاسكان والحصول على مأوى، كما أن ايجاد مأوى لمن لامأوى لهم يرتبط بايجاد عمل لمن لاعمل لهم كهدف أساسى من أهداف التنمية الشاملة التى يتبناها المؤتمر.  وسوف تقدم حكومات الدول عروضا لمشروعاتها الانمائية والاسكانية وانجازاتها فى مشروعات الارتقاء بالبيئة العمرانية للمدن والقرى ، وهنا تظهر خبرات الدول الضالعة فى هذا المجال مثل الهند ودول امريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وعدد من الدول الأفريقية  وهى الخبرات التى تضمنتها النشرات العلمية الصادرة عن منظمة الامم المتحدة للاستيطان البشرى.  والسؤال الذى سوف يطرح نفسه على المؤتمرين فى قمة المدن 1996 هو ماذا حققت الدول والحكومات من توصيات المؤتمر الأول الذى عقد فى فانكوفر بكندا عام 1976 م الأمر الذى أثار الكثير من التحفظات اذ لم ينفذ منها الا القليل.  وسوف يناقش مؤتمر قمة المدن فى المقام الأول دور الهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية وأيضا المنظمات الدولية والدول الغنية التى تقدم المعونات للدول الفقيرة بهدف اسكان الفقراء الأمر الذى سوف يكون محور النقاش خاصة فى جلسات عمل المنظمات غير الحكومية التى تعانى من التقصير الواضح فى سياسات الحكومات والمنظمات الدولية فى هذا المجال ـ خاصة فى الدول التى يزداد فيها الاغنياء غنى ويزداد فيها الفقراء فقراً. وهذا هو التحدى الذى يجب أن تستعد له مصر التى اتجهت سياساتها إلى تشجيع اسكان الاغنياء فى المدن الجديدة والمنتجعات الصيفية ولم يكن لاسكان الفقراء – وهو غير الاسكان الاقتصادى- اى مكان فىفى هذه السياسات. واذا كانت كوارث السيول قد ساعدت على بناء العديد من المساكن الريفية فإن التجارب المستفادة منها يجب أن تتكرر فى باقى الآلآف من القرى المصرية الامر الذى قد  يحتاج إلى وزارة خاصة بالاسكان والتنمية الريفية اذا كانت مصر تريد  أن تدخل القرن الحادى والعشرين من باب التقدم الحضارى الشامل الذى تهدف اليه “قمة المدن”. واذا كانت مصر تختص بمشاكل خاصة بها ناتجة على تركيز 96 % من مواطنيها على 4 % من الأرض وهى ظاهرة ليس لها مثيل فى أى دولة من دول العالم فإن مشاكل مصر العمرانية تختلف فى معالجاتها عن غيرها من هذه الدول،  الأمر الذى بدأت تعالجه دراسات وزارة التخطيط ووزارة التعمير دون تكامل بينهما ودون أن تضع الآليات التى يمكن أن تحقق الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير لنقل الدراسات الى واقع ملموس تعرضه على مؤتمر”قمة المدن” القادم.

          واذا كانت المستوطنات البشرية القديمة والجديدة فى مصر لا تزال تعالج مشاكلها التخطيطية والادارية والتنظيمية بالاساليب التقليدية الا أنه آن الآوان  لأن يخرج التقرير الوطنى الذى سوف تقدمه مصر للمؤتمر بفكر جديد واساليب جديدة لمعالجة مشاكلها الفريدة،  الأمر الذى يستوجب اعدادا دقيقا لورقة العمل الوطنية التى سوف تطرحها مصر على قمة المدن ليس من باب التفاخر بالانجاز ولكن من باب تقديم التجربة لطرحها للمناقشة من جموع المؤتمرين حتى تستفيد من تجارب الآخرين،  فالاسراف فى العرض يفقد القضية مصداقيتها. واذا كان الشىء بالشىء يذكر فلابد من أن تنتبه الوفود المصرية الحكومية وغير الحكومية الى ضرورة الحرص على اظهار صورة مصر فى احسن واقيم شكل لها فى الادارة و التنظيم والدعاية والاعلام كفريق واحد متكامل متعاون. ويعد مؤتمر “قمة المدن” فرصة كبيرة لدعوة المؤتمرين إلى زيارة مصر للإطلاع على تاريخها الطويل فى التنمية والتعمير .. دون اخفاء للحقائق أو تهوين بالمصارحة فمصر دولة نامية تسعى إلى أن تصبح من النمور الافريقية .

          وتنص قرارات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدولى للاستيطان البشرى على ان يحتوى التقرير الوطنى على أربعة أجزاء يتضمن الأول منها الوضع الحالى للمشكلة بالوصف والتحليل والمتابعة والتقويم . ويتضمن الجزء الثانى تصميم خطة العمل على المستوى القومى جامعاً كل المشاركين فى عمليات التنمية العمرانية وذلك لبلورة أهداف المأوى والتنمية المتواصلة شاملة الجوانب التشريعية والمالية . ويتضمن الجزء الثالث ما تراه الدولة مناسباً لأدارة التنمية العمرانية المتواصلة فيها على المستويين القومى والمحلى ودور المشاركة الشعبية فى هذه الادارة وكيفية الارتقاء باسكان الفقراء والارتفاع بمستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية كما يتضمن هذا الجزء كذلك نظم ادارة البيئة ومواجهة الكوارث . اما الجزء الرابع فيتضمن ما قد تتطلبه الدولة من المعونات الفنية والمالية بناء على ما تقدمه من أولويات استراتيجية وخطط وبرامج لعدد من المشروعات التى قد تتطلب هذه  المعونات الدولية الأمر الذى يجب أن يعنى به التقرير الوطنى. ويعتبر اعداد التقرير الوطنى عملاً هاماً ليس فقط لوضع تصور لمستقبل المدن والقرى فى الدولة ولكن ايضاً لاعتباره وسيلة لمشاركة كل المعنيين بالتنمية العمرانية فنياً وادارياً ومالياً من مؤسسات ومنظمات حكومية وغير حكومية ومعاهد علمية وبحثية .. وذلك فى شكل ديالوج تتبلور فى اطاره الحلول الواقعية لكل مشاكل الاسكان والتعمير فى مصر.. وهكذا ترتبط التنمية بالاسكان والتعمير فى بوتقة واحدة لمواجهة المشاكل المستقبلية للمستوطنات البشرية .. وهكذا تتضافر كل الجهود لوضع الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير، وهكذا تتضامن وزارات التخطيط والاسكان والتعمير والادارة المحلية ومراكز البحوث العمرانية والاجتماعية والاقتصادية فى وضع هذه الاستراتيجية القومية كورقة عمل تقدمها مصر إلى المؤتمر الدولى الثانى للاستيطان البشرى كدليل على تضافر وتكامل الأجهزة المعنية فى مصر وعلى قدرتها على مواجهة مشاكل مستوطناتها البشرية من مدن وقــرى قديمة وجديدة فى اطار خريطة جديدة لمصر المستقبل .. ليس بالتمنيات والرغبات والدراسات .. ولكن بالعمل الجاد الواقعى .. لقد انتهى وقت العموميات وبدأ وقت التخصصات ومواجهة التحديات .. بالبرامج التنفيذية والأجهزة القادرة على الأداء وباللوائح الموجهة وبالقدوة والقوة الدافعة .

          يقـــــول السكرتير العام للأمم المتحدة فى كلمته أمام اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثانى للمستوطنات البشرية فى جنيف فى ابريل 1994 م ان مشاكل المستوطنات البشرية أصبحت ملحة ولا تحتاج إلى تأخير وأن وقت التنظيم والتحضير قد انتهى ولا بد من الدخول فى الموضوع مباشرة . ويشير فى مكان آخر من خطابه إلى اهمية مشاركة الجهات الحكومية و غير الحكومية فى التنمية العمرانية فهى أقدر فى الحركة وأكفأ فى الأداء خاصة فيما يرتبط بالتنمية العمرانية للمجتمعات الفقيرة . هكذا تصبح عمارة الفقراء موضوعاً أساسياً فى أجنده مؤتمر المستوطنات البشرية الدولى لعام 1996 م ويضع السكرتير العام للأمم المتحدة أمام مؤتمر ” قمة المدن ” كما يسميه التساؤلات التالية :

ـ   كيف يمكن تحسين ادارة وتمويل المستوطنات البشرية ؟

ـ   ما هى السياسات اللازمة لتحسين حالة المجتمعات الفقيرة ؟

  ـ   كيف يمكن توفير الحد الأدنى من المرافق الصحية فى المجتمعات العمرانية مع تجنب الانهيار البيئى
البعيد  المدى ؟

ـ   كيف يمكن ايجاد المأوى المناسب للجميع بعد وقت محدد ؟

ـ   كيف يمكن الحد من آثار الكوارث والحروب ؟

وتستطيع مصر أن ترد على هذه التساؤلات بأن تقدم مايفيد بأنها حققت توصيات المؤتمر الأول الذى عقد فى فانكوفر بكندا عام 1976م وأنها تعمل على تعمير الصحراء مستخدمة فى ذلك الطاقة الشمسية وأحدث وسائل الزراعة والرى فيها مع خلق مجتمعات عمرانية جديدة من مدن وقرى وأنها قد وضعت اللوائح والقوانين التى تعمل على تحقيق الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير بزيادة عوامل الجذب فى المستوطنات البشرية الجديدة مع عوامل الطرد من المجتمعات القديمة وأنها فى سبيل ذلك قامت بانشاء جهاز مركزى للتخطيط الاقتصادى الاجتماعى العمرانى يضع الخطط ويحدد الاستثمارات على أساس الأولويات فى الخطط الخمسية حتى تقوم كل وزارة قطاعية بتنفيذ الدور المرسوم لها فى هذه البرامج التنموية المتكاملة.  وأن مصر تعمل جادة على انشاء جمعيات خيرية لاسكان الفقراء لايجاد مأوى لمن لامأوى لهم وعمل لمن لاعمل لهم فى القرى الانتاجية الجديدة حول المدن الجديدة كمراكز عمرانية  وذلك لتعظيم دور الجهات غير الحكومية فى  المشاركة بالعمل الجدى فى بناء الانسان والعمران معا فى عملية متوافقة متكاملة وأن مصر تعمل على ايجاد المأوى للجميع .. الفقراء والأغنياء معا فى أحيزة عمرانية واحدة تأكيدا للتكافل والتعاون وتعمير الأرض البوار وعدم التطاول فى البنيان كما حث عليه القرآن.   وأن مصر قد وضعت  القوانين واللوائح التى تنظم العمران حتى يتوافر التجانس المعمارى ويعبر عن الطابع المحلى.  وأن مصر قد أقامت مراكز للبناء والتعمير لخدمة البناء فى المجتمعات العمرانية الجديدة بالجهود الذاتية للفقراء.  وأن مصر جعلت ادارة المستوطنات البشرية من داخلها وليس من خارجها وأن مصر بدأت تأخذ بتوفير الحد الأدنى للمرافق الصحية مؤقتا فىى البداية حتى تستكمل المستوطنات البشرية معظم سكانها وتوفر هذه المرافق فى صورتها النهائية توفيرا للفاقد فى تشييدها وأن مصر أخذت بنظام التكافل فى تمويل اسكان الفقراء بالأخذ من اسكان الأغنياء لاسكان الفقراء ومن مصارف الزكاة والتبرعات من خلال الجمعيات الخيرية لاسكان الفقراء وهى صيغة متطورة للعمل التطوعى التى تشجعه الدولة وأن مصر قد أعدت برنامجا وطنيا للحد من الفاقد فى مياه الشرب حتى تستطيع  أن تغذى بها محاور التنمية الجديدة.  كما أعدت مصر مشروعا لربط التعاونيات فى الاسكان بالتعاونيات فى الانتاج وذلك لتأكيد التكامل فى المستوطنات البشرية الجديدة.

وســــــوف تربط الوفود المصرية المشاركة فى المؤتمر بين الاعلام عن التجربة المصرية والاستفادة أكثر من التجارب العالمية وهذا يتطلب التنسيق والتكامل بين المنظمات والجهات المشاركة كفريق واحد وذلك فى حضور الجلسات وورش العمل  وفى العرض واسلوب الاطلاع وذلك تجنبا للخلافات التى قد تحدث بين المنظمات الحكومية أو المنظمات غيرالحكومية بعضها البعض،  فالاعلام عن مصر ليس فقط فى عرض التجربة المصرية ولكن فى عرض ماقد يجذب اليها الناس من كافة أنحاء الأرض فى مؤتمرات أو زيارات استطلاعية أو سياحات ثقافية وترفيهية.. فقمة المدن سوف يكون بمثابة سوق عكاظ فى مجال العمران الذى يعتمد على ترسيخ مبدأ السلام بين الشعوب والدعوة للبناء وليس الهدم بسبب الحروب والارهاب.  هذه فرصة لأن تقدم مصر صورتها التوسطية فى الدعوة الى التنمية والتعمير والأخذ بأسس التكافل فى بناء المستوطنات البشرية الجديدة أو الارتقاء بالمستوطنات البشرية القائمة للحد من المشاكل الصحية والاجتماعية والأمنية التى تعانى منها المجتمعات المصرية المكدسة بالبشر..  وهذه أمور لن تكون محل خلاف أو جدل عقائدى أو عرقى  عليها كما حدث بصورة واضحة فى المؤتمرات السابقة.

لقــــــد بدأ العد التنازلى لمؤتمر “قمة المدن” ولم يبق الا شهور قليلة تحتاج الى جهد كبير لمواجهة دول العالم فى اسطنبول فى يونية عام 1996م ومصر فى أحسن صورة.

word
pdf