العلاقة بين المستويات التخطيطية فى مصر

العلاقة بين المستويات التخطيطية فى مصر2019-11-19T08:26:11+00:00

العلاقة بين المستويات التخطيطية فى مصر

دكتور عبد الباقي ابراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

 

تتحرك عمليات التنمية الأقتصادية والعمرانية نظرياً فى ثلاث مستويات هى المستوى القومى والمستوى الأقليمى والمستوى المحلى…فعلى المستوى القومى تتحدد فيما يسمى برامج التنمية الأجتماعية على فترات زمنية كل خمس سنوات .. وهى البرامج التى تتكامل فيها برامج التنمية القطاعية من زراعة وصناعة وسياحة وتعليم وصحة وأمن وغيرها.. وتقسم برامج التنمية الخمسية على سنوات الخطة بحيث تتحدد فى كل سنة حجم الأستثمارات المخصصة للمشروعات المختلفة لكل قطاع على حدة وذلك بهدف زيادة الدخل القومى بنسب محددة وتحدد أهداف الخطط الخمسية فى ضوء السياسة القومية للتنمية ويصدر بها قرار بالموافقة من مجلس الشعب وهكذا تنتقل المشروعات المدرجة فى هذه الخطط إلى الحيز التنفيذى على المستوى المحلى للمحافظات المختلفة وتحدد كل محافظة نصيب مدنها وقراها من هذه المشروعات ، ويصبح الأتصال من المستوى المحلى فى المحافظات والمستوى القومى عن طريق الوزارة المركزية للحكم المحلى أو طريق الوزارات المختلفة كل فى أختصاصه وهكذا يصبح لكل محافظة برامج محلية للتنمية الأقتصادية الأجتماعية فى إطار الخطة القومية ، وعلى جانب اّخر من المستوى المحلى تختص المحافظات المختلفة بإعداد المخططات العامة للمدن والقرى وتبعاً للقانون رقم 3 لعام 1982 يتحدد فى إطارها المستقبل العمرانى لمدة طويلة الأجل من 15 إلى 20 سنة بحيث تكون هذه المخططات هى الأطار الذى تتحرك فيه المشروعات المنبثقة عن برامج التنمية الأقتصادية الأجتماعية التى توضع على المستوى القومى ثم تنتقل إلى المستوى المحلى للمحافظات .

والتخطيط العمرانى للمدن والقرى يعتبر عند البعض بمثابة المستوى المحلى للتخطيط ، بينما يعتبر عند المسئولين عن وضع برامج التنمية الأقتصادية الأجتماعية بمثابة مشروعات محددة يغلب عليها الجانب الهندسى تخصص له الأستثمارات السنوية لأعداد المخططات العامة لعدد محدد من المدن أو القرى سنوياً ، وهنا يرتبط إعداد المخططات العامة للمدن بحجم الأستثمارات التى تختص لها ، وهكذا تتحدد العلاقة بين المستوى القومى فى إطار برامج التنمية الأقتصادية الأجتماعية و المستوى المحلى للتخطيط العمرانى للمدن أو القرى. واذا كانت برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية تعد على المستوى القومى فى وزارة التخطيط فأن التخطيطات العامة للمدن والذى يعد بحكم القانون من خلال الهيئة العامة للتخطيط العمرانى فى وزارة التعمير وإستصلاح الأراضى ، وهنا تضعف العلاقة الوظيفية بين جهازى التخطيط المركزى ، ومع كل ذلك يبقى المستوى الأقليمى كمستوى متوسط بين القومى والمحلى مفقود الهوية ، فهو من الناحية النظرية هو المستوى الذى يربط العلاقات بين المستوى القومى والمستوى المحلى كما يجرى فى معظم الدول خاصة الأوروبية والأمريكية حيث التوازن الأقتصادى والأجتماعى والجغرافى بين الأقاليم التخطيطية فيها ، وهكذا أنتقل هذا المفهوم عن التخطيط الأقليمى نظرياً إلى مصر فى محاولة تطبيقية على دولة ليس فيها توازن أقتصادى أو أجتمعاعى أو جغرافى من مناطقها المختلفة فالمعروف أن حوالى 96% من السكان يعيشون على حوالى 4% من الأرض ومن المعروف أن حوالى 60% من السكان لايعرفون القراءة والكتابة وحوالى 15% ربما عبروا التعليم الأساسى، ومن المعروف أيضاً أن 40% من استثمارات برامج التنمية الأقتصادية الأجتماعية تنفق فى القاهرة التى تضم حوالى 20% من سكان الدولة ومع هذا الخلل فى التوازن الأقتصادى الأجتماعى هناك أيضا خلل فى التوازن الجغرافى بين المناطق المزدحمة بالسكان والمناطق الخالية منهم ، لذلك كان التضارب فى محاولة تطبيق مفهوم التخطيط الأقليمى علبى مصر ، فوزارة التخطيط حاولت تقسيم مصر إلى أقاليم تخطيطية يمكن أن يتم فيها التوازن الأقتصادى الأجتماعى مثل أقليم قناة السويس الذى يضم محافظة سيناء القليلة السكان ومنطقة القنال ومحافظة الشرقية المزدحمة السكان ، ومثل أقليم جنوب الصعيد الذى يضم جزءاً من الوادى المزدحم بالسكان وجزءا من الصحراء الشرقية القاحلة وجزءاً من ساحل البحر الأحمر بإمكانياته السياحية ، وعلى النقيض من ذلك  تنظر اجهزة وزارة التعمير إلى التقسيم الأقليمى بصورة أخرى أقرب الى التميز الجغرافى ، فشبه جزيرة سيناء و منطقة الساحل الشمالى و منطقة ساحل البحر الاحمر كل منها اقليم تعمير كما أن جنوب الوادى ومنطقة بحيرة ناصر هى أيضاً أقليم تعميرى ( و تخطيطى ) وهكذا بالنسبة لباقى مناطق مصر الأمر الذى يتضارب مع التقسيمات التى وضعتها وزارة التخطيط لأقاليمها التخطيطية ووضعت لكل اقليم جهاز خاص بالتخطيط الأقليمى فهناك جهاز للتخطيط الاقليمى التابع لوزارة التخطيط لأقليم جنوب الوادى يضم محافظات الجنوب وجزء من الصحراء الشرقية وجزء من ساحل البحر الأحمر وهناك جهاز التخطيط العمرانى لأقليم جنوب الوادى الذى يضم محافظات أسوان وقنا دون البحر الأحمر ثم هناك جهاز التخطيط الأقليمى لمحافظة أسوان وهو جهاز بدأ عمله فى نهاية الستينات ومع كل ذلك تضع وزارة الحكم المحلى تصورها الخاص بالنسبة لتقسيم الدولة إلى أقاليم تخطيطية.. وهكذا يبقى هذا المستوى المتوسط مجرد نظرية مستوردة تحاول بل جهة ألباسها للواقع المصرى الذى يختلف إختلافاً جزرياً عن الواقع الذى ظهرت فيه نظريات التخطيط الأقليمى لتطبق على واقعها.

والواقع المصرى مع كل ذلك يحدد المدخل المنطقى لتقسيم الدولة إلى أقاليم أو مناطق يمكن أن تقوم بدور المستوى المتوسط بين مستوى التخطيط القومى المتمثل فى برامج التنمية الأقتصادية الأجتماعية ومستوى التخطيط المحلى المنبثق عن برامج التنمية الخمسية للمحافظات والمستوى المحلى للمخططات العمرانية الطويلة الأمد للمدن والقرى .. وهذا التقسيم يعتمد على  أساس التوازن الأقتصادى الأجتماعى والجغرافى لمصر التى تعانى من ضغط سكانى كبير على الوادى الضيق الذى يمثل 4% من السطح الكلى للأرض وفراغ سكانى كبير فى المناطق الأخرى ، الأمر الذى يوجه الأستراتيجية العمرانية الى ضروروة التوسع فى الرقعة السكانية بخلق مناطق جذب جديدة بحيث تمثل المناطق القائمة مناطق طاردة وبهذا المنطق النابع من أهداف الأستراتيجية العمرانية يصبح من الأمثل تقسيم مصر ليس إلى أقاليم تخطيطية بالمفهوم النظرى المستورد ولكن إلى أقاليم طاردة وأقاليم جاذبة وهذا هو المستوى المتوسط بين المستوى القومى والمستوى المحلى بحيث تعالج التجمعات السكنية القائمة تخطيطاً على أنها تقع فى مناطق طاردة ولا تتحمل مزيداً من التنمية التى تعمل على الأستقرار السكانى ومن ثم على زيادة الضغط السكانى وبالتعبية على زيادة الرقعة العمرانية لهذه التجمعات على حساب الرقعة الزراعية – كما تعالج التجمعات السكانية الجديدة على أنها تقع فى مناطق جاذبة تحظى بأولويات التنمية الأقتصادية الأجتماعية وهنا تحدد العلاقة الجغرافية بين التجمعات الطاردة زيادة عوامل الطرد فيها الأمر الذى يؤثر بالتبعية على مخطاطاتها الطويلة الأمد والتجمعات الجاذبة بزيادة عوامل الجذب فيها الأمر الذى يؤثر بالتبعية أيضاً على مخطاطاتها العمرانية ، وذلك بحيث تسبق عوامل الجذب عوامل الطرد وتصبح العلاقة بين التجمعات الطاردة و التجمعات الجاذبة علاقة أقتصادية أجتماعية فى المقام الأول تسعى إلى تحقيق بعض التوازن السكانى والجغرافى على المستوى القومى الأمر الذى تؤكده بالتبعية الخطط القومية الخمسية .

وتظل العلاقة بين المستويات المختلفة للتخطيط علاقة نظرية مالم تدفعها حركة إدارية وتنظيمية تحدد العلاقات التبادلية بين هذه المستويات وهنا تظهر أهمية تنظيم العملية التخطيطية وإداراتها الأمر الذى يتطلب بالتبعية إعادة الهياكل التنظيمية القائمة خاصة بالنسبة لأجهزة التخطيط المحلى والأقليمى ( أن وجد ) والقومى بحيث تبقى العلاقة التبادلية بين هذه المستويات على أساس وحدة الفكر ووحدة المفاهيم ومن ثم وحدة الأساليب والوسائل التى تضمن استمرارية هذه العلاقات التبادلية وهنا يتطلب العمل تكامل الجوانب الأقتصادية والأجتماعية والعمرانية فى العملية التخطيطية الأمر الذى يتطلب بالتبعية تكامل الأجهزة التخطيطيىة أيضاً على المستويات المختلفة ويتبع ذلك تكامل لحركة التبادلية بين المستويات المختلفة للتخطيط وكذلك تكامل الحركة الأفقية بين القطاعات المختلفة عند كل مستوى من هذه المستويات ، هنا يمكن أن تتحدد الهياكل التنظيمية لأجهزة التخطيط القومى و الاقليمى والمحلى كما تتحدد العلاقات الوظيفية بين المكونات التنظيمية لهذ الأجهزة كما تحدد بالتبعية التوصيف الوظيفى للعاملين فى كل مكون تنظيمى .
وإذا كانت العلاقة بين المستويات المختلفة من التخطيط تتطلب تنظيمات إدارية تؤثر على الهيكل التنظيمى لأجهزة الدولة فإن إدارة المناطق الطاردة هنا تختلف تنظيمياً عن إدارة المناطق الجاذبة الأمر الذى يتطلب إعادة المفاهيم القائمة فى نظام الحكم المحلى الذى يمارس نظرياً ولم يحقق أهدافه وذلك لتقيده بالمركزية السياسية التى لم تختلف كثيراً عن نظام الحكم المحلى السابق له ان لم يكن أقل منه فاعلية فى التنمية المحلية خاصة فيما يرتبط نظامة بالشئون البلدية والقروية الذى ظهرت أثاره الإيجابية فى النظام السابق للبلديات التى كانت تتحكم فى التنمية العمرانية للمدن ملتزمة باللوائح والقوانين القائمة فى ذلك الوقت .

أن شرح العلاقة بين المستويات المختلفة للتخطيط وكذلك العلاقات النظرية بينها يهدف إلى تفهم المخطط المحلى لأهداف الأسترتيجية العمرانية القومية وتأثيرها على أهداف المخططات العامة للمدن والقرى وكذلك تأثيرها على أاهداف التنمية المحلية أو التفصيلية التى يجب أن تخضع جميعها إلى تحقيق أهداف الأستراتيجية العمرانية سواء فى المناطق الطاردة التى تضم التجمعات السكنية القائمة أو فى المناطق الجاذبة التى تضم التجمعات السكنية الجديدة ، ويعنى ذلك توجيه العملية التخطيطية فى الأتجاه السلبى فى المناطق الطاردة وتوجيها فى الأتجاه الأيجابى فى المناطق الجاذبة .

أن فكر العلاقة بين المستويات التخطيطية وما يرتبط به من تنظيمات إدارية للحركة التبادلية الرأسية أو للحركة التكاملية الأفقية بين القطاعات المختلفة فى كل مستوى لابد وأن يصل إلى أعماق الفهم عند متخذى القرار سواء فى المجالس المحلية أو فى الأجهزة التشريعية فإن الفكر التخطيطيى لابد وأن ينتقل تدريجياً من خلال الممارسة إلى القيادات السياسية والتنفيذية صاحبة القرار النهائى فى نتائج العملية التخطيطية ، وذلك حتى يمكن ملء الفجوة الكبيرة بين الفكر التخطيطيى الذى يرى المشاكل فى أبعادها العاجلة والأجلة معاً والفكر السياسى الذى يرى المشاكل أكثر فى أبعادها العاجلة عنها فى أبعادها الأجلة وهذا يعبر عن عدم التوازن الفكرى بين المخطط ومتخذى القرار كنتيجة لعدم التوازن الأقتصادى والأجتماعى والجغرافى فى مصر، والمخطط فى كل الحالات يسعى إلى تحقيق أكثر قدر ممكن من أهداف التنمية، والأمكانية هنا ترتبط بالأمكانيات الأقتصادية للدولة كذلك بالأمكانيات الأجتماعية والثقافية للسكان ثم بالأمكانيات الطبيعية للمكان ، والوصول إلى أكثر قدر ممكن من الأهداف يتحقق من خلال المرادفات التخطيطية المختلفة ثم تقويمها ثم إختيار أكثرها أمكانية فى التحقيق وذلك بإشتراك المجتمع المستفيد من نتائج الدراسات التخطيطية فى عملية التقييم والأختيار .

word
pdf