العمارة الاسلاميةغريبة فى قاهرة المعز

العمارة الاسلاميةغريبة فى قاهرة المعز2019-12-03T09:22:25+00:00

العمارة الاسلامية… غريبة فى قاهرة المعز

د. عبد الباقى إبراهيم

جريدة عقيدتى 22/12/1992

قاهرة المعز … القاهرة الاسلامية … مدينة الألف مئذنة … تعريفات بديعة للعاصمة تثير الشجن وتعيد للأذهان الصورة الجميلة للقاهرة بأسوارها وأبوابها الأثرية وعمارتها الاسلامية التى تشكل المفتاح الحقيقى للمدينة الذى يأسر قلوب زوارها ويربط أهلها بجذور الانتماء والامتداد الحضارى.

أما اليوم … فقد تاه هذا المفتاح، بالقاهرة وأغلب المدن الأخرى، وسط الأبراج وغابة الأسمنت والمساكن العشوائية والمبانى الزجاجية العجيبة التى تؤكد آلية السلب ومأساة التقليد الأعمى !
الدكتور عبد الباقى إبراهيم رئيس قسم العمارة بهندسة عين شمس وكبير خبراء الأمم المتحدة فى تخطيط المدن السعودية ورئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية … يرى أن مشكلة المساكن الجديدة فى مصر ترجع إلى تحكم النظرية الغربية فى التخطيط عند بنائها، مما أدى إلى اختفاء العمارة الاسلامية من مدننا بحيث لا ترى أى أثر للقيم الاسلامية إلا فى بناء المساجد فقط ، واتضح ذلك جليا فى مبانى المدن الجديدة.
وهذه القيم لا تعنى فقط الشكل الخارجى للمبنى، بل الاساس هو مراعاة التوجه الاسلامى فى التصميم فيما يتعلق مثلا بتوجيه عناصر المبنى فى اتجاه القبلة، وعدم الاسراف واستخدام المواد المحلية فى البناء ومراعاة خصوصية الفرد … فالمبنى من الداخل ملك لصاحبه، أما واجهته الخارجية فهى ملك للمجتمع … ومن هنا لابد أن يكون للدولة دورها فى تأكيد الطابع المعمارى العام لكل مدينة حسب ظروفها الجغرافية والبيئية.
ويمكن تحقيق هذا الهدف بتحديد الملامح العامة لطابع أو هوية كل مدينة بحيث يترك للمعمارى حرية العمل والابتكار فى إطارها … وهذه ليست بدعة لأن هذا المبدأ يطبق حاليا فى عدة مدن عربية بالسعودية والكويت والاردن وتونس والمغرب والجزائر، إضافة لأغلب المدن الأوروبية.

ويشير د.عبد الباقى إلى أنه ناشد المحافظين الأخذ بهذا التوجه إلا أن ذلك لم يتحقق إلا فى محافظتى الاسماعيلية فى عهد عبد المنعم عمارة، وأسوان عندما كان المرحوم قدرى عثمان محافظا لها.
ويؤكد : أن الطابع المعمارى الاسلامى لا يرفع أبدا تكلفة البناء، وتبين ذلك بالتجربة العملية من خلال مبنى مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية الذى يحمل الطابع الاسلامى المعاصر.
وأيضا لا علاقة لهذا الطابع بالفقر أوالدخل المحدود حيث توجد أمثلة عديدة فى بيوت النوبة وقرى الصعيد المبنية بالمواد المحلية غير المكلفة، ولها طابعها الاسلامى المميز.
والبديهى أيضا أن العمارة الاسلامية ليست ضد التطور … فنحن نأخذ من التراث القديم القيم التشكيلية ومراعاة تعليمات الاسلام وقيمه فى التصميم والتكلفة وغيرها، مع الاستفادة من التكنولوجيا وتقنية البناء الحديثة التى تتوافق مع ظروف البيئة واحتياجات المجتمع وقدراتنا الفنية والاقتصادية.

ومن هنا فإنه من العجيب وجود هذه الأبراج السكنية فى مدننا التى أكدت الدراسات والتجارب مالها من أضرار اقتصادية وعيوب اجتماعية خطيرة، وهو ما تنبه له الغرب منذ الستينات، ولم يعد يقيم الأبراج حاليا إلا للأغراض الإدارية وفى نطاق محدود للغاية، بينما نملك نحن الأراضى الصحراوية بلا حدود للانتشار الأفقى وتحقيق قيمة اسلامية عظيمة هى تعمير الأرض.
ويرى د.عبد الباقى إبراهيم أن اختفاء الطابع المعمارى الاسلامى فى مصر والدول الاسلامية الأخرى يرجع إلى انقطاع تيار الحضارة الاسلامية على مدى 400 عام بسبب الاحتلال بأنواعه المختلفة وتعرض هذه البلاد لغزو ثـقافى واجتماعى إضافة للغزو العسكرى … والنوع الأول هو الأخطر لأن آثاره لم تتلاش حيث استمرت الثـقافة فى العالم الاسلامى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتوجهات الغربية.
ومن هنا تتعاظم أهمية الدعوة للبحث عن الذات الثـقافية والحضارية للمجتمع الاسلامى المعاصر من خلال التمسك بالقيم الاسلامية والتفاعل كذلك مع منجزات العصر.

ويقول خبير تخطيط المدن الاسلامية : عند الحديث عن العمارة والذات الثـقافية … لا بد أن نتذكر المعمارى العظيم المهندس حسن فتحى الذى وهب حياته لهذه الدعوة ، وهو ما سيكون محور دراسات الندوة العالمية عن فكر حسن فتحى التى ستعقد بالقاهرة يوم 20  إبريل القادم وينظمها مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية الذى خصص جائزة دولية باسم حسن فتحى عن عمارة الفقراء والتى فاز بها العام الماضى مركز البناء بالجهود الذاتية فى الهند.
ويؤكد : أن أكبر مشكلة نعانى منها فى مصر هى عمارة الفقراء لأنهم الغالبية التى تبنى مساكنها بأيديها دون توجيه هندسى، وهو ما يتطلب انشاء مؤسسات خيرية تساعد الفقراء على بناء مساكنهم بالجهود الذاتية مع مراعاة الجوانب الهندسية والمعمارية بعيدا عن الهيئات الحكومية التى ترفع تكلفة البناء بنسبة لا تقل عن  30 % من خلال نظام المقاولات والأعباء الادارية ومقاولى الباطن.
ويشير إلى أن وزارة التعمير بدأت أخيرا فى الاتجاه الصحيح عندما طرحت لأول مرة مسابقة بين المكاتب الاستشارية لمشروع التنمية المتكاملة واستيطان من لا مأوى لهم فى التجمعات حول الطريق الدائرى للقاهرة الكبرى وهو ما يحقق مساعدة معدومى الدخل على بناء مساكنهم بأنفسهم تحت رعاية الوزارة.

ويقول د.عبد الباقى : إن الاسلام فى بداية انتشاره كان يهتم بالدعوة لبناء الانسان قبل العمران … ولذا لم يشعر المسلمون بحرج عند استخدام أعمدة من المعابد الرومانية القديمة فى بناء المساجد.
ومع بداية العصر الأموى وانتقال الخلافة من المدينة إلى دمشق وبلاد الشام بدأت تظهر التغيرات المعمارية الجديدة، وكان التركيز فى البناء على تحقيق طابع مميز يتمشى مع البيئة المحلية ، وظهرت الصفات الغالبة على المبانى فى استعمال الأقواس والقباب والمقرنصات والتشكيلات الهندسية والمشربيات والزخارف بأساليب وأنماط مختلفة.

وكان من أهم صفات العمارة الاسلامية … توفر الخصوصية فى الداخل وفصل جناح الرجال عن الحريم والعناية بنظام التهوية والعزل الحرارى والحرص على التجانس فى المساكن من حيث اللون والشكل والارتفاعات التى لا تتعدى 3 أو 4 طوابق. وذلك بدلا من “كرنفال” المبانى من مختلف الألوان والأشكال الذى يشوه وجه المدينة.

word
pdf