العمارة العربية بين النظرية والتطبيق

العمارة العربية بين النظرية والتطبيق2019-11-24T11:31:11+00:00

العمارة العربية… بين النظرية والتطبيق

أ.د عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس (سابقا)

 

الدعوة إلى تأصيل القيم الإسلامية في بناء المدينة العربية المعاصرة أصبحت هدفا يسعى إليه المعماريون العرب كما يسعى إليه أبناء المدن العربية وذلك نتيجة لما طرح أمامهم من فكر وما قدم إليهم من بحوث ودراسات خلال المعارض والمؤتمرات والندوات العلمية التي عقدت في العديد من المدن العربية حتى أصبح الحديث عنها معادا لا يبقى بعده إلا التصميم والتنفيذ بالبناء في الواقع حتى وإن اختلفت المداخل المنهجية أو الفكرية للوصول إلى هذا الهدف. إذا لم يعد هناك مجالاً لإعادة الحوار حول النظرية الني يقدمها أصحابها ولابد من بدء الحوار حول نماذج محددة يعرضها أصحابها للنقد والمناقشة.. وهنا تتحول النظرية إلى واقع ملموس يعيشه الإنسان ويتعايش معه. فالعمارة في النهاية هي إفراز حضاري يشكله المعماري مع صاحب العمل معا. فالنظريات التي يتداولها المعماريون تبقى مجردة من محتواها الواقعي ما لم يشارك المجتمع في صياغتها الصياغة العملية. من هنا لابد من إتساع دائرة النقاش لتجمع بين المعماريين وأصحاب الرأي بكل مذاهبهم الفكرية الثقافية والإجتماعية والإقتصادية حول حقيقة قائمة تتمثل في النماذج المعمارية التي يعرضها أصحابها مع ما تتحمله من فكر وما تقدمه من منهج. فلنخف من الجدل المسموع أوالمقروء ولنزيد من الجدل المنظور والمرئي.. ويستطيع المعماري العربي أن يقدم نماذج من أعماله للمستمع أو القارئ مع شرح وافي لأسلوبه في المعالجة المعمارية بالتعبير أوالتنظير أوالتقدير فالشكل هو اللغة التي يدركها السامع أوالقارئ من كل المستويات الفكرية والثقافية. وكثيراً ما يتساءل المواطن العربي عن كيفية تحقيق كل ما يعرض عليه من فلسفة المعماريين, كيف يمكن مواجهة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية في الأعمال المعمارية, وكيف يمكن التفاعل مع لوائح ونظم البناء السائدة في الدول العربية.. كيف يمكن الاعتماد على القدرات الذاتية وكيف يمكن التعبير عن الملامح التراثية.. كيف يمكن الموائمة بين إقتصاديات البناء وتوفير الطابع المميز وكيف يمكن التوثيق بين متطلبات العصر المتطورة مع القيم الحضارية والإسلامية التراثية. كيف يمكن التعبير عن جماعية العمارة في الخارج وخصوصية العمارة في الداخل.. أي الربط بين الظاهر والباطن هل هذه التساؤلات وغيرها لا يقتصر الرد عليها بالكلمة المسموعة أو المقرؤة ولكن لابد من الرد من واقعية العمل المعماري نفسه خاصة وإن المعمار هو نتيجة لتفاعل ثقافة المعماري مع ثقافة صاحب العمل. وإذا كان ذلك يتم في اللقاءات بين المعماريين العرب وفي معارضهم المعمارية, يبقى بعد ذلك أن نبحث عما يقدمه المعماريون العرب للأجيال القادمة من شباب المعماريين العرب ، هل يقدمون لهم مناهج تعليمية أويضعون أمامهم خبرة عملية أو يعرضون عليهم نماذج من الفكر المعماري المعاصر. إن الجيل الجديد من المعماريين لفي حاجة إلى كل ذلك وهنا يظهر التساؤل حول مدى مشاركة المعماريين الأكاديميين في الممارسة العملية.

صيغة لابد أن تتحقق حتى يدرك الجيل الجديد من المعماريين أن ما يقال لهم في قاعة الدرس له صداه في الواقع العملي سواء كان تاريخا يقص أو نظرية تعرض أو أسلوب للإنشاء يقدم. وإذا كان التاريخ والنظرية وأسلوب الإنشاء مرتبط أساسا بالخصائص الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية في العالم العربي فلابد وأن يقدم تاريخ العمارة في إطاره العربي كما تقدم النظرية المعمارية في إطارها الإسلامي وتقدم كذلك النظرية الإنشائية في إطارها البيئي والمحلي. وبذلك يمكن للأجيال الجديدة من المعماريين أن تربط بين النظرية والتطبيق وهذا يتطلب قاعدة متطورة من المعلومات والبيانات المحلية التي يرجع إليها الباحثون والدارسون للعمارة العربية في إطارها الإسلامي.

وهكذا يتجه العمل المعماري في ثلاث اتجاهات متوازية ومتكاملة الإتجاه : الأول في أيجاد قاعد علمية متطورة من المعلومات والمراجع للعمارة المحلية على مر العصور, والإتجاه الثاني في توفير ومساندة التأليف والنشر المعماري والتخطيطي والإتجاه الثالث في إيجاد ملتقى للمعماريين العرب يلتقون فيه سنوياً يعرضون فيه لأعمالهم ونظرياتهم ويتبادلون فيه الآراء والخبرات بحيث تنتهي هذه اللقاءات مباشرة بالنشر والتأليف في العملية التعليمية. ولن يتم هذا التفاعل العلمي والعملي بين الإتجاهات الثلاثة السابقة إلا من خلال النشرات الشهرية التي تصل إلى كل المعماريين حاملة أعمالهم ومحققة لأحلامهم..
وإذا كانت الدول العربية تسعى إلى نشر الثقافة العامة بين ربوعها فلا أقل من أن تسعى إلى نشر الثقافة المعمارية.. إذا كانت كما يقولون “العمارة أم الفنون”. وإن كانت هي أكثر من ذلك بكثير. فهي الغلاف الذي يتحرك فيه الإنسان في الداخل أو في الخارج, هي المعبرة عن قيمه وحضارته وهي المؤدية لمتطلباته واحتياجاته, هي ماضيه وحاضره ومستقبله.. هي الغلاف الذي يسكن داخله أو يعمل فيه.. هي المدينة والقرية بل هي المجال البيئي لحياة الإنسان.

ويبقى أن تتبلور هذه الدعوة في إيجاد التنظيم العلمي الذي يعمل كمركز للمعلومات والإتصالات بين المعماريين العرب.. تتجمع لديه أسماؤهم ومؤهلاتهم وخبراتهم وطرق الإتصال بهم.. إن وسائل الإتصال هي السبيل الوحيد لجمع المعماريين العرب حول هدف واحد وغاية مشتركة هي الإرتقاء بالعمارة العربية المعاصرة. ويبدأ البحث هنا عن كيفية إنشاء هذا المركز.

word
pdf