العمارة بين الهندسة والفن واهتمامات وزير الثقافة

العمارة بين الهندسة والفن واهتمامات وزير الثقافة2019-11-24T09:48:40+00:00

العمارة بين الهندسة والفن واهتمامات وزير الثقافة

أ.د عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس (سابقا)

 

أسفر الإجتماع الأول لوزير الثقافة مع مجلس نقابة الفنانين التشكيليين على تخصيص ميزانية خاصة لتطبيق قانون جائزة الدولة للإبداع… كما أسفر الإجتماع عن تعديل القانون الحالي بتخصيص 2٪ من قيمة المباني العامة للتجميل بحيث تندرج هذه النسبة حسب قيمة المبنى… كما أسفر الإجتماع كذلك عن عدة إجراءات لتطوير بعض الوحدات الفنية وأحقية النقابة في الترشيح لجائزة الدولة في الفنون مثل النقابات الأخرى… وغير ذلك من الإجراءات التي تخدم القطاعات الهامة من قطاعات الثقافة ومنها الفنون التشكيلية والمسرح والسينما والآداب والعلوم الإجتماعية… وتبقى العمارة بعد كل ذلك بعيدة عن الأضواء مع أنها كما يقولون أم الفنون… ويظهر أن أولادها قد نسوها أو تناسوها. فالعمارة حتى الآن لم تجد من يرعاها من أجهزة الثقافة, أو من غيرها من الهيئات أو المؤسسات… فهي في وزارة الثقافة دائما على الهامش من قطاع الفنون. وهي في غيرها من الوزارات ليست إلا عملاً هندسياً كغيرها من مجالات الهندسة الإنشائية أوالكهربائية أوالميكانيكية… فمحنة العمارة في مصر أنها تتردد بين الهندسة والفن… وإذا كانت هي في واقع الأمر تعتبر نتيجة لتكامل الهندسة مع الفن إلا إنها مع ذلك لم تحظ برعاية الفنانين من ناحية أو المهندسين من ناحية أخرى… فالمعماري وهو يدرك قيمة العمل المعماري يسعى دائما إلى أن ينتمي إلى جماعة المهندسين ويحمل لقبهم حفاظا على كيانه في المجتمع… فلقب المعماري عنده هو أقل شأنا وأحط قدراً… من لقب المهندس, ولذلك أراد أن يحتفظ بكلا اللقبين وهما المهندس المعماري. والعمارة في مفهوم الدولة يرعاها قطاعان.. الأول في القطاع الهندسي حيث توجد شعبة للعمارة في نقابة المهندسين, والثاني في القطاع الفني أوالثقافي حيث توجد لجنة للعمارة بالمجلس الأعلى للثقافة… هذا بخلاف جمعية المهندسين المعماريين التي تؤكد من مسماها إلتصاق العمارة بالهندسة. وإذا كانت وزارة الثقافة تسعى إلى نشر الثقافة من جميع أبوابها, فالعمارة في الواقع هي أوسع الأبواب جميعا… فهي المحتوى البنائي الذي يعيش داخله الإنسان ويتحرك خارجه… هي البيئة المعمارية التي تشكل كيانات المدن والقرى… هي تجسيم لمتطلبات الشعب أو رغباته الحياتية… هي تعبير عن حضارته وثقافته. فإذا هبط المستوى الفني للعمارة هبطت معه كل مقومات الحضارة ومنها كل الفنون الأخرى… فما أهمية إنفاق 2٪ من قيمة مبنى قبيح على أعمال فنية تحاول تجميل المبنى… والمباني لا تجمل بالأعمال الفنية, ولكنها تجمل بمقوماتها التشكيلية. وتأتي الأعمال الفنية مكملة لهذه المقومات وليست أساسية. فالفن في العمارة المصرية هو العمل المتكامل مع التشكيل الفراغي للمبنى وليس لوحات تغطي جدرانه أو قطعا فنية تثري أركانه.

وإذا كانت وزارة الثقافة تسعى إلى نشر الوعي الفني عند المواطنين، فليس هناك باب أوسع من باب العمارة التي يعيش بين أركانها… فالعمارة هنا بتشكيلاتها الفراغية وكتلها الحجمية وأثاثها الداخلي المتكامل مع إنشائها… العمارة بتراثها وقيمها الحضارية. فإذا كان هناك اتجاه لإقامة معرض سنوي للإنتاج الفني التشكيلي فالأولى أن يقام هذا المعرض خلال معرض أكبر للإنتاج المعماري إذا إعتبرنا الأعمال الفنية تستخدم في تجميل المباني من الداخل أو الخارج.

وإذا كانت هناك نية للترشيح لجائزة الدولة للإبداع الفني فالأولى أن يكون ذلك في إطار جائزة الدولة للإبداع المعماري. فالقادم إلى مصر يرى حضارتها في مبانيها أكثر مما يراها في القطع الفنية التي تعلق على جدران معارضها الفنية. العمارة هنا هي المحيط الفني للمجتمع… هي الفن الشعبي الذي تجسده يد العامل ويوجهه صاحب العمل… هي الفن المفتوح. هي المعرض الدائم. فالعمارة ليس لها مواسم للعرض, وليست نماذج مستترة في مكان معين يؤمه علية القوم من المجتمع أوالجاليات الأجنبية. وأحسب أن وزير الثقافة الجديد… وهو فنان تشكيلي عمل وعاش في باريس, كما عمل في روما, لأقرب الناس إلى إدراك هذه الحقيقة الحضارية… فلا أقل من أن ينشأ في وزارته الجديدة جهازا يختص برعاية الأعمال المعمارية, على غرار الأجهزة الأخرى التي تختص برعاية الأعمال التشكيلية والمسرحية والموسيقية… وعلى المعماريين من ناحية أخرى أن يقيموا لأنفسهم نقابة ترعى مصالحهم كنقابة الفنانين التشكيليين, لاسيما وأنهم يربطون بين الهندسة والفن, فلاهم مهندسون ولاهم تشكيليون… بل هم فنانون مادتهم الحجر والطوب والخرسانة يستخدمونها في تلبية متطلبات الشعب وتحقيق رغباته الثقافية والإجتماعية والنفسية… فهل هناك ما يفوق العمل المعماري قدراً ؟؟

word
pdf