العمارة فى الاسلام

العمارة فى الاسلام2019-11-21T13:18:30+00:00

العمــــــــارة في الإســـــــــــــلام


أ.د. عبد الباقى إبراهيم

 

استمراراً لإشكالية تسمية العمارة الإسلامية والتي قد نوقشت في العديد من الاطروحات والمقاولات على صفحات المجلات أو الكتب سواء ما صدر منها في العالم العربي أو العالم الإسلامي. فقد اعترض عدد من المفكرين المعماريين على هذه التسمية التي تصف العمارة بالإسلامية في حين أن العديد من نماذجها التراثية تتعارض مع القيم والتعاليم الإسلامية.

وحاول البعض أن يطلق عليها عمارة المسلمين كبديل للعمارة الاسلاميه ولكن من الظاهر أن مفهوم العمارة الإسلامية كما ورد في العديد من المراجع ينحصر في تلك العمارة المتميزة التي أنشئت في العصور الإسلامية المختلفة وفى هذه المنطقة المحددة من العالم المسماة بالعالم الإسلامي. وبذلك تم حصر هذا المفهوم في زمن معين ومكان محدد. وانتقل الجدل بعد ذلك عن المضمون في هذه العمارة بعد أن كانت تعتمد في تحليلها وتقويمها وعرضها على الشكل بغض النظر عن المضمون، هذا فى الوقت الذي بدأ فيه الإسلاميون يبحثون عن المضمون الإسلامي في هذه العمارة واعتبار الشكل غلافاً ليتضمن هذا المضمون.

وبدأ البحث في هذا الاتجاه بحثا عن المضامين الإسلامية فيما يسمى بالعمارة الإسلامية حتى يمكن وصفها بالوصف المناسب لها. فوجد أن كثير من المباني التراثية المسماة بالعمارة الإسلامية لا يحمل المضمون الإسلامي مثل الأضرحة أو غيرها. وأمتد البحث عن النظرية الإسلامية في العمارة بإعتبار أن الإسلام دين كل مكان وزمان ولا يجب أن تنحصر إنجازاته العمرانية في زمن معين أو مكان محدد. من هنا كان الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة المحمدية وأقوال السلف الصالح في كل ما يرتبط بالعمارة والتعمير سواء جاء ذكره نصاً أو جاء بالقياس عن القيم والتعاليم والمبادئ الإسلامية.

وقد بدأ تحليل العمارة التراثية من جانبين جانب المضمون وجانب الشكل بإعتبار أن المضمون ثابت لا يتغير ولا يحدده مكان أو زمان ولكن الشكل يتغير بتغيير الزمان والمكان وإن كان في حد ذاته مرتبط بالمضمون من ناحية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي أفرزته من ناحية أخرى. ومن الواضح أن نماذج العمارة التراثية التي ظهرت على مدى ما يسمى بالعصور الإسلامية تمثل عمارة الخاصة من الأمراء والولاة من قصور وقلاع ومساجد ومدارس وأسبله، و استخدمت فيها كل الإمكانيات في حرفة البناء التي ازدهرت في هذه العصور، حتى أن أحدهم- أحمد بن طولون- أستقدم معماري من العراق لينبى له مسجده في القطائع على النمط السائد في العراق في ذلك الوقت كأول عمل له عند بداية حكمه لمصر. وقد كان هناك شك في مصادر بناء المسجد الآمر الذي حدى بالمسلمين إلى مقاطعة الصلاة فيه- حسبما يقال- أحد عشر عاماً.

ويحتل المسجد مساحة كبيرة هي أكثر من الطاقة الاستيعابية المناسبة في ذلك الوقت ويعنى هذا المثل-وغيرة- أن كثيراً من هذه المباني الثابتة التي تعكس مدى الإبداعات الفنية والحرفية كانت موجهه من خاصة الأمراء الولاة تخليداً لأمجادهم التاريخية إلى درجة أن الوالي إذا ما تمكن من الحكم يبدأ في بناء ضريح له ملحق بمسجد. وهكذا ضاعت المضامين الإسلامية في هذا الزحم من الإبداعات المعمارية التي ظهرت على مر هذه العصور كما تنشر عنه الكتب والمجلات المحلية والأجنبية ولاشك أنها نماذج تعبر عن مدى الإرتقاء بحرف البناء والزخارف في هذه الحقبة من الزمان، مع أن العديد منها لا ينمكن أن يوصف بالإسلامية.

وإذا كانت العمارة في أي عصر تعكس صورة المجتمع المعاصر لها فإن عمارة هذه الحقبة من الزمن لا تعكس بصدق صورة المجتمع المعاصر لها حيث كانت الأحداث من صنع الأمراء والولاة ولم يكن المجتمع مشاركاً فيها، ونظرة واحدة إلى التركيبة العمرانية لبغداد المنصور تعبر عن الإنفصال الكامل بين الحاكم والمحكوم. ومن هنا كان مضمون ما يسمى بالعمارة الإسلامية خارجاً عن مصداقيته ولذلك كان البحث عن تعبير آخر مثل عمارة المسلمين. وإن كان هذا التعبير أيضاً لا ينطبق بكل أبعاده على هذه النماذج المعمارية المسماة بالعمارة الإسلامية التي لا تمثل تمثيلا حقيقياً مجتمع المسلمين. وهنا كان البحث عن تعبير آخر هو أقرب إلى المضمون الإسلامي في العمارة، وهو العمارة فى الإسلام ويعنى ذلك إستنباط كل القيم الإسلامية من القرآن الكريم والسنة المحمدية وكتب السلف الصالح في استبيان كل ما يخص البناء والتعمير والعمارة سواء كان بالنص أو بالقياس. فإذا كانت الوسيطة في الإسلام هي الحاكم لكل تصرفات المسلم في سيرة وأكلة ومشربة وحديثه ومعاملاته فهي بالتالي القيم الأساسية التي تحكم البناء والتعمير والعمارة. وإذا كانت النظم الرأسمالية مبنية على الفردية وبالتالى عمارتها والنظم الإشتراكية مبنية على أساس الجماعية فإن نظام الوسطية يجمع ما بين الفردية والجماعية وهذا يظهر في الشكل الخارجي للعمارة الذي يهم الجماعة التشكيل الداخلي الذي يهم الفرد…وهذه الصيغة تحكمها أسس التصميم الحضري للمكان مع التقييد بالمضمون الاسلامى في التصميم كما في تصميم المسجد أو المسكن أو غير ذلك.

والوسطية أيضاً تحكم أسلوب التعامل مع المبنى دون إسراف أو تقتير في اختيار المواد أو الزخارف أو نظام الإنشاء أو غير ذلك من العناصر المكونة للمبنى التي تصمم على قدر الحاجة إليها دون افتعال أو تفاوت كبير بين الطبقات المستعملة وذلك بثبات المضامين الإسلامية مع إختلاف الشكل بإختلاف المكان- أي مكان- فلكل مكان خصائصه البيئية والعمرانية والحضارية والثقافية الممتدة على مدى التاريخ- الأمر الذي يربط بين الأصالة والمعاصرة التي تعبر عن شخصية المكان.

إن موضوع العمارة في الإسلام يعتبر ذلك أكثر إلماما بالمضمون وأكثر تعبيراً عن المنظور الإسلامي للنظرية المعمارية، وأكثر أتساعاً على المستوى العالمي دون تقيد بالمكان، وهو المنهج الصحيح الذي يجعل وصف العمارة الإسلامية أكثر وضوحاً في تقديم المضمون الثابت على الدوام عن الشكل المتغير بتغيير الزمان والمكان.

word
pdf