العمارة فى معرض القاهرة الدولى

العمارة فى معرض القاهرة الدولى2019-12-03T15:05:26+00:00

العمارة فى معرض القاهرة الدولى 

للكتاب … خارج المنافسة ‍ !

الأهرام الاقتصادى 

المتتبع للبرنامج الثقافى الذى نظمته هيئة الكتاب على مدى أسبوعين هى فترة معرض القاهرة الدولى للكتاب فى المدة من 4-17/1/1992 يلاحظ أن البرنامج قد تطرق لكل مجالات الفن والفكر والابداع فيما عدا العمارة المصرية التى لم تصبح فنا أو فكرا أو ابداعا … فالبرنامج غنى بالندوات والمناظرات والحلقات الدراسية ولقاءات فكرية ثم الأمسيات الشعرية والموسيقية والعروض الفنية.. والعمارة فى كل ذلك خارج المسابقة … ومن أهم هذه الأنشطة سلسلة ندوات خاصة بالثقافة العربية فى عالم متغير ، والتى تنتقل من موضوع لأخر على مدى أيام المعرض … يوم تناقش الثقافة العربية فى ظل النظام العالمى ويوم تناقش الثقافة العربية فى عالم متغير . ويوم تناقش مستقبل الرواية العربية . ويوم للمسرح العربى ، يوم للسينما ، ويوم للنقد الأدبى ، ويوم للفكر الفلسفى . ويوم للفكر السياسى . ويوم للفكر الاقتصادى ، ويوم للاعلام . ويوم للشعر ويوم للفكر العلمى . ولا يوم للعمارة ، ويعنى ذلك أن العمارة كفن أو علم أو اجتماع أو اقتصاد لم ترد على ذاكرة أى من المسئولين عن التنمية الثقافية فى مصر … فالعمارة بالنسبة لهم لاوجود لها فى عالم الثقافة أو عالم الكتاب فالكتب المعمارية فى مصر لا تعد الا على أصابع اليدين بينما الانتاج الفكرى فى الأدب والشعر والاقتصاد والاجتماع والسينما والمسرح والنقد الأدبى والتراث وكافة العلوم الأخرى لاحد له . فاذا كان المعرض يضم 3 مليون كتاب و 5ر4 مليون عنوان فكم منها يضم الانتاج الفكرى المعمارى العربى وأى مستوى من الفكر.  من الغريب أن نقدم الى الجامعات العربية عشرات من الرسائل الجامعية التى تذخر بالمواد العلمية فى مجال العمارة والتخطيط العمرانى ولا يفكر أحد من الناشرين فى نشر بعضها وذلك يرجع الى آليات السوق التى لا وجود فيها للكتب المعمارية ربما لتخلف الوعى عند العامة كما هو متخلف عند الخاصة من المسئولين عن الثقافة المعمارية … وربما لأن البحوث المعمارية تعالج مواضيع أكاديمية أو فلسفية بعيدة عن الواقع الحضارى للمجتمعات العربية. وهى بذلك تفقد بعدها الثقافى الذى يصل الى جماهير القراء كغيرها من مجالات الفنون والآداب والعلوم. وهنا تتحمل الجامعات جانبا من هذا القصور فى التأليف والنشر كما تتحمله المنظمات المعمارية والهيئات الثقافية وأخيرا تتحمله دور النشر التى تسعى الى الانتاج السريع الذى لا يعدو أن يكون جمع الكلمات لقصة أو قصيدة أو لكتاب اقتصاد أو اجتماع لا صورة فيها ولا رسم ولا لون فيها ولا رائحة. واذا كان فى المجلس الأعلى للثقافة لجنة خاصة بالعمارة وفى ذلك اعتراف رسمى للدولة بأهمية الثقافة المعمارية أكثر منه اعتراف عملى. فإذا كان هناك مجلة للمسرح وأخرى للابداع وثالثة للكواكب … وغيرها فلماذا عجزت وزارة الثقافة أو غيرها عن اصدار مجلة معمارية  أو حتى عن نشر كتاب معمارى واحد وهل عجزت وزارة الثقافة عن تنظيم معرض معمارى على مستوى العالم العربى أو العالمى كمعرض الكتاب تعرض فيه مختلف الانتاج المعمارى فكرا أو كيفا أو مشاريعا … ويصاحبها برنامج مشابه، بذلك الذى يصاحب معرض الكتاب الدولى تناقش فيه مستقبل العمارة العربية فى ضوء المتغيرات العالمية. 

وهل العمارة وهى أم الفنون بعيدة عن الثقافة التى تناقشها ندوات معرض الكتاب فى ضوء المتغيرات العالمية. واذا كانت مصر وهى أغنى الدول العربية ان لم تكن من أغنى الدول العالمية احتوائا للعمارة التراثية التى أفرزتها الحضارتين الفرعونية والاسلامية وهى تعتز بأن أحد أبنائها المعاصرين وهو المعمارى المرحوم حسن فتحى قد نال من تكريم العالم مالم يكرم به أحد من قبل أو من بعد … كما تعتز بغيره من المعماريين العرب الذين يجاهدون بكل الطاقات الممكنه لانتاج عمارة محلية تعكس الخصائص الحضارية والبيئية للمنطقة وذلك بالرغم من المنافسة القوية التى يواجهونها من المعماريين الأجانب الذين يغزون السوق المعمارية المحلية من خلال المعونات والمنح الأجنبية ومع ذلك فالدولة لا ترعى العمارة المصرية والمعاصرة كما لا ترعى المعماريين بنفس مستوى الرعاية التى يلقاها الممثلون والمطربون الذين تمتلىء بهم شاشات التليفزيون صباحا ومساء يتحدثون عن الموضوع أو النص فى التمثيل أو عن الكلمة واللحن فى الغناء أو عن الحب تارة وأزمة الأغنية تارة أخرى. فهل تقل أزمة العمارة شأنا عن أزمة الأغنية ؟ وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل عن التخلف الثقافى الذى يصيب المجتمع المصرى. إن العمارة دائما خارج المنافسة. 

من الصعب ترك هذه القضية دون تحميل المعماريين فى مصر مسئولية التخلف الثقافى الذى أصاب العمارة المصرية ليس فقط فى بناء الفكر المعمارى ولكن أيضا فى الممارسة بالرغم من الاجحاف الذى تواجهه بسبب القوانين واللوائح التى تحد من الابداع والابتكار حيث يعامل الانتاج المعمارى وهو نتاج فنى وهندسى معا معاملة توريد المواشى وأدوات النظافة . والمنظمات المعمارية المتمثلة فى لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة وجمعية المهندسين المعماريين بوصفها عضوا فى الاتحاد الدولى للمعماريين وشعبة العمارة بنقابة المهن الهندسية لم تتكاتف معا فى حملة واحدة لحمل المسئولين عن التشريعات على تعديل القانون الذى يحد من الابداع المعمارى من ناحية وحمل المسئولين عن ممارسة المهنة على احكام  الرقابة على الانتاج المعمارى من ناحية أخرى حتى لا تكون هناك حجة لأحد لوجود بعض التسيب فى الممارسة المعمارية. 

إذا كانت وزارة الثقافة ترعى الأفرع المختلفة من الثقافة من سينما ومسرح وموسيقى وكتاب من خلال أجهزة تنفيذية ومعاهد متخصصة فانها لا ترعى العمارة الا من خلال لجنة لا حول لها ولا قوة بلا أى أجهزة تنفيذية خاصة بها وعلى الجانب الأخر نجد وزارة التعمير عامرة بالأجهزة التنفيذية لانشاء المشروعات العمرانية والمعمارية ومع ذلك ليس لديها أى لجنة ترعى الثقافة المعمارية من خلال ما تقيمه الوزارة من مشروعات وهكذا تضيع العمارة بين وزارة ووزارة لا تجد من يرعاها … ويبقى الأمل بعد ذلك فى الجامعات التى تقصر دورها على العملية التعليمية بسلبياتها وايجابياتها والأمل هنا أن يمتد دورها الى إثراء الثقافة المعمارية الى خارج أسوار الجامعات من خلال الندوات والمعارض ونشر البحوث والدراسات التى تتضمنها الرسائل العلمية بعد مراجعتها وإعدادها للنشر إن وجد الناشر سواء فى هيئة الكتاب أو فى غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة ، حتى يظهر الكتاب المعمارى العربى بصورة مشرفة كيفا وكما تؤهله لدخول المنافسة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.

word
pdf