العمارة في دائرة الثقافة

العمارة في دائرة الثقافة2019-11-17T09:41:28+00:00

العمارة في دائرة الثقافة

دكتور عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

يقولون أن العمارة أم الفنون بصفتها الوعاء الذي يحتضن كافة الفنون من رسم ونحت وتصوير وموسيقى ورقص ومسرح وسينما ومع ذلك فإن دائرة الثقافة التي تضم كل هذه الفنون سواء في المعارض أو من خلال المهرجانات أو على صفحات الجرائد والمجلات دائماً ما تهمل هذه الأم الحنون التي تمثل الوجه الحضاري للمجتمع متمثلاً في العمران الحضري والريفي. فثقافة العمران في مصر لا وجود لها في دائرة الثقافة العامة التي تضم كل الفنون الأخرى وإذا كان هناك من المؤسسات الثقافية ما ترعى الفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والسينما فليس هناك مؤسسة واحدة ترعى الجانب الثقافي للعمران في مصر والذي ليس له صاحب يرعاه بالعمران من الناحية الإنشائية يخضع لقوانين ولوائح ونظم البناء السائدة والتي لا تفرق بين الغث والثمين ومن الناحية التعليمية يخضع لمختلف النظريات الفكرية التي يصدرها الغرب للدول النامية مع ما يصدره لها من سلع. ومن الناحية الإعلامية فلا يوجد للثقافة العمرانية الصفحات المتخصصة مثل الصفحات المخصصة للثقافة والمسرح والسينما والفنون التشكيلية مع أن العمران هو المحتوى الفراغي الذي يعيش فيه الإنسان سواء في داخل المبنى أو خارجه فالعمارة هنا هي أقرب الفنون إلى وجدان الإنسان الذي يلمسها طوال حياته اليومية ليلاً ونهاراً.. وهي الأكثر أثراً على سلوكياته وأخلاقياته في حركاته وسكناته وهي العامل المؤثر في حالته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وإذا كانت الدولة تحاول أن تجد الصيغة التي يرتقي بها عمران مصر ثقافياً فيما يطلق عليه بالتنسيق الحضاري ( أي الحضري ) فإن تشابك الاختصاصات بين الأجهزة التنفيذية يجعل تحقيق هذا الهدف مستحيلاً إلا إذا توفرت له الآليات القادرة كما هو الحال في الدول المتقدمة، فوزارة الثقافة يمكنها أن تضع الأسس المنظمة للتنسيق الحضري ووزارة الإسكان تضع اللوائح والقوانين المنفذة لهذه الأسس والإدارة المحلية في المحافظات تضع الآليات القادرة على تنفيذ هذه القوانين ومعها قوانين البيئة التي تعالج التلوث البصري في المدن. وهكذا تخرج ثقافة العمران من عباءة الأسس النظرية إلى قوالب القوانين واللوائح والإجراءات التنفيذية في منظومة متكاملة لن يسعفها التنظيم الإداري للدولة بصورته الحالية ولكنها مسئولية البلديات كما في كل بلاد العالم.
والدعوة هنا إلى الأدباء من أصحاب الفكر والقلم وفنانين مصر والمتخصصين للاجتماع مع المعماريين والمخططين لوضع القواعد والآليات التي تعمل على إعادة التوازن للبيئة العمرانية للمدن والقرى المصرية بعد ما أصابها من تدهور لا يتناسب مع التاريخ الحضاري لمصر.

word
pdf