العمارة والمعمار خارج دائرة الحوار

العمارة والمعمار خارج دائرة الحوار2019-11-11T07:50:09+00:00

العمارة والمعمار خارج دائرة الحوار

دكتور /عبد الباقي إبراهيم

 

 

انتهى المهرجان الثقافي الذي صاحب المعرض السنوي للكتاب بعد أن شهد لقاء المثقفين بالسيد رئيس الجمهورية وعرضوا عليه ما تيسر لهم من تساؤلات واهتمامات في مختلف المجالات إلا ما يخص مستقبل العمران في مصر وهو من أخطر التحديات التي ستواجهها مصر في القرن الواحد والعشرين. وبعد ذلك عقدت الندوات العلمية واللقاءات الفكرية التي ناقشت مختلف الجوانب الثقافية من سينما ومسرح وموسيقى وغناء وقصة وشعر وطب وإقتصاد وآفاق مستقبلية وتكنولوجية شارك فيها كبار المفكرين والمثقفين والأدباء والشعراء والفنانون والعلماء ولم نشاهد في كل ذلك اهتماماً بشئون العمارة ومستقبل العمران فقد سقط سهواً من اهتمام المثقفين كما سقط في الأعوام السابقة وكأن العمارة والعمران لا تهم إلا عمال البناء والمقاولين وليس لها علاقة بالصورة الحضارية والثقافية للدولة، مع أن العمارة كما يقولون هى أم الفنون وهى مرآة التحضر للشعوب وهى الفن المحيط بالإنسان في كل مكان. والعمران هو الحيز الذي يستوعب حركة الجماهير ويشكل سلوك البشر مؤثراً فيه ومتأثراً به. هو الشارع والحديقة هو المسكن والمدرسة هو السوق والمسجد هو الأثر والتاريخ هو مسرح الحياة على مر الزمان هو مخزون الحضارة عند الإنسان. كل ذلك يسقط من اهتمامات المثقفين الذين لم يعد يعنيهم القبح الذي أصاب الشارع ولم يعد يهمهم زحام البشر وتلوث البيئة والبصر.

والجماهير من جانب آخر قد تعودت على التلوث البصري والبيئي وتعايشت معه فلم يعد تعنيها القيم الجمالية ولا يهمها الملامح المعمارية، فهي لم تتعلمها ولم تفهمها ولم تتفاعل معها بسبب ضمور الثقافة المعمارية وغياب التوعية الحضارية. فالزحام قد أفقدها الوعي بالمكان، فكل فرد يسعى لحاله ويتسابق لقضاء حاجاته راكباً أومترجلاً فلم يعد للحياة عنده أي مذاق ولم تعد للجماليات عنده أي معنى، فهو لايرى إلا ما تحت قدمه تحسباً لأي خطر إذا كان مرتجلاً ولا يهمه إلا السلامة إذا كان راكباً في زحام السيارات، فالتمثال والنافورة في وسط الميدان بالنسبة له مجرد علامة، والحدائق العامة قد أغلقت في وجهه بعد أن أحيطت بسياج عالية تمنعه من دخولها، ووسائل الإعلام تحاول أن ترفه عنه بالأغنية السريعة النغم التي تتناسب مع الإيقاع السريع لحركته. فالإنسان أصبح كالدمية تحركه آليات الحياة سواء أكان يسكن المناطق العشوائية التي أقيمت في غيبة القانون أوالمناطق العشوائية التي أقيمت بقانون فجميعها تعاني من أمراض الزحام وقد ضاق المكان بالبشر والسكان وكأن لم يعد في مصر أي مساحة للعمران والدولة من جانبها تحاول أن تمد الجماهير بإحتياجاتها اليومية فتوفر لها المساكن والمدارس والجامعات وتسمح لها بالمراكز التجارية والإدارية والخدمات المرورية والترفيهية حفاظاً على السكان من أن يهجروا المكان في غيبة من الإستراتيجية الخاصة بالإستيطان خارج الوادي الذي ضاق بمن فيه.

كل ذلك يتم وعلماء العمارة والعمران يتفرجون ولا يتحركون فقد غشاهم الصمت والسكون وكأن الأمر لم يعد يعنيهم إلا إذا وكلت لهم بعض الأشغال، ففي هذه الحالة تجدهم يهرولون ويتسابقون، ينافقون ويتضاربون لا تهمهم القيم الحضارية ولا تشغلهم الأصول الفنية فينتج هذا العمران الذي تجده في كل مكان يحمل ملامح التخلف والإنهيار مع تعدد الأشكال والألوان. فلا مكان لنقد النقاد ولا رقابة من الرقباء، فالساحة مفتوحة للإرتجال. هنا يتوقف الإنتاج الفكري من النشر والتأليف في العرض والتثقيف ويخلوا معرض الكتاب من الإنتاج المحلي من كتب العمارة إلا فيما ندر أوفيما يعرض فيه من كتب منقولة يخجل له الجبين العلمي والفني وهنا يعرض المسؤولون عن المعرض عن تخصيص الندوات واللقاءات الفكرية التي تناقش شئون العمارة والعمران.

وإذا كان هناك قصور من جانب أصحاب المهنة فلا أقل من أن يتصدى لها المثقفون والمفكرون الذين يتعايشون ويتعاملون يومياً مع العمارة والعمران.
وإذا كان هناك قصور من المسؤولين عن ثقافة الجماهير فلا أقل من أن يقوم أصحاب القلم والإعلام بالتوعية والتنوير ونشر ثقافة العمران. وإذا كان معرض الكتاب قد أغفل الندوات الخاصة بهذا المجال فهل يمكن للتلفزيون والصحافة أن تقدم البديل في صورة حلقات أسبوعية تناقش ما يخطط له من مشروعات عمرانية مثل مشروع تطوير القاهرة التاريخية أومشروع المتحف الكبير المزمع إنشاؤه عند سفح الهرم أومشروعات العشوائيات أومشروعات الإسكان إعادة التوازن للبيئة العمرانية للمدينة المصرية أومشروع الأوبرا المزمع إنشائها في ميدان الأوبرا القديمة أوغير ذلك من المشروعات التي تعيد إلى المدينة أو القرية المصرية وجهها الحضاري الذي فقدته على مدى النصف قرن السابق. هل يمكن مناقشة الإستراتيجية القومية للإستيطان خارج الوادي لمواجهة خطر التكدس السكاني بالإنتشار العمراني وكيفية تفعيل دور المدن الجديدة في هذا المجال.

إن مناقشة هذه الموضوعات والمشروعات لا تقل أهمية عن مناقشة موضوعات مثل العولمة والخلع أو التصدير والإستيراد وآفاق السياحة وتنمية الصعيد … إلخ .
الرأي العام يحتاج للمشاركة في إتخاذ القرار خاصة في المشروعات التي تزمع الدولة القيام بها قبل أن تنزل عليه فجأة من السماء.

word
pdf