العمـارة والثقـافة

العمـارة والثقـافة2019-12-11T13:37:23+00:00

العمـارة والثقـافة

د . عبد الباقى إبراهيم

 

الأهرام 2/2/ 1982 

دائماً ما تتردد  العبارة التى تقول إن العمارة أم الفنون حيث تحتوى الفنون التشكيلية والموسيقية والمسرحية  ولكنها فى واقع الأمر لم تعد كذلك بعد أن فقدت العمارة المعاصرة مقوماتها الحضارية .. وإذا كانت العمارة على مر العصور تعتبر المرآة التى تنعكس على صفحاتها الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والثقافية للمجتمعات فى كل عصر ، وإن كانت فى الوقت الحاضر قد فقدت مقوماتها الحضارية فهى بذلك تعبر عن فقدان المجتمع لجانب من مقوماته الثقافية .
فالعمارة المعاصرة لم تعد جزءاً من الكيان الثقافى للمجتمع بل قوالب من الخرسانة والطوب والبياض تؤدى وظيفتها المادية دون مراعاة للجوانب الحضارية ، فالإنسان المعاصر لم تعد تهمه العمارة بقدر ما تهمه الأغنية أو الرقصة أو الصورة أو القطعة الموسيقية .. من هنا كان إهتمام وسائل الإعلام بهذه الجوانب التى أصبحت المحرك الأول للحركات الثقافية فى الدول النامية – وبقيت العمارة المعاصرة بعد ذلك بعيدة عن الصورة .. لا يهتم بها أبناؤها ولا يرعاها أهلها.

إن إرتباط العمارة بالثقافة ليس إرتباطاً وجدانياً أو معنوياً ولكنه كذلك إرتباط عضوى ، ففيها يعيش الإنسان بجسمه ووجدانه معاً ، والتعايش بين الإنسان والعمارة هو تعايش مستمر سواء فى مكان السكن أو مكان العمل أو مكان الترويح عن النفس .. فالعمارة إذن هى حيز يحتوى الإنسان حركته الداخلية أو الخارجية ..

وإرتباط العمارة بالثقافة كذلك إرتباط علمى يعرفه الخاصة و العامة .. هى ملتقى العلوم الهندسية فى الإنشاء والبناء .. فى المواد والتجهيزات وهى ملتقى العلوم الفنية فى التأثيث والتنسيق فى التكوين والتشكيل ، فهى فعلاً أم الفنون خاصة إذا كانت ملتزمة بالخط الإسلامى فى تصميمها وتخطيطها .. فأين كل هذا مما يقام أو يقال ..

إن العمارة عند المثقفين حضارة تشيّد .. وعند العلماء تاريخ يكتب .. وعند الحكماء كتاب يقرأ ، وعند الحكام صروح تبنى .. وعند المتخصصين إنجاز وإبتكار .. فأين كل هذا مما يقام أو يقال ..
طالما نسمع عن الجوائز الأدبية والمعارض الفنية .. والمهرجانات الوطنية والإقليمية للسينما والمسرح والموسيقى .. وطالما نرى الأضواء تسلط على الآهات والرقصات .. وطالما نقرأ الصفحات فى الصحف والمجلات عن الممثلين والمثالين وعن الشعراء والنثريين ، والعمارة فى كل ذلك مهجورة متروكة ليس لها من راع أو معين .. وعند الخاصة مورداً للرزق .. وعند الحاكمين نصباً تقام ..
يقول المتخلفون إن العمارة للمعماريين وهى بذلك لا تحتاج إلى عون أو معين .. بينما يرى المتقدمون أن العمارة لكل المجتمع وكل المواطنين .. فهى الأولى بالرعاية والعناية لأنها مقياس التقدم .. ومعيار الاصالة والحضارة..

word
pdf