القاهرة في أكتوبر عام 2000

القاهرة في أكتوبر عام 20002019-12-10T14:34:26+00:00

القاهرة في أكتوبر عام 2000

الدكتور عبد الباقي إبراهيم   

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

القاهرة في 1/10/2000

 

اليوم هو الأول من أكتوبر عام 2000 والدولة تستعد لاحتفالاتها القومية, ولايزال الرقم 2000 وإن كان قد بدأ إستعماله منذ تسعة أشهر إلا إنه لا يزال غريبا على الأسماع فقد تعودنا على 1900 وكذا على مدى مائة عام انتهت في أول عام 2000, حتى ان الاستثمارات الرسمية والمكاتبات لا تزال تحمل الرقم 1900 بالرغم من الاعلام المستمر منذ أكثر من عام والاحتفالات الصاخبة التي انتشرت في أنحاء العالم للإحتفال بانتهاء أعوام 1900 وقدوم عام 2000.

لقد استعد العالم كله لهذه المناسبة الكبيرة بالعديد من الانجازات التكنولوجية والتي كان من أهمها توقف استعمال البنزين كوقود للسيارات الأمر الذي أحدث تحولا جذريا في صناعة السيارات في العالم مع إنتشار صناعة الوقود الجديد الذي لا يترك أثرا يلوث البيئة.. ومع ذلك لا تزال السيارات تتدفق في القاهرة الكبرى تنشر هذه السموم.. بعد أن انخفضت نسبة استيراد السيارات الجديدة من الخارج بدرجة كبيرة لعدم توفر الوقود الجديد في مصر.. الأمر الذي أضاف أعباء كبيرة على أصحاب السيارات التي بدأت تتقادم حتى أصبح إصلاح السيارات الخاصة ضرورة يومية وهو ما أدى إلى ازدياد انتشار الورش الصغيرة بشكل كبير في كل مكان حتى بدأ أصحاب البوتيكات يحولون محالهم إلى ورش لإصلاح السيارات وذلك بالرغم من الدعوات المستمرة التي أطلقها محافظو القاهرة على مدى الخمسين عاما السابقة منذ عام 1952 بضرورة تطهير القاهرة من هذه الورش في مجمعات صناعية خارج القاهرة والتي كان من نتائجها بناء عدد من ورش الاصلاح في صحراء مدينة نصر منذ عشر سنوات مالبثت أن أغلقت أبوابها بسبب سوء حالة الطريق الموصلة إليها حتى أصبح إصلاح السيارة يحتاج إلى إعادة بعد عودتها إلى القاهرة بسبب سوء حالة هذه الطرق وهناك اقتراح تدرسه الجهات المعنية في محافظة القاهرة يهدف إلى بناء مستوطنات لإصلاح السيارات تتوفر فيها مناطق الورش بجوار مناطق الإسكان والخدمات مع توفير وسائل النقل السريع إليها على شبكة سليمة من الطرق على نمط المستوطنات الجديدة التي زارها المسئولون في المحافظة منذ أكثر من خمسة عشر عاما في مدينة أنقرة بتركيا.. أثناء انعقاد المؤتمر الثالث لمنظمة العواصم والمدن الإسلامية في ذلك الوقت.

وبهذه المناسبة فقد بدأت آثار تلوث البيئة بسبب عادم السيارات تظهر بصورة خطيرة على الهياكل الإنشائية للمباني التي تقع على جوانب الكباري العلوية التي أصبحت تغطي معظم التقاطعات الرئيسية في القاهرة الكبرى. وهناك اقتراح بالاستعانة بخبراء البيئة اليونانيين الذين عملوا على إنقاذ معبد الأكروبوليس الذي يقع على هضبة عالية وسط أثينا بعد بداية تحلل مواد بنائه من أثر تلوث البيئة في العاصمة اليونانية منذ عشر سنوات وإن كانت نسبة هذا التلوث تقل عن نصف نسبة التلوث في القاهرة الآن عام 2000 وقد صحب ظاهرة تأثر الهياكل الإنشائية للمباني على جوانب الكباري العلوية بهذه الظاهرة ارتفاع في أزمة الإسكان حيث بدأ معظم سكان هذه المباني في هجرتها إلى خارج المدينة. وصحب ذلك بالتبعية هجرة الأنشطة الإدارية والتجارية المصاحبة لها والتي انتشرت بعد ذلك عشوائية خارج العاصمة بطريقة تشبه الإسكان العشوائي الذي كان يعالج بالمعونة الأمريكية منذ أكثر من خمسة عشر عاما في مناطق حلوان وعين شمس.
ونتيجة لهجرة معظم الأنشطة التجارية والإدارية والمالية والسكنية بدأ مثلث وسط القاهرة يعاني من هبوط اقتصادي ملحوظ بعد أن تفاقمت فيه مشاكل التلوث والمرور وانتظار السيارات والنقل والتفريغ وبالتبعية بدأت الجراجات المتعددة الطوابق التي أقامتها محافظة القاهرة في أواخر القرن الماضي في منطقة الوسط تعاني من هذه الظاهرة.. وهناك تفكير لإعادة استعمال بعض أدوارها كأسواق مجمعة لموازنة الهبوط التجاري الذي أصاب هذه المنطقة. وبهذه المناسبة تقوم محافظة القاهرة بدراسة إنشاء كوبري أعلى شارع رمسيس يوازي كوبري 6 أكتوبر أعلى شارع الجلاء ويمتد في اتجاه واحد مخترقا ميدان رمسيس ثم شارع رمسيس حتى ميدان العباسية وذلك بعد أن تم إنشاء الكوبرى العلوى فى الاتجاه الآخر أعلى مترو مصر الجديدة حتى محطة كوبرى الليمون مخترقا ميدان رمسيس حتى بداية كوبري 6 أكتوبر العابر للنيل. وهناك اقتراح آخر بمد الكوبري المقترح عبر ميدان التحرير أعلى شارع القصر العيني حتى مجرى العيون. ونظرا للضغط المروري الرهيب على طريق صلاح سالم فهناك اقتراح بإزالة الكباري العلوية على طوله من مصر القديمة حتى مطار القاهرة الجديد وإنشاء طريق علوي بطول هذه المسافة وبذلك تصبح القاهرة الكبرى أكبر مدينة في العالم تتمتع بالطرق العلوية والكباري.

ومن ناحية أخرى فقد فطنت هيئة الآثار إلى الآثار الوخيمة لتلوث البيئة على المباني الأثرية التي بدأت حالتها تتدهور بعد المجهودات الكبيرة التي بذلتها الهيئة منذ خمسة عشرة عاما وأنفقت فيها الكثير من الجهد والمال وبدأ التفكير في نقل المسجد القائم عند تقاطع شارع الأزهر بشارع بورسعيد إلى مكان آخر بعد أن وصلت حالته إلى درجة كبيرة من التدهور ولم يعد صالحا لأداء الصلاة فيه، وربما تستعمل هيئة الآثار مادة حديثة من البلاستيك لتغطية المباني الأثرية وهي مادة تم اكتشافها وتجربتها في إيطاليا في نهاية التسعينات. وبهذه المناسبة أصدرت محافظة القاهرة بعد الاتفاق مع هيئة الآثار أمرا بعدم تسيير المركبات الثقيلة في منطقة الجمالية حيث تتركز معظم الآثار الإسلامية.. وطلبت هيئة الآثار إعادة رصف الطرق الداخلية لهذه المنطقة بأحجار البازلت وترك قنوات لصرف مياه الأمطار والرشح في محاور هذه الطرقات على نمط رصف الطرق القديمة في أوروبا. ولكن الصعوبة لا تزال قائمة بسبب عدم الانتهاء من شبكة المجاري في هذه المنطقة والتي بدأ التفكير فيها منذ أكثر من عشرين عاما.. ومع ذلك فإن إنشاء الهيئة العامة لتطور القاهرة القديمة سوف يساعد على الارتقاء بهذه المناطق إذ يجري الآن إعداد الهيكل الإداري والتنظيمي والمالي لهذه الهيئة التي بدأ التفكير في إنشائها منذ عشرين عاما من الدراسات الادارية والتنظيمية والفنية وقد عاون البنك الدولي في هذا المجال إلى أن أصبح قيام هذه الهيئة ضرورة ملحة، وقد يعرض أمر إنشائها على مجلس الوزراء قريبا حتى تبدأ أعمالها في إطار الخطة الخمسية (2000/2005). وهناك اقتراح بأن تحتل الهيئة الجديدة لتطوير القاهرة القديمة مبنى إدارة جامعة الأزهر وذلك في ضوء المشروع الجديد الذي اقترحته إحدى المكاتب الاستشارية الأجنبية لامتداد جامعة الأزهر على المنطقة الجنوبية للجامع الأزهر بعد نزع ملكية منطقة الباطنية بأكملها وإحلال الفضيلة محل الرزيلة في هذه المنطقة الكبيرة التي استمرت أكثر من قرن مرتعا لتجار المخدرات دون أن يتخذ في أمرها قرار.
وفي نفس الاتجاه اقترح المكتب الاستشاري الأجنبي أسلوبا جديداً لتفريغ العاصمة من المنشآت الاقتصادية والخدمية بعد نقل وزارات التعمير والتخطيط والصناعة إلى مدينة السادات فاقترح نقل وزارات التموين والتجارة والزراعة إلى مدينة العاشر من رمضان ووزارات الصحة والتأمينات والقوى العاملة إلى مدينة 15 مايو. وأضاف في اقتراحه نقل جامعة عين شمس من العباسية إلى مدينة العبور التي بدأ العمل فيها منذ عشر سنوات بإنشاء شبكات الطرق والمرافق العامة مع بعض المنشآت المتفرقة من مباني الإدارة والخدمات. ويعلن قريبا عن فتح باب الحجز في المجاورة السكنية الأولى في مدينة العبور على طول الطريق الصحراوي الموصل بين القاهرة وبلبيس والتي تعتبر امتدادا طبيعيا لمدينة السلام التي أنشأت منذ عشرين عاما شمال المرج. أما منشآت جامعة عين شمس الحالية فهناك اقتراح من قبل وزارة الثقافة لتحويل مبنى الإدارة والحدائق المحيطة به إلى مركز ثقافي يحتوي على متحف لآثار أسرة محمد علي أما باقي الكليات فتتحول إلى مدارس للتعليم الأساسي والثانوي والفني يسد النقص في المنشآت التعليمية لمنطقة الوايلي والعباسية والقبة.

وعلى الجانب الغربي للقاهرة امتد شارع 26 يوليو ليعبر مدينة المهندسين حتى الطريق الصحراوي الموصل بين القاهرة والإسكندرية. ويعاد النظر حاليا في تخطيط المنطقة بين هذا الطريق شمالا حتى طريق الهرم جنوبا كمنطقة سكنية سياحية. وبهذا الشكل تبدأ المناطق المبنية للقاهرة الكبرى تطل على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي غربا كما تمتد على طريق القاهرة السويس شرقا حتى الكيلو 50 لتلتحم بنائيا بمدينة بدر التي بدأت تظهر بعض منشآتها على هذا الطريق. هذا بالإضافة إلى الزحف العمراني على الأراضي الزراعية في محافظة القليوبية بشمال ترعة الإسماعيلية وشبرا ويصل تعداد القاهرة الكبرى بذلك الآن وفي عام 2000 إلى حوالي 18,5 مليون نسمة وليس 16 مليون كما جاء في الدراسات التخطيطية التي وضعها الخبراء الأجانب في أوائل الثمانينيات منذ عشرين عاما.

وبهذه المناسبة تقوم الجهات المسئولة بالاتفاق مع مجموعة من المكاتب الاستشارية الألمانية لإعادة تقييم المخطط العام للقاهرة الكبرى الذي وضعه الفرنسيون منذ سبعة عشرة عاما وبالتحديد عام 1983. وتشير الدراسات الأولية للمجموعة الاستشارية الألمانية إلى أن امتداد مترو الأنفاق في الاتجاه الجنوبي الشمالي للقاهرة قد ساعد على امتداد المدينة أكثر شمالا بعد مدينة المرج. وتحاول المجموعة الألمانية توجيه امتداد مترو الأنفاق شمالا في المناطق الصحراوية مارا بمدينة السلام ثم مدينة العبور حتى يصل إلى مدينة العاشر من رمضان. وتعترض الدراسات الأولية للمجموعة الألمانية على المقترحات الفرنسية بمد شبكة مترو الأنفاق في الاتجاه المتعامد على العاصمة من شرقها إلى غربها تحت مجرى نهر النيل وذلك لعدة اعتبارات فنية توصلت إليها المجموعة من تقييمها للمرحلة الأولى من مشروع مترو الأنفاق سواء من ناحية التشغيل أو الصيانة أو المساهمة في حل مشاكل المرور في منطقة وسط المدينة. وتقترح المجموعة الألمانية انشاء حزام من خطوط المترو فوق الأرض حول القاهرة يتفرع منها عند محطات متعددة خطوط تصل السويس شرقا ومدينة العاشر من رمضان شمالا و15 مايو جنوبا و6 أكتوبر والفيوم غربا وهو مشروع طموح ربما تساهم فيه مجموعة الدول الأوروبية والبنك الدولي واليابان ويتم كهربة هذه الخطوط من شبكة كهرباء الضغط العالي بعد تنفيذ مشروع منخفض القطارة الذي بدأ الخبراء الألمان يضعون مواصفاته لطرحه في مناقصة عالمية.

أما على الجانب الإداري للعاصمة فيقترح خبراء البنك الدولي الذين يعملون حاليا في مشروع التنمية العمرانية في القاهرة منذ خمسة عشرة عاما… ضرورة ضم محافظة القاهرة ومدينة الجيزة وشبرا الخيمة في كيان إداري واحد بتأسيس المجلس التنفيذي للقاهرة الكبرى برياسة نائب رئيس مجلس الوزراء لإقليم القاهرة الكبرى ويضم سبعة وزراء للشئون البلدية والصحة والتعليم والنقل والمواصلات والأمن والتخطيط المحلي والتموين وذلك على ضوء الدراسات الأولية التي تقدر عدد سكان القاهرة الكبرى بعد خمسة وعشرين عاما من الآن أي عام 2025 بحوالي 28 مليون نسمة.

ونظرا للامتداد العمراني الكبير التي شاهدته القاهرة الكبرى حتى الآن في عام 2000 وعلى مدى عشرين عاما… فقد أصبح من المتعذر تشغيل مطار القاهرة الدولي الذي أنشأته الشركات الفرنسية والذي أصبح داخل الرقعة العمرانية للعاصمة. فمع التطور الذي طرأ على صناعة الطيران في العالم واستعمال أنواع جديدة من الوقود الأمر الذي أدى إلى استعمال طائرات أصغر حجما وأخف حملا وأكبر سرعة مما يزيد من معدل الرحلات في النقل الجوي وما يثيره ذلك من مشاكل مرورية في الأجواء العليا فقد قامت بعض الشركات الاستشارية اليابانية في إعداد دراسة أولية عن مستقبل الطيران في مصر وتوزيع شبكة المطارات الدولية والمحلية فيها بحيث تبدأ المرحلة الأولى منها بإنشاء مطار دولي قرب مدينة بدر على طريق القاهرة السويس وآخر قرب الكيلو 45 على طريق القاهرة الإسكندرية مع توفير رحلات منتظمة للتاكسي الطائر بين المطارين وذلك بالإضافة إلى المطارات المحلية مثل مطار بلطيم ليخدم شمال الدلتا بعد تنفيذ كورنيش البحر الأبيض بين دمياط ورشيد.

ومع الزيادة السكانية للقاهرة الكبرى وعدم وجود مناطق خضراء داخل التجمع السكاني الكبير لخلخلة الرقعة البنائية. يعد خبراء الدفاع الوطني دراسة هامة عن خطط الدفاع لهذا البحر الممتد من العمران البشري الأمر الذي يستدعي تفريع مناطق شاسعة في قلب المدينة خاصة في مناطق المدافن التي أصبحت داخل الرقعة العمرانية للمدينة وتحويلها إلى مناطق خضراء وإنشاء أحزمة أمان حول الأحياء السكنية وتقوم وزارة الرياضة- وهي وزارة جديدة أنشأت بعد الدورة الأوليمبية الرابعة والعشرين التي أقيمت في سيول عاصمة كوريا الجنوبية عام 1988- تقوم هذه الوزارة بالاستفادة من هذه الدراسات وذلك لإنشاء مناطق رياضية في أحزمة الأمان حول الأحياء السكنية مما سوف يساعد على تنمية هذه المناطق واستثمارها الاستثمار الأمثل الأمر الذي قد يغير من وجه القاهرة تغييرا واضحا عام 2025. وقد أبدت بعض الدول ومنها كوريا واليابان واستراليا- التي تستعد لأولمبياد عام 2004- أبدت هذه الدول استعدادها للمساهمة في تصميم وتنفيذ المنشآت الرياضية الجديدة في أحزمة الأمان حول أحياء القاهرة الكبرى.

وفي مجال النقل العام بالقاهرة الكبرى أبدت بعض الشركات اليابانية لوزارة النقل والمواصلات استعدادها لتحويل مركبات قطاع النقل العام لتسير بالموتورات الكهربائية كما هو مطبق حاليا في معظم بلاد العالم بدلا من الموتورات الحالية التي تعمل بالبنزين وتتولى الوزارة دراسة الجدوى الاقتصادية لهذا الاقتراح بدلا من استيراد مركبات جديدة لتحل محل أسطول النقل العام في القاهرة الكبرى. هذا وقد استبعد الاقتراح المقدم لاستعمال المركبات ذات الدورين لزيادة كفاءة النقل في القاهرة الكبرى نظرا لكثرة الكباري والطرق العلوية التي تغطي معظم أنحاء المدينة الأمر الذي لا يتناسب مع تصميم المركبات ذات الدورين بالإضافة إلى ما تحتاجه هذه المركبات من نظام خاص للصيانة والتشغيل، وقد تقدمت بعض الشركات اليوغسلافية بنموذج جديد لمركبات النقل العام بالقاهرة تشبه إلى حد كبير عربات الترام المكشوف الذي كان مستعملا في القاهرة منذ أكثر من 50 عاما من الآن أي في نهاية الأربعينيات وهي مركبات مكشوفة الجوانب وتتكون من صفوف متراصة من المقاعد الخشبية وهو نموذج يتناسب مع البيئة المحلية والاستعمال العام وأكثر كفاءة من ناحية التشغيل والصيانة وإن كان له متاعب في التحصيل وهو ما يحتاج إلى تنظيم خاص لحركة الصعود والنزول.

ونظرا لما تعانيه القاهرة الكبرى من مشاكل صحية في المرافق العامة نظرا للزيادة المستمرة في منسوب المياه الجوفية فقد بدأت وزارة الشئون البلدية للقاهرة الكبرى التي أنشأت لتضم هيئات المياه والصرف الصحي والطرق والكهرباء بدأت دراسة توفير المرافق العامة للتجمعات السكنية الجديدة خاصة التي انتشرت على جوانب طرق القاهرة – السويس، والقاهرة -الإسماعيلية، والقاهرة – الفيوم، وذلك باستعمال النظم الأمريكية الحديثة التي لا تعتمد على الشبكات العامة وهي نظم تخصص فيها وحدة مرافق لكل مجموعة سكنية تقوم بتوفير المياه الجوفية وتجميع الصرف الصحي ومعالجته كيماويا وكهربائيا وإعادة استعمال مخلفاته في زراعة الحدائق ونظافة الشوارع. هذا في الوقت الذي تعد فيه وزارة الشئون البلدية المحلية لوائح صحية جديدة تحدد فيه ضرورة استعمال ماكينات القمامة الحديثة التي توفرها البلدية لكل وحدة سكنية وهي ماكينات تقوم بتجفيف المخلفات المنزلية وضغطها في قوالب جافة يسهل تخزينها ثم تجميعها بالوسائل الجديدة وقد تقدمت بعض شركات الاستثمار الأمريكية بعروض لإنشاء مصانع لأجهزة القمامة المنزلية ينتج منها حوالي نصف مليون وحدة سنويا هذا ويبدأ تركيب هذه الوحدات في مناطق مصر الجديدة وجاردن سيتي والزمالك ومدينة نصر والمعادي والمهندسين والدقي على أن يستمر استعمال الأسلوب التقليدي القائم في جمع القمامة بالسيارات الخفيفة التي بدأ تشغيلها عام 1994 بدلا من العربات التي تجرها الحمير وذلك في الأحياء الأخرى من القاهرة الكبرى.

وفي مجال آخر تدرس وزارة التموين المحلية التي أنشأت للقاهرة الكبرى نظرا لعدم كفاية المجمعات الاستهلاكية اقتراحا لبعض الشركات الصينية بتسيير عربات خاصة لنقل المواد الغذائية المركزة أو المغلفة والمقننة في بطاقات التموين لتوزيعها على مستحقيها في مساكنهم كل أسبوع، وذلك باستعمال نظام النقط في البونات التموينية التي يحصل عليها المواطنون شهريا، وهي عربات تشبه إلى حد كبير السيارات التي كانت تحمل صناديق زجاجات المياه الغازية حتى نهاية القرن الماضي ويمكن استبدال صناديق التموين الفارغة بغيرها مملوءة وهي من البلاستيك الأحمر والأخضر تبعا لنوعية التموين المدعم أو النصف مدعم. وهو نظام تم تطبيقه في عديد من المدن الكبرى في الصين ودول جنوب شرق آسيا. وقد يؤدي هذا النظام خلال عشر سنوات وحتى عام 2010 إلى اختفاء عربات اليد ومحلات الخضار والجزارة وبعض محلات البقالة والمخابز والمجمعات الاستهلاكية التي قد تتحول إلى مخازن ومراكز تحميل لسيارات التموين كما حدث في العديد من دول أوروبا الشرقية. ومع ذلك لا تزال وزارة التموين المحلية تدرس إمكانية نقل سوق الجملة من السبتية إلى عدد من أسواق الجملة على الحزام الخارجي للقاهرة الكبرى يجري الآن إعدادها بالتعاون مع مؤسسة أسواق الجملة بالنمسا.

هذا وتظهر في جريدة القاهرة اليومية التي بدأ صدورها في يناير عام 1999 الإرشادات اليومية عن استعمال المياه والكهرباء في ضوء المقتنيات المخصصة يوميا للأحياء المختلفة للقاهرة الكبرى بعد أن زاد معدل الاستهلاك منها عن المعدل العالمي، بحيث تخصص لكل حي الأيام الخاصة بالغسيل أو الاستحمام أو تشغيل موتورات رفع المياه إلى الخزانات العليا. كما تظهر منها مواعيد مرور عربات التموين في الشوارع المختلفة ومواعيد تحصيل استهلاك المياه والكهرباء والتليفونات وذلك باستعمال نظام النقط في البونات التي يحصل عليها المواطنون من الإدارات المختصة. وقد أصبح نشر هذه الإرشادات لازما لبرامج الإذاعة والتليفزيون بقنواته الأربعة بعد إضافة قناة خاصة بالإرشادات الإدارية والصحية والتموينية المعمول بها في أجهزة الحكومة المحلية، والإرشادات الفنية في التشغيل والصيانة والتجديد وهي برامج بدأت تنتشر في الدول الآسيوية والأفريقية، وقناة أخرى لمحو الأمية بعد صدور القرارات الجديدة بعدم سفر العمال المصريين إلى الخارج إلا بعد اجتيازهم للمرحلتين الأولى والثانية من برنامج محو الأمية وعدم تشغيل العمالة في الداخل إلا بعد اجتيازهم للمرحلة الأولى من هذا البرنامج وذلك بالإضافة إلى برنامج الإرشادات الخاصة بسلوكيات العمال في الخارج والزى المناسب لهم وذلك بعد القرارات الأخيرة التي اتخذتها بعض دول جنوب أوروبا وبعض الدول المستوردة للعمالة المصرية بعدم السماح بدخول العمال إلا بزي خاص توافق عليه هذه الدول الأمر الذي زاد من أعباء مصانع الملابس الجاهزة للعمال.

ومع التقدم الملحوظ في نظم التحكم في حركة المرور في مدن العالم وانتشار استعمال الأجهزة الأتوماتيكية والإشعاعية في هذا المجال الأمر الذي أدى إلى اختفاء رجل المرور من معظم دول العالم إلا أن حالة المرور بالقاهرة لم تتغير كثيرا منذ استكمال تشغيل خريجي الجامعة لتنظيم حركة المرور في القاهرة الكبرى بدلا من عساكر المرور منذ بداية عام 1997 والذي صحبه تغيير في زي رجل المرور والشرطي والذي أصبح يتكون من بنطلون أزرق فاتح وقميص لبني بكم طويل شتاء وبنصف كم صيفا مع كاب وحذاء أسود شتاءً وكاب أبيض وحذاء أبيض صيفا وذلك مثل الصورة التي كان عليها شرطي المرور في اليونان وإيطاليا وسويسرا في الأربعينيات من القرن الماضي والذي تحولت ملابسهم الآن في عام 2000 ليحملوا الأجهزة اللاسلكية مع أجهزة الانطلاق الرأسي والأفقي مثل الرجل الطائر الذي ظهر في حفل افتتاح أولومبياد لوس أنجلوس منذ تسعة عشرة عاما في أمريكا. ومع تفاقم حركة المرور في القاهرة الكبرى وما تسبب عنه من زيادة في أعداد السيارات القديمة التي أنتجت قبل عام 1996 عندما بدأ التحول في استعمال الوقود الجديد للسيارات بدأت تظهر في شوارع القاهرة ببعض السيارات الكهربائية اليابانية الصغيرة التي تجري على ثلاث عجلات مثل سيارة مستر شميث التي أنتجتها ألمانيا في الخمسينيات من القرن الماضي وإن كان هذا النوع من السيارات لا يزال مرتفع الثمن وقليل السرعة نسبيا إلا أن الدولة في صدد إصدار قانون بخفض الجمارك عليها إلى 25% من ثمنها حتى يمكنها أن تنافس السيارات الأخرى وتحل محلها مستقبلا وهو ما يتناسب مع حالة الطرق وسعتها في القاهرة الكبرى. هذا وتعيد وزارة الصناعة النظر في مشروع إنتاج السيارة المصرية والذي بدأته منذ خمسة عشرة عاما أي عام 1985 وتعثر إنتاجه عام 1995 عندما تحولت صناعة السيارات في أوروبا وأمريكا واليابان إلى إنتاج النوعيات الجديدة التي تستعمل الوقود الجديد بعد أن حدد اتحاد صناعة السيارات الدولي عام 1996 في القرن الماضي موعدا لاستعمال السيارات الجديدة وإبطال استعمال السيارات القديمة التي لا تزال تسير في شوارع القاهرة الكبرى. وتسعى مراكز البحوث التكنولوجية المصرية حاليا للبحث عن البدائل المناسبة للمستقبل العلمي في مصر بعد كل هذه التحولات التكنولوجية الكبيرة التي شملت كافة أنحاء العالم مع بداية عام 2000.

لا تزال مشكلة الإسكان في القاهرة الكبرى تطفو على معظم المشاكل الآن في عام 2000 فقد ازدادت مناطق الإسكان العشوائي بدرجة كبيرة حول القاهرة وعجزت عنها أجهزة التنظيم وشرطة المباني. وهذا اختراع جديد ظهر في نهاية القرن الماضي. كما احتدمت مشكلة الأيدي العاملة ومواد البناء إلى درجة أن بعض المناطق في مدينة نصر خاصة المنطقة العاشرة منها لم تصلها المرافق حتى الآن في عام 2000 وبعد ما يقرب من عشرين عاما من تخطيطها.. وبالمثل المناطق 15,14,13,12,11 الممتدة جنوب طريق القاهرة السويس الصحراوي. هذا وقد تقدمت العديد من الشركات اليوغسلافية والتركية والتونسية واللبنانية بعروض إلى وزارة الإسكان لبناء آلاف الوحدات السكنية المصنعة من مواد خرسانية وحوائط من الصوف الزجاجي المقوى، وهي مادة بدأت تنتشر في صناعة البناء في أوروبا وأمريكا في نهاية القرن الماضي مع الهياكل الحديدية كما عرضت بعض الشركات الفرنسية والإنجليزية على الوزارة أسلوبا جديدا في التعمير يهدف إلى إنشاء الوحدات السكنية من الهياكل الحديدية والحوائط الخارجية فقط من الصوف الزجاجي مع التمديدات الرئيسية. وتسلم الوحدات السكنية لأصحابها بالبيع نصف جاهزة كفراغ كبير دون تقسيم داخلي. وبذلك توفر الشركات ما يقرب من 50% من الاستثمارات الأساسية في تكاليف الإنشاء وتترك الوحدات النصف جاهزة بعد ذلك لأصحابها لاستكمالها بمعرفتهم وبجهودهم الذاتية من مدخراتهم وفي فترات عطلاتهم على أن تبيع لهم الشركات نفسها التجهيزات الداخلية اللازمة وذلك في مجمعات استهلاكية للبناء تبني على أطراف الأحياء السكنية يستطيع الساكن أن يجد فيها حمام القدم أو الحوض أو التمديدات الكهربائية التي يمكنه تركيبها بسهولة ومعظمها من البلاستيك، كما يجد فيها الحوائط الجاهزة الذي يستطيع أن يقسم بها الفراغ الكبير الذي تسلمه إلى حجرات أومطابخ بتوجيهات بسيطة من الشركة القائمة على المشروع و غير ذلك من مواد التشطيب و تهدف هذه  الشركات الأجنبية أيضا إلى تطبيق هذا النظام على الإسكان القديم بصورة تنظيمية وفنية أخرى.. الأمر الذي يفتح لها أسواقا كبيرة لتصريف منتجاتها عندما يبدأ المشروع وتثبت جدارته التنفيذية فتقوم هذه الشركات بتصنيع التجهيزات الداخلية في مصر برأس مال مشترك.. وقد انتشر هذا الأسلوب في بعض الدول الغربية عندما بدأ الشباب يطالب بعدم التقيد بالأنماط العقيمة والمتكررة النماذج من الوحدات السكنية المصنعة. وأن يترك له الحرية في تشكيل عشه الداخلي بالأسلوب الذي يناسبه وقد قامت شركة الهابيتات الإنجليزية بتبني هذا الاتجاه منذ سبع سنوات أي عام 1993 وانتشرت الفكرة في مشروعات إسكان الشباب في العالم. هذا وتقوم محافظة الإسماعيلية حاليا بالاتفاق مع إحدى هذه الشركات لبناء القرى والمدن السياحية شرق البحيرات المرة باستعمال الطابع الأندلسي أو التونسي في العمارة السياحية وهو طابع انتشر منذ قرن في المدن الساحلية للبحر الأبيض المتوسط وفي أمريكا الجنوبية.

وفي هذا المجال تساهم القوات المسلحة بمجهود كبير بعد أن أنشأت فيها جهاز خاص بمشروعات الإسكان الكبرى كانت قد بدأت بهذه التجارب حول منطقة الاستاد بمدينة نصر وشمال المطار الدولي وتستمر التجربة الآن في مدينة العبور وعلى الأراضي الممتدة غرب وشمال طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي وعلى جانبي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي. وفي هذه الاتجاهات بدأت تظهر المجمعات التجارية الكبيرة التي يغطي الواحد منها مساحة حوالي عشرة أفدنة تجد فيها الأسرة كل احتياجاتها من الإبرة حتى السيارة وحولها مواقف شاسعة للسيارات وهي تقطع قرب مواقع محطات المترو المقترحة من قبل الشركات الألمانية لتصل القاهرة بمدينة السلام مارا بمدينة العبور التي التحمت الآن كحي من أحياء القاهرة أو تصل القاهرة بمدينة 6 أكتوبر غربا ونظرا لوجود معظم المنشئات العسكرية الآن داخل الرقعة السكنية للقاهرة الكبرى فقد بدأ التفكير الآن في إنشاء مدن عسكرية خارج القاهرة وعلى أبعاد كبيرة منها حتى لا تتكرر الصورة مرة أخرى عام 2025 وتمتد القاهرة لتبتلع ما حولها من منشآت عسكرية كانت أو صناعية كما يظهر الآن على صورتها الحالية في عام 2000.
هذه هي صورة القاهرة الكبرى الآن في عام 2000 لم نتعرض فيها إلى التحولات السياسية أو التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع فيها كما لم نتعرض إلى القيم الحضارية التي طرأت على الإنسان المصري الذي دخل القرن الحادي والعشرين منذ تسعة أشهر.. ودخل بذلك عالما جديدا بكل الأبعاد..إذا كانت هذه هي صورة القاهرة الكبرى الآن في أكتوبر عام 2000 فيا ترى كيف تكون صورة القاهرة العظمى عام 2050 .                                                                         

word
pdf