القاهرة لم تعد تتحمل

القاهرة لم تعد تتحمل2019-11-27T08:55:30+00:00

القاهرة لم تعد تتحمل

 

 

كثيرا ما يتعارض رأي المخطط مع رأي متخذ القرار.. فالأول يرى المسائل فى أبعادها الزمنية القريبة والمتوسطة والبعيدة حتى أصبحت لدية القدرة على إستنتاج ما قد يترتب على القرار من أمور فى المستقبل قد تغيب عن متخذ القرار، الذي يهمه فى المقام الأول سرعة الإنجاز وإظهار القدرة على العطاء، بحجة المواجهة السريعة لإحتياجات المجتمع وحل مشاكله كل على حدة، كما فى حل مشكلة المرور مرورياً دون أى إعتبار لعوامل أخرى قد تساعد على هذا الحل، أوكما فى حل مشكلة الإسكان بإنشاء وحدات سكنية كثيرة دون النظر إلى أى إعتبارات أخرى قد تساعد فى حل المشكلة وهكذا.

ونلاحظ هذه الظواهر فى التعامل مع مشروعات مدينة القاهرة (العاصمة) التى تمتص 40% من استثمارات الدولة، فى حين أن سكانها يمثلون 20% من سكان مصر ولاتزال المدينة تستقطب المزيد من الإستثمارات للمزيد من المشروعات التى تستقطب المزيد من السكان الذين يطلبون المزيد من الخدمات ويوجدون المزيد من المشاكل وهكذا تتضخم المدينة، وفى نفس الوقت يحاول متخذ القرار جاهداً حل هذه المشاكل التى تتعاظم بإستمرار واحدة بعد الأخرى. فهو يحل مشكلة المرور بشبكة رهيبة من الكبارى العلوية التى شوهت وجه المدينة وأصبح يتندر بها الأخوة العرب والأجانب على السواء ومع ذلك لم تحل مشكلة المرور جزئياً كما كان يدعى، وعندما شرع متخذ القرار بإنشاء الكبرى العلوى فى شارع الأزهر سارع المخططون بالبديل الأوفق وهو شق طريق مرادف يخترق منطقة الباطنية المشهورة ويطورها ولكن بلا جدوى، وكانت النتيجة إختناق المرور فى شارع وميدان الأزهر الأمر الذى أدى إلى البحث عن حل آخر فى شكل نفق أسفل ميدان الأزهر، سوف يزيد بالتالى من تدفق المرور وزيادته فى المنطقة، وهكذا تتفاقم المشاكل الواحدة تلو الأخرى بسبب القرارات السريعة، أضف إلى ذلك القرار بإنشاء القاهرة الجديدة بهدف توفير أراض جديدة للتعمير والإستثمار السكنى والسياحى والإدارى، الأمر الذي سوف يضخم من حجم المدينة الكبيرة ويجذب إليها زيادة سكانية من داخلها ومن خارجها معاً، وهو ما سوف يزيد من تعقيد المشاكل أكثر وأكثر، وإذا كانت خطوط مترو الأنفاق قد زودت لخدمة المناطق المحرومة منها فأن القاهرة الجديدة سوف تحتاج فى القريب العاجل إلى مزيد من خطوط المترو التى بدورها تجذب مزيداً من المشاكل وهكذا.. كل ذلك فى الوقت الذي يسعى فيه متخذ القرار إلى إنشاء مواقف للسيارات تحت الميادين الرئيسية فى القاهرة بعد أن ضاقت بها الشوارع التى أصبحت جراجات عامة مجانية، الأمر الذي سوف يساعد على مزيد من تدفق الحركة ثم تدفق الأنشطة ثم مزيد من السكان ومزيد من الخدمات ومزيد من المشاكل إن أى مشروع يقام فى القاهرة هو فى واقع الأمر يعتبر مسماراً فى نعش المدينة الكبيرة. أن تفريغ القاهرة يبدأ بتفريغ الأنشطة ثم السكان. أن أى ترخيص لنشاط جديد معناه ترخيص لمزيد من العمالة الوافدة ثم مزيد من مشاكل الإسكان ومزيداً من مشاكل المرور والمرافق العامة، أن تصاريح فتح المحلات التجارية فى أى شارع فى أى مكان هو تصريح لمزيد من العمالة ولمزيد من مشاكل المرور والخدمات والضوضاء والتلوث.

والحل هو توجيه الإستثمارات إلى المدن الجديدة والحد منها فى المدن القديمة، الحل هو فى تعظيم عوامل الجذب من المناطق البعيدة مع تعظيم عوامل الطرد فى المناطق المزدحمة . الحل هو زيادة أسعار الخدمات والمرافق فى المدن القائمة  وخفضها فى المدن الجديدة، الحل هو فى إنشاء الطرق التى تخدم المناطق الجديدة والحد من الطرق فى المناطق القديمة، الحل هو فى تحريك الجامعات الإقليمية إلى أطراف الوادى الأخضر تدريجياً واستثمار مبانيها القائمة للتعليم الأساسي والفنى أو فى السكن الإدارى ، أن التخطيط لمشروع توشكى كمنطقة جاذبة لابد وأن يواكبه التخطيط لدفع الأنشطة والإستثمارات والسكان بالتالي إلى خارج الوادى الضيق بإصدار القوانين واللوئح التى تساعد على ذلك، وإذا كان الفاقد فى مياه الشرب يبلغ فى القاهرة حوالى نصف ما ينتج فكيف يستمر هذا الوضع؟! والأجدى تقليص هذا الفاقد وتحويله إلي المناطق الجديدة بعد احكام وسائل الإمداد والاستعمال فالمياه ليست مشكلة إذا أحسن إستعمالها وإستغلالها، أرجعوا إلى العديد من تجارب المدن الأخرى فى العالم تجدوا العديد من الحلول. إن القاهرة لم تعد تتحمل .

word
pdf