القرى السياحية … إلى أين؟

القرى السياحية … إلى أين؟2019-11-21T13:56:25+00:00

القرى السياحية … إلى أين؟

                                        دكتور/ عبد الباقي إبراهيم                                      

      رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

 

كلمة التعمير في القاموس العصري تعرف بأنها إعداد الأرض للإستيطان البشري, والإستيطان هنا معناه الإستقرار والإستقرار يتطلب وجود العمل والسكن معا. والعمل يرتبط بمجموعة متكاملة من الأنشطة الإقتصادية تختلف في نوعيتها بإختلاف المكان وما يوفره من موارد محلية, فإذا توفرت الموارد المحلية مثلا للتنمية الصناعية فلابد من تكاملها مع نسبة معينة من التنمية الزراعية أوالتنمية الخدمية أو السياحية, وإذا توفرت الموارد المحلية مثلا للتنمية السياحية فلابد من تكاملها مع نسبة معينة من التنمية الصناعية أوالحرفية أوالزراعية أوالخدمية. وبناء عليه تحدد أعداد السكان في التجمعات السكنية المختلفة الأحجام وبالتبعية تتحدد متطلبات السكان من خدمات وإسكان, وبذلك يتحقق الهدف من مشروعات التعمير أو بمعنى آخر مشروعات الاستيطان البشري خارج الوادي الضيق. والإستيطان هو الإقامة المستمرة لأكثر أوقات السنة. وهنا يظهر التساؤل حول مدى تحقيق مشروعات القرى السياحية لأهداف التعمير فقد بدأت ظاهرة القرى السياحية تنتشر على طول الساحل الشمالي خاصة، سواء كانت من مشروعات الدولة أومن مشروعات الجمعيات التعاونية التي استولت على معظم أراضي الساحل الشمالي, وتجد صعوبات كبيرة في تمويل مشروعاتها, فمشروعات القرى السياحية تمتص قدرا كبيرا من الفائض المالي عند عدد من المواطنين يجمد في صورة عقارات ثابتة لا تستعمل أو تستغل إلا شهرين أو ثلاثة في العام وتبقى طوال الأشهر الباقية خاوية من سكانها ومن معظم الأنشطة التي تخدم هذه القرى في مواسمها الصيفية, الأمر الذي يتطلب قدرا كبيرا من الصيانة والعناية أثناء فترة توقف العمل في هذه القرى.

والقرى السياحية في العالم عادة ما تنمو في ضواحي التجمعات السكنية القائمة حيث تتوفر العمالة الموسمية التي تعمل على خدمة هذه القرى في المواسم السياحية المختلفة وتعود للعمل في غير أوقات هذه المواسم في أنشطة تخدم السياحة بعد ذلك. والسياحة هنا تأخذ مفهومها كصناعة لها مقوماتها الإقتصادية من موارد وعمالة وإنتاج وتسويق. أما معظم القرى السياحية كما تظهر في بعض السواحل المصرية فلا تعدو أن تكون مقاما لسكانها من الذين يتملكون معظم وحداتها السكنية دون أن تعطى عائدا اللهم إلا في حالة المتاجرة بهذه الوحدات. وهي بالنسبة للدولة تمثل عبئا ثقيلا على مرافقها التي تمتد مئات الأميال ولا تعمل إلا في فترة قصيرة من العام.

وإذا كانت القرى السياحية تعتبر مكونا واحدا من خطط عمرانية متكاملة تشمل أيضا إنشاء القرى المنتجة ومراكز الخدمات المحلية والإقليمية الأمر الذي يساعد على إستقرار الإستيطان البشري, فإن تحقيق هذه الخطط العمرانية لابد وأن يتم في صورة متوازنة تنشأ فيها المشروعات السياحية بالتوازي مع المشروعات الإنتاجية مع ما تتطلبه من مشروعات لإسكان العاملين فيها بل ربما تأتي مرحلة إنشاء القرى أوالتجمعات السكنية الإنتاجية قبل مرحلة إنشاء القرى السياحية خاصة كلما بعدت مواقعها عن المدن القائمة كما هو الحال بالنسبة للقرى السياحية بالساحل الشمالي, والقرى السياحية بهذه الصورة التقليدية لا تدخل في الإطار الصناعي للسياحة مثل الفندقة وما يرتبط بها من أنشطة ترفيهية وإجتماعية وصناعات تقليدية. والقرى المنتجة هي الحل الأمثل لتعمير الساحل الشمالي تستثمر موارد الأرض في الزراعة أوالمراعي أوالصناعات التقليدية حتى تصبح بعد ذلك مراكز لإنشاء القرى السياحية بما فيها من خدمات فندقية أومساكن خاصة للخاصة من أفراد الشعب والقرى المنتجة في حد ذاتها يمكن أن تمثل عاملا آخر للجذب السياحي والغربي منه بصفة خاصة إذا ما أنشأت مبانيها بالطرز المحلية والطرق التقليدية. وإذا كانت الدولة في مقدورها أن تحكم الرقابة على بناء قراها السياحية من ناحية التخطيط أوالنمط المعماري كعامل جذب فلا أقل من تحكم الرقابة المعمارية على كل ما يقام من قرى سياحية أخرى على طول السواحل المصرية.

وهكذا تتضاعف أعداد الشقق المغلقة التي وصلت إلى أكثر من مليون إما بهدف الإدخار العقاري أو انتظار سكنى الأنجال أوالغياب خارج الديار, ويضاف إلى ذلك سببا آخر هو الإغلاق طوال العام خلافا عن أشهر الصيف, وهكذا تدخل القرى السياحية بمفهومها الحالي عاملا جديدا معوقا لحل مشكلة الإسكان لما تمتصه من أرض ومواد بناء وعمالة ومرافق عامة وطاقة ومدخرات, والبديل هنا هو القرى الفندقية التي تعمل على أسس إقتصادية .. أوإستعمال الكرفانات في المناطق التي تعد لذلك بأقل التكاليف.. ثم هناك المعسكرات بمستوياتها المختلفة وتجهيزاتها الحديثة, خاصة في تلك الفترة التي تمر فيها الدولة بمشاكل إقتصادية وسكانية معقدة تتطلب إنشاء مستوطنات بشرية يقيم فيها الفائض السكاني يعملون ويسكنون. هذا هو المحور المكاني الذي يجب أن ترتكز عليه الخطط القومية بالتوازن مع المحور الإقتصادي الذي كان موجها أساسا للخطط القومية السابقة.

وإذا كان المسئولون عن إعداد الخطة الخمسية الثانية قد صرحوا بأن مشروعات الخطة سوف تظهر على الخرائط والمخططات كما تظهر في الجداول والحسابات .. فأين مواقع التجمعات السكنية الجديدة التي قدرها المسئولون بعشرين مستوطنة على الخريطة القومية .. وأين مواقع القرى السياحية على هذه الخريطة .. سؤال لا يزال يبحث عن جواب.

word
pdf