الكتابة عن العمارة

الكتابة عن العمارة2019-11-18T12:08:22+00:00

الكتابـة عن العمـارة

 

 

بدأت الكتابة عن العمارة المصرية المعاصرة فى 15/8/1963 ، عندما كتبت أول مقال ، أعالج فيه موضوع الإغتراب ، الذى أصاب العمارة المصرية ، وضرورة البحث عن الشخصية المصرية ، فى العمارة المعاصرة  والعودة إلى التراث الحضارى المعمارى ، كمنبع للعلم والمعرفة ، وليس كمنبع للمحاكاة أو التقليد ، وأشرت إلى التجارب التى قام بها المعماريون الأجانب فى المنطقة العربية ، محاولين إبراز الشخصية المحلية فى العمارة ، فى الوقت الذى نحى فيه المعماريون العرب ، نحو التشبع بالعمارة الغربية .. وفى هذا المقال ربطت بين العمارة ، والمؤثرات الإجتماعية ، والإقتصادية ، والثقافية ، التى تعرضت لها الحضارة المصرية المعاصرة ، ونشر هذا المقال تحت عنوان كبير إمتد على خمس أعمدة من الجريدة .. وكانت أول محاولة لى أطرق فيها هذا الموضوع الهام .. الذى أصبح موضوع الساعة فى أوائل الثمانينات .. وقد تلقيت تعليقات مضادة للفكر الذى تضمنته هذه المقالة .. وكان التساؤل فى ذلك الوقت ، عن كيفية الوصول ، إلى الصيغة المعاصرة للعمارة المصرية ، المرتبطة بالتراث القومى من جهة ، وبتقدم وسائل ومواد البناء من جهة أخرى .. ولم أستطع الرد على هذا التساؤل الهام . إلا من خلال التجربة الشخصية .. فلم يكن أصحاب العمارات أو المساكن ، التى نضع تصميماتها ، مقتنعين بهذا الإتجاه لا سيما أنه لم يكن هناك أمامهم أمثلة حية يرجعون إليها .. فأقمت لنفسى مسكناً إستغرق تصميمه سنـة كاملـة  ( 1966 ) ، حتى وصلت إلى الصيغة المطلوبة فى ذلك الوقت ، تعبيراً عن مقومات التراث المعمارى القومى ، وإستعمال وسائل ومواد البناء السائدة .. بل وبنفس مستوى العمالة المتوفرة فى ذلك الوقت ، وكان هذا المسكن هو النواة التى إمتدت منها أدوار عليا فى الإمتداد الرأسى .. ثم مبنى مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية بعد ذلك فى الإمتداد الأفقى .. وهذا يعتبر مثلاً حياً فى تطبيق نظرية المسكن النواة ولكن بمقياس أكبر .. هنا بدأت أستقل فى الفكر المعمارى ، وأعمقه بالإطلاع والمشاهدة والمناقشة .. ثم بالبحث والكتابة حتى نشرت كتابى عن ” تأصيل القيم الحضارية فى بناء المدينة الإسلامية المعاصرة ” وكان ذلك فى عام 1982.

ولم يتوقف القلم عن الكتابة فى هذا الموضوع على المستوى العام فى الصحف والمجلات ، فهو موضوع يهم العامة كما يهم الخاصة ، من المفكرين والمعماريين ، وإستمرت بحوثى فى مختلف المؤتمرات والندوات .. وكتبت فى أثناء عملى بالأمم المتحدة بالسعودية فى 7/8/1978 مقالاً تحت عنوان ” نحو عمارة إسلامية معاصرة ” أشرت فيها إلى ماكتبته منذ خمسة عشر عاما ، وبالتحديد مقالى السابق الذى نشر فى عام 1963 عن هذا الموضوع ، كما أشرت فيها أيضاً إلى إهتمام الدول العربية المجاورة بهذا الإتجاه .. وكنا نستعد فى ذلك الوقت لإصدار مجلة ” البناء ” السعودية، التى أشرفت على إعداد الأعداد الستة الأولى منها تحريراً وإخراجاً ، حتى وقفت على قدميها بعد ذلك ، وفى هذا المقال أسهبت فى مناقشة موضوع الآصالة فى العمارة المصرية المعاصرة ..وأن العمارة لا تكون إسلامية إلا إذا مارس المجتمع ، تعاليم الإسلام ، منهجاً عملياً وتطبيقياً ، وحينئذ تظهر عمارته معبرة عن قيمة الحضارية الإسلامية .. من هنا بدأت التفكير فى فصل الصفة الإسلامية عن العمارة ، وربطها بالمجتمع نفسه لتسمى عمارة المسلمين ، حيث يقوم الشكل على أساس المضمون ، ومن هنا نضمن الدعوة إلى إحياء القيم الإسلامية فى الإنسان ، وبالتبعية تظهر القيم الإسلامية فى العمران الذى يقيمه .. وإستمر الفكر يناقش هذا المنطق تخطيطياً ومعمارياً ، حتى أصبح موضوعاً للنشر فى كتب تعالج هذا الجانب الإسلامى الهام .

ولقد آثار قرار الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة والإعلام ، والخاص بإحياء التراث المعمارى الإسلامى فى ذلك الوقت ، عدداً من التساؤلات ، لأنه لم يوضح السبيل لتطبيق هذا القرار ، من النواحى المهنية أو العلمية .. بل بقى القرار فى صورة توصية من التوصيات التى لا تجد من يأخذ بيدها إلى حيز التطبيق أو التنفيذ، وفى عام 2/2/1982 كتبت مقالاً عن العمارة والثقافة ، فى محاولة لإبراز الدور الحضارى والثقافى للعمارة ، التى يقولون عنها إنها أم الفنون .. كما حاولت أن أبرز دور العمارة الذى أغفلته الصحف بالنسبة للجوانب الأخرى للثقافة التى تهتم بها ، وتنشر عنها بصفة منتظمة .. والتقصير هنا ليس تقصير الصحف ، بقدر ما هو تقصير المعمارى المصرى نفسه ، الذى لم يستطع أن يفرض نفسه ، بعمله وإنتاجه المميز على الساحة الثقافية .

وفى مجال آخر ، إنتهزت ظاهرة إنهيار العمارات فى مصر لأنبه إلى الدور الهام الذى يجب أن يقوم به المعمارى، فى البناء الحضارى لمصر .. وأشرت فى هذا المقال إلى التخلف الذى أصاب المهنة المعمارية ، وحاولت وضع بعض الأسس لتنظيم المهنة المعمارية فى مصر ، أسوةً بما هو قائم فى الدول المتقدمة ، والدول النامية من حولنا  على حد سواء وكان ذلك فى 18/6/1983 ، وموضوع تنظيم المهنة الإستشارية ، يثار على صفحات الجرائد ، وفى المحافل العلمية والمهنية ، وكان أول مقال يطرح هذا الموضوع على الرأى العام ، ثم بدأ الفكر يتعرض لإنهيار التنظيم المهنى للمعماريين ، الأمر الذى كانت نتيجته الطبيعية إنهيار العمارات .. وفى هذه الأثناء بدأ الإعداد لإنعقاد المؤتمر الخامس للإتحاد الدولى للمعماريين فى القاهرة فى يناير 1985 ، وكان موضوع المؤتمر ” رسالة المعمارى فى الحاضر والمستقبل ” .. وكان لابد من الإشارة إلى المعمارى المصرى ، الذى لايدرك رسالته فى الحاضر أو فى المستقبل .. وإلى ضعف التنظيمات المهنية القائمة وإلى تشتيت الجهود فى أكثر من جمعية وشعبة لا يجمعها فكر واحد أو هدف واحد ..وإن إرتباط المهنة المعمارية بنقابة المهندسين قد اضعفها وكاد يقضى عليها ، فقد تاهت التخصصات ، وكلها تحت مسمى واحد ، هو المهندس الإستشارى …وبعد ذلك تتلاشى التخصصات وتتداخل ..وتهبط المهنة المعمارية .. وفى المقال الذى نشر فى 20/1/1985 لأول مرة ، دعوت إلى إقامة تنظيم مهنى علمى متكامل لا تتقاسمه نقابة المهندسين من جانب ، وجمعية المهندسين من جانب آخر .. تنظيم قادر على جمع المعماريين فى مصر على هدف واحد .. وكنت فى ذلك الوقت أدعو إلى إجتماع موسع ، يحضره كبار المعماريين فى مصر لمناقشة وضع العمارة والمعماريين ، وإجتمعت هذه النخبة الممتازة من المعماريين فى مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية يوم 23/12/1984 ، الذى سمى بعد ذلك يوم صحوة المعمارى المصرى .. وكانت البداية لإنعقاد المؤتمر الأول للمعماريين المصريين ، فى 21 إبريل 1985 .. والذى إنبثقت عنه لجان العمل التى أعدت للمؤتمر الثانى فى 26 إبريل 1986 .. فكانت البداية لأكبر حركة معمارية فى مصر .. وهكذا تقوم الكلمة المكتوبة بدورها ، فى تنبيه الرأى العام المعمارى ، حتى يقف على الطريق الصحيح .. وقد نشر نفس المقال فى الأهرام الإقتصادى فى 7/1/1985 تحت عنوان ” المعماريون آخر من يعلم ” وإنعقد المؤتمر الخامس للإتحاد الدولى للمعماريين بالقاهرة ، يوم 20 يناير 1985 ، وكان ماتوقعناه من قصور فى التنظيم والإدارة ، الأمر الذى آثار العديد من المشاركين فى المؤتمر ، الذى قل عددهم إلى سبعمائة مشترك ، وكان المنتظر إشتراك سبعة آلاف .. فكانت أول بادرة لفشل المؤتمر .. وكما قلنا من قبل .. لابد من تنظيم الدار قبل دعوة الجار . فكان الأجدى ، أن نستثمر الأموال ، التى انفقت على عقد المؤتمر الدولى ، فى إصلاح حالة المهنة فى مصر أولاً ، حتى تقف على قدميها ، ثم بعد ذلك ندعو العالم ليرى ما أنجزنا ، أو ما أنتجنا .. وفى 31/1/1985 نشرت مقالاً عن المؤتمر الخامس عشر للإتحاد الدولى للمعماريين .. ” المهزلة والمأساة ” شرحت فيه مظاهر فشل المؤتمر ، بسبب فشل المنظمات المحلية ، فى القيام بدورها الأساسى لصالح معماريى مصر أولاً .. وكان هذا المقال بداية لإعداد الرأى المعمارى المصرى ، للمشاركة فى المؤتمر الأول للمعماريين المصريين ، الذى قام مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية ، بالإعداد له على أحسن مستوى ممكن .. وكان نجاحه حديث كل المعماريين فى مصر ، وعنه كتبت مقالاً فى 2/5/1985 تحت عنوان ” حول المؤتمر الأول للمعماريين المصريين ” شرحت فيه مجريات العمل فى المؤتمر ، والنتائج التى توصل إليها بإقامة لجان عمل تقوم بدراسة موضوعات محددة ، لتقدم إلى المؤتمر الثانى ، لإتخاذ القرارت التنفيذية بشأنها .. وهكذا أصبح إتحاد المعماريين المصريين ، حقيقة فى قلوب المعماريين المصريين  يسعون إلى إظهاره إلى حيز الوجود .
ولم يترك القلم موضوعاً آخر ، يمس المعماريين أو العمارة ، إلا وطرقه ، فعندما صدر القانون رقم 9 لسنة 1983 ، الذى يساوى فيه بين الأعمال الإستشارية وتجارة المواشى ، بالمناقصات والممارسات .. كتبت مقالاً عن هذا الموضوع فى 7/7/1985 تحت عنوان ” الأعمال الإستشارية وتجارة المواشى ” مشيراً إلى الإهانة التى ألحقت بالأعمال الإستشارية .. وقد صدر هذا القانون فى غفلة المنظمات المهنية القائمة ، التى لم تحرك ساكناً .. ولم نتردد فى الكتابة عن هذا الوضع ، والسعى لتصحيحه ..

وفى مجال التعليم المعمارى ، ساهم القلم فى توجيه الرأى العام إلى ضرورة الإرتقاء بالعمارة مهنياً وعلمياً .. ولم تتطرق المقالات ، التى نشرت إلى تفاصيل المناهج العلمية لتدريس العمارة ، فهى لا تهم القارىء العادى .. وقد ظهر هذا الفكر فى عدد من الدراسات والبحوث ، التى قدمت إلى المؤتمرات المحلية والدولية ، وبخاصة مؤتمر الإتحاد الدولى للمعماريين ، الذى عقد فى باريس عام 1985 وكان موضوعه تكوين المعمارى ، كما سبق أن قدمت دراسة مقارنة لمناهج العمارة فى الجامعات العالمية والمصرية ، إلى مؤتمر المهندسين العرب ، الذى عقد فى بغداد عام 1964 ، وقد آثار كلا البحثين مقاومة قوية ، من بعض الجهات العلمية فى مصر ، تعرضت بسببها لبعض الضغوط النفسية ، مع حداثة عملى كمدرس بالجامعة ، وأذكر بهذه المناسبة الوقفة الشجاعة ، التى وقفها الأستاذ حسن فتحى ، دفاعاً عن حرية الفكر ، وحرية الكلمة ، وذلك فى إجتماع موسع حضره كبار المعماريين المصريين ، فى مقر جمعية المهندسين المعماريين عام 1965 ، وهكذا تصبح الكلمة الحرة كالسهم الحاد ، تصيب المتخلفين والمتخاذلين .. والبقاء فى النهاية للأصلح ولكلمة الحق ، المنبعثة من الضمير الحى ، والقلب المفعم بالحب والصدق .

وفى هذه المناسبة ، لابد وأن أذكر كلمة قصيرة ، كتبتها فى 11/8/1956 عن ضرورة إنشاء معهد عالى لتخطيط الأقاليم والمدن والقرى .. وبالرجوع إلى هذه الكلمة ، التى نشرت منذ حوالى ثلاثين عاماً .. ومع ماأنشىء من معاهد وأقسام لتخطيط المدن .. فإننى مع ذلك لا زلت أرى أن مانشر فى هذا الوقت ، لا يزال هو الصيغة الأصلح والأوفق بالنسبة لتعليم التخطيط فى مصر ، والسارية فى معظم جامعات العالم .

word
pdf