الكويت ومعركة التعمير

الكويت ومعركة التعمير2019-11-21T13:13:28+00:00

الكويت ومعركة التعمير


دكتور/ عبد الباقي إبراهيم


رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

بدأ الإعداد لمعركة تعمير الكويت بعد أن اتضحت أبعاد المعركة الحربية.. وذلك في اتجاهين متوازيين, الاتجاه السياسي الذي تسعى إليه مجموعة دول التحالف مع تقسيم الأدوار عليها كل بقدر مساهمته في المعركة.. فقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية القيام بقسطها الأكبر عندما طالعتنا الصحف بنبأ الاتفاق الذي تم بين حكومة الكويت وهيئة المهندسين بالجيش الأمريكي والذي تبلغ قيمته 50 مليون دولار, تسلمت الهيئة منها 20 مليون دولار.. وعلى الفور تحركت جهات أخرى تسعى للمشاركة مع الجانب الامريكى .. كما تحركت المؤسسات الأوروبية لتحدد نصيبها من هذه المعركة في صورة مشروع مارشال. وفي مصر اجتمع مجلس الوزراء لاستكشاف دور مصر في هذه المعركة في إطار العمل العربي المشترك. والاتجاه الثاني هو الاتجاه المالي والاستثماري، فقد راح رجال المال الكويتيين يجتمعون في لوس أنجلوس بنظرائهم الأمريكيين للبحث عن أنسب صيغ التعاون في هذه المعركة المقبلة ذات الأمد الطويل.. ولحق بهم في هذا المضمار مجموعات أخرى من رجال المال العرب تبحث عن دور تقوم به في المعركة وأخيرا تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة إلى إنشاء صندوق لتعمير الكويت ربما يمتد نشاطه لتعمير العراق. وهكذا تسعى قطاعات المال والاستثمار لأن تجد لها أدواراً في فصائل التعمير.

وسوف تتحرك المعركة المقبلة لتعمير الكويت في أربع مجالات أساسية, الأولى في إعادة بناء البنية الأساسية من الطرق والمرافق ومباني الخدمات العامة, والثاني في بناء التحصينات والمنشآت الدفاعية البرية والبحرية والجوية, والثالث في إعادة بناء ما تهدم من المباني العامة والخاصة, والرابع في إعادة بناء المنشآت البترولية والصناعية. وفي إطار هذه القطاعات التنموية تبحث كل دولة عن دورها الذي يتناسب مع إمكانياتها الفنية والبشرية والتمويلية كما يتناسب مع حجم مساهمتها في المعركة الحربية. وتبقى أن تحدد الدول العربية المشاركة دورها في هذه المجالات إما منفردة أو متحدة, الأمر الذي يستدعي دراسة وافية لمكونات معركة التعمير من ناحية الطبيعة والحجم ومتطلباتها الفنية والتنظيمية والمالية, وهنا يظهر الدور القيادي للأجهزة المختصة في حكومة الكويت متمثلة في وزارات التخطيط والشئون البلدية والأشغال العامة والإسكان والدفاع والبترول.
وعلى الجانب العربي والإسلامي يظهر الدور الهام الذي يمكن أن تقوم به كل من منظمة المدن العربية ومنظمة العواصم والمدن الإسلامية في معركة التعمير وذلك بتوفير الخبرات الفنية والعلمية والتنظيمية والإدارية التي تحتاجها غرف العمليات الموجهة لهذه المعركة المرتقبة بعد أن اكتسبت خبرات عريضة في هذا المجال على مستوى العالم العربي.

وتختلف معركة تعمير الكويت عن غيرها من المعارك. فهي تحتاج إلى تخطيط سريع وقرارات أسرع وتنظيم محكم نظرا للسرعة التي سوف تتميز بها لإعادة الوجه الحضاري الذي فقدته, الأمر الذي انعكس على شخصية الإنسان الكويتي من خلال الدرس القاسي الذي تعلمه, وسوف تتطلب معركة التعمير نوعية جديدة من العمالة المدربة على أحدث وسائل البناء والتشييد والملمة بلغة العصر ومعطياته العلمية والفنية. وهذا ما يجب أن يهيأ له العامل العربي والعامل المصري بصفة خاصة, فلن يكون للعمالة التقليدية التي تجهل الكتابة والقراءة دور في هذه المعركة.. ولن يكون للشركات التي تحد حركتها اللوائح والقوانين مكان في مضمار السباق والتنافس في هذه المعركة السريعة والمتطورة, والفرصة هنا للشركات الخاصة المتطورة وفصائل التعمير التي يمكن أن تعدها القوات المسلحة على غرار التجربة الكورية الشديدة المنافسة.
لقد شهد العمران الكويتي مراحل حضارية مختلفة بدأت قبل الفترة البترولية في صورة العمارة البيئية التي فقدت مقوماتها بعد ظهور البترول وحلت محلها عمارة غربية غلبت عليها الانفعالات الضحلة إلى أن أدرك المجتمع هذه الحقيقة وبدأ يبحث عن البعد الثقافي في عمارته, الأمر الذي انعكس على خليط متناقض من الأنماط العمرانية حتى بدأ المجتمع بعد ذلك يعود إلى جذوره التقليدية بحثا عن القيم الحضارية التي تؤكد شخصيته العمرانية المعاصرة.. الأمر الذي لابد أن تعيه معركة التعمير القادمة وتضعه في حساباتها حتى لا تضيع في حلبة السباق هذه الفرصة لإظهار الوجه الحضاري للكويت المستقبل. وهذه مسئولية أساسية تواجهها منظمة المدن العربية وتدفعها منظمة العواصم والمدن الإسلامية التي تصدت لهذه التوجهات في بحوثها وندواتها ومؤتمراتها, وفيما اكتسبته من تجارب في بناء المدن العربية المعاصرة حتى
أصبح لها رؤيتها الخاصة ونظرياتها التي تتناسب مع المقومات الحضارية للمدينة العربية.

ولبنوك وصناديق التنمية الإسلامية والعربية دور هام وفعال في معركة التعمير المقبلة في الكويت وقد يمتد دورها بعد ذلك إلى العراق لتعمير ما أسفرت عنه المعارك الحربية من خراب ودمار أصاب مدنها ومرافقها.. كعضو عزيز في جسم العالم العربي والإسلامي لابد من تضميد جروحه واحتضان شعبه بكل الحب والحنان وبكل العواطف الإنسانية والسماحة الإسلامية والأخوة العربية في عالم جديد من المحبة والسلام.

word
pdf