الماجستير والدكتوراة .. هل هى كافية لتأهيل عضو هيئة التدريس بالجامعة

الماجستير والدكتوراة .. هل هى كافية لتأهيل عضو هيئة التدريس بالجامعة2019-12-03T09:13:38+00:00

الماجستير والدكتوراة .. هل هى كافية لتأهيل عضو هيئة التدريس بالجامعة

د. عبد الباقى إبراهيم 

الأهرام الاقتصادى 23/3/1992 

أصيبت الجامعات المصرية فى السنوات القريبة بظاهرة الترقيات السريعة لأعضاء هيئة التدريس وذلك فى إطار لائحة الجامعات التى تسمح لعضو هيئة التدريس بأن ينتقل من درجة إلى أخرى بعد خمس سنوات بناء على موافقة اللجان العلمية المختصة إذا ما اقتنعت بالأبحاث التى يقدمها العضو لهذا الغرض ومعظمها بحوث هى أقرب للمقالات منها إلى البحوث .. حتى أن البعض دأب على تقديم بحوث متكررة المحتوى متغيرة العنوان .. والبعض الآخر لا يستحى من النقل بالنص من الكتب التى لا يزال أصحابها أحياء يرزقون إلى درجة أن أحد الأساتذة قدم ثلاثة بحوث إلى مؤتمرعلمى يتكون كل بحث منها من صفحتين الأولى عليها عنوان البحث والثانية تتضمن البحث كله، وآخرعرض بحث فى مؤتمر دولى، وكان منقولا من كتاب لرئيس الجلسة التى ألقى فيها الأستاذ بحثه، وعضو آخر اشترك ببحث واحد فى أكثر من مؤتمر .. وهكذا افتقدت البحوث مقوماتها العلمية والأخلاقية وهبط بذلك المستوى العلمى والفكرى لعضو هيئة التدريس، حتى أصبحت الترقية أشبه بالعملية الروتينية تكدست بسببها الأقسام بالأساتذة وانقلب الهرم الوظيفى التعليمى هذا بالإضافة إلى إنشغال كثيرين من أعضاء هيئات التدريس عن العملية التعليمية بأمور أخرى خارج أسوار الجامعة. وضعفت العلاقة بين الأستاذ والطالب الذى ما يلبث إلا أن يبحث عن كتب المقررات التى تعينه على العبور من سنة إلى أخرى دون تواصل أو اتصال بين السنوات حتى يتخرج من الجامعة كما عبر من قبل الثانوية العامة معتمداً على سلاح التلميذ وليس على سلاحه هو فى التحصيل ويخرج إلى معترك الحياة لا يجد له سبيلاً للعمل ليس لعدم وجود فرص للعمل .. فالجرائد تحمل يوميا مئات الإعلانات طالبة الوظائف .. ولكن لعدم وجود المؤهلات التى تتناسب مع هذه الوظائف .. هنا لا يجد الخريج مخرجاً إلا أن ينتظر القوى العاملة لتنقذه من الضياع وتحشره واقفاً فى أحد غرف الدواوين .

ومع هذه الأعداد الكبيرة من أعضاء هيئات التدريس وهذه الأعداد الضخمة من الطلبة فإن العملية التعليمية بكل تخصصاتها لم تستطع إنتاج الشخص المؤهل للعمل فى أى جانب من جوانب العمل، فالعملية التعليمية فى الجامعة يغلب عليها الجانب النظرى أكثر منها الجانب العملى أوالتطبيقى الأمر الذى أدى إلى البحث عن تطوير التعليم الفنى .. مع أن الجامعة إذا ما طورت من مناهجها تستطيع أن تخرج الفنيين فى كل التخصصات دون الحاجة إلى أعباء جديدة قد تصيب العملية التعليمية بالتضخم .. والسبب أن أعضاء هيئة التدريس مازالوا يبحثون المسائل النظرية التى يقرأون عنها فى الكتب والمراجع .. وينتقل منهجهم بالتبعية إلى العملية التعليمية، فكثيراً من رسائل الماجستير والدكتوراة ترتبط بالجوانب النظرية أوبمسائل قد تكون خارج المناهج التعليمية وبذلك تصبح السنوات التى يقضيها عضو هيئة التدريس فى الدراسة للماجستير ثم الدكتوراة وفى بحوث لا تمت إلى المواد التعليمية بصلة وقد لا يفيد العملية التعليمية أويساعد على تطويرها وهكذا لم تعد درجة الماجستير أوالدكتوراة كافيتين لتأهيل عضو هيئة التدريس .. والأجدى أن يقضى المدرس المساعد فترة عام على الأقل مساعداً لأحد الأساتذة فى الجامعات المتقدمة يطلعه على الأسلوب العلمى للعملية التعليمية ويشارك فيها .. يطلع على المواد والمناهج التى تدرس ويحاول أن يطور من المواد والمناهج التى تتناسب مع حاجة المجتمع المصرى أوبمعنى آخر حاجة سوق العمالة الداخلية والخارجية ..

فقد أصبحت اللغة الإنجليزية هى اللغة الدولية فى جميع المجالات العلمية كما أصبح علم الإدارة الحديث مكملاً لكل التخصصات الفنية والعلمية والهندسية والطبية والزراعية وبالمثل علم الإقتصاد أيضاً مكمل لكل هذه التخصصات، الأمر الذى يجب أن يكون واضحاً وبالتفصيل فى المطبوعات الخاصة بإعداد المناهج فلم تعد المواد تذكر كرؤوس موضوعات مقتضبة فى سطر أواثنين ولكنها تذكر تفصيلاً بالإضافة إلى قائمة المراجع الأساسية والتكميلية لكل مادة .. وإذا تعذر الإقتداء بالجامعات فى الغرب فلا أقل من أن نقتدى بالجامعات العربية من حولنا فقد بلغت شوطاً كبيراً فى التطوير والتحديث بما يتناسب مع متطلبات العصر .. ولا داعى هنا للتحجج بالإمكانيات فالمكان موجود والأستاذ موجود والطالب موجود وتبقى العقلية المتحررة والمتحركة الملتزمة بالقيم الجامعية .. يبقى أن نعرف أن الدولة تحتاج للقادر على أن يبنى ويزرع ويصنع ويعلم ويعالج ويقدم الخدمات للجماهير .. تحتاج للقادر على العمل أكثر من القادر على الجدل .. تحتاج للعلم التطبيقى أكثر من العلم النظرى  .. تحتاج للتأكيد من القادر على الجدل .. تحتاج للعلم التطبيقى أكثر من العلم النظرى .. تحتاج للتأكيد على الجانب الحرفى أكثر من الجانب النظرى .. هذا هو هدف العملية التعليمية فى الدولة النامية، الأمر الذى يحتاج إلى ضرورة الحصول على درجة الماجستير أوالدكتوراة .. فكم من أساتذة جامعات فى الغرب الذين منحونا الماجستير والدكتوراة لايحملون أى مؤهل أعلى من الدرجة الجامعية ولكن يحملون الخبرة والتجربة التى هى أساس العملية التعليمية .

لقد فطن الغرب إلى ذلك فجذب إليه أبناء الدول المتخلفة ليمنحهم الماجستير والدكتوراة بأيسر السبـــل ولكن لا يمنحهم خبرته وتجاربه والغرب يعلم أن الدول النامية هى دول شهادات صحيح  ..
فلنرجع إلى الرسائل العلمية التى أعدت فى الخارج لترى كم منها يعالج مشكلة حتى فى إطار العالمية .. وكم منها يرتبط بالعملية التعليمية يدعمها أو يغذيها أو يطورها .. بل بالعكس يعود الدارس من الخارج وياأرض احرسى ما عليكى .. وما يلبث أن يصدم بالواقع الذى انفصل عنه مكانياً وعلمياً وبيئياً .. فإما أن يهرب منه أو ينغمس فيه وهو مشحون بالمرارة .
العلوم تنتقل عن طريق الكتاب أوالمعمل أوالأستاذ، فلماذا لا ينتقل الكتاب والمعمل والأستاذ إلى الجامعة المصرية .. كما فعلت الصين فى ترجمة علوم الغرب، ولنأخذ العلم فى الصين وعن الصين. ولنبحث أسباب تفضيل الخريج للسفر إلى الخارج للحصول على الماجستيرأوالدكتوراة .. هل لسهولة المنال أو لتوفر المراجع والمعامل فى الخارج؟ أولعدم تفرغ الأستاذ فى الداخل؟ أو لكل هذه الأسباب مجتمعة ؟ .. وأكثر من ذلك ما هو الهدف من الحصول على هذه الشهادات هل للتأهيل للتدريس؟ وهذا غير صحيح أو للتأهيل للبحث العلمى؟ وقد يكون ذلك صحيحاً .. أو أكثر من ذلك للحصول على اللقب وهذا هو الأهم وإن كنتم لا تعترفون .. فاللقب فى الدول النامية هو مفتاح الحياة هو السبيل إلى المنصب الأعلى والرزق الأوفر مع أنه فى الدول المتقدمة ليس إلا لتأهيل الباحث العلمى والأهم عندهم هو الخبرة والتجربة والإنتاج والعطاء .. والإلتزام والإنضباط هذه هى المؤهلات الحقيقية للإنسان الطموح المتطلع إلى منصب أعلى ورزق أوفر .. وإذا كانت السوق المحلية تتأثر بشكل الدكترة فالسوق الخارجية لا يهمها إلا الخبرة واللغة .. يهمها المضمون لا الشكل .. هذا هو المدخل لتطوير التعليم فى مصر .
وإذا كان هذا مبدأ تأهيل هيئات التدريس فى الجامعات المصرية الذى يعتمد على درجات الماجستير والدكتوراة أكثر منه على الخبرة والقدرة على العطاء العلمى .. فهل يستمر مبدأ التأهيل هذا فى الجامعات الأهلية وإذا كانت هذه هى حال الجامعات المصرية .. فهل يمكن تطويرها ولوجزئياً لتكون بديلاً للجامعة الأهلية المزمع إنشائها أو أنه لاأمل فى الإرتقاء بمستواها الحالى ولابد من البحث عن جامعة جديدة بمواصفات جديدة بمصاريف جديدة وهيئة تدريس جديدة لطلبة جدد يمكنهم دفع المصروفات الكبيرة. ويعنى ذلك زيادة مرتبات هيئة التدريس الجديدة بدرجة كبيرة توازى على الأقل مرتبات الجامعة الأمريكية وهى حوالى خمسة أضعاف مرتبات الجامعات الحالية. وهنا ربما يتم التزاحم على الجامعة الجديدة لجذب أقدر الكفاءات فى الجامعات القديمة التى هى محتاجة إلى أى كفاءات ممكنة .. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لاتحول جامعة واحدة من الجامعات الحالية الى جامعة بمصروفات تزيد فيها مرتبات هيئة التدريس إلى المستوى المناسب .. وهل يتحمل التعليم الجامعى هذا التباين الكبير فى المرتبات وكفانا الجامعة الأمريكية التى تدعمها الولايات المتحدة. إذ يخشى أن تفرز الجامعة الجديدة ما يشبه الطبقية فى التعليم .. فلماذا لا نزيد من المصروفات التى تدفع فى الجامعات الحالية وتزيد معها مرتبات أعضاء هيئة التدريس لتزيد بالتالى كفاءتهم فى العطاء .. أولماذا لا تخضع بعض الجامعات الحالية إلى التوجه الإقتصادى الجديد فى الخصخصة هذه جميعها نقاط يجب إيضاحها حتى لا تكون الدعوة إلى إنشاء جامعة جديدة مجرد فكرة طارئة يأسا من الجامعات الحالية. إن اصلاح الجامعات الحالية والارتقاء بها وارد فى كل القوانين واللوائح التى لا يعمل بها. المهم أن نعود إلى الأصل .. إلى القوانين ونطبقها واللوائح وننفذها والقيم ونلتزم بها ونعمل فى ضوء المتغيرات الإقتصادية التى يتعرض لها العالم بأسره .

word
pdf