المجتمعات العمرانية الجديدة فى دائرة اهتمام رئيس الدولة

المجتمعات العمرانية الجديدة فى دائرة اهتمام رئيس الدولة2019-11-28T13:31:46+00:00

 المجتمعات العمرانية الجديدة فى دائرة اهتمام رئيس الدولة

    د / عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني سابقا

 

الأهرام 24/6/1995

 

تحتل المجتمعات العمرانية الجديدة مكاناً بارزاً فى دائرة اهتمامات السيد رئيس الجمهورية الذى يجد فيها الخلاص من هذا التكدس السكانى الكثيف على مدن وقرى مصر التى تبتلع امتداداتها العمرانية الآلاف من الاراضى الزراعية كل عام والتى تضم معظم مشاكل مصر السكانية والامنية والتنموية والاجتماعية ويظهر اهتمام رئيس الدولة بهذه المجتمعات العمرانية الجديدة من خلال زياراته المستمرة لموقعها على الطبيعة موجهاً بحسه السياسى المسئول القائمين عليها لحل جميع المشاكل التى تعترض نموها . فكانت زياراته المتكررة لمدينة العبور لفك الاشتباك بين الملكيات المتعارضة ثم زياراته لمدينة الشروق التى بدأت تستقبل كبار المستثمرين لاقامة مشروعات الخدمات والفيلات ثم كانت توجيهاته لتخصيص آلاف الافدنة حول المدن الجديدة لتعميرها بواسطة الشركات الاستثمارية بهدف جذب الفائض السكانى من المدن القائمة . هذا بخلاف اهتماماته المستمرة بالتنمية العمرانية للمدن الجديدة التوائم لمدن الصعيد وكان آخر زيارته للقرى الجديدة التى أقامتها القوات المسلحة فى منطقة درنكة والتى أثبتت فيها قدرتها على العطاء الحضارى المتميز الذى يعبر عن العمارة البيئية بعيداً عن الانفعالات الشكلية ، الامر الذى يؤهلها لبناء القرى الانتاجية والدفاعية فى سيناء فى اطار مشروع مبارك القومى لتنمية سيناء الذى وضعته أجهزة وزارة التعمير .

ان اهتمام رئيس الدولة بمستقبل المجتمعات العمرانية الجديدة لا يقل أثراً عن اهتمامه بتطوير المدن القائمة بكل مشاكلها العمرانية والاجتماعية والامنية والمرورية والصحية حيث تدرك القيادة السياسية أن مستقبل المجتمعات العمرانية الجديدة يرتبط ارتباطاً عضوياً بمستقبل المجتمعات العمرانية القائمة وذلك باعتبار أن التجمعات القائمة مراكز طرد أو دفع و المجتمعات الجديدة مراكز جذب واستيطان . الامر الذى يتطلب زيادة فعالية آليات التنمية العمرانية على المستوى القومى بهدف الربط بين عمليات التطوير والتهجير من المجتمعات القائمة وعمليات الجذب والاستيطان فى المجتمعات الجديدة . وبهذا تصبح آليات التنمية العمرانية هى المحرك الرئيسى المحقق للاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير . ومن هذا المنطلق وافق رئيس الدولة على زيادة الرقعة العمرانية للمجتمعات السكنية الجديدة حول القاهرة وربط المجموعة الشرقية منها  التى تضم تجمع القطامية والتجمع الخامس والتجمع الأول بعد أن فقدت أهدافها الأولى لتفريغ القطاعات المتجانسة من مدينة القاهرة ثم تليها مدينتا بدر والشروق ، ربطها جميعاً ـ فى حزام عمرانى واحد سوف يلتحم شرقاً بالقاهرة . كما أصبحت مدينة العبور جزءاً لا يتجزأ من النسيج العمرانى لمدينة القاهرة بعد أن التحم مع مدينة النهضة المتاخمة لمدينة السلام شمالاً .. واذا كانت القاهرة قد مرت خلال تاريخها الطويل بمراحل عمرانية تحمل أسماء من انشاؤها فلا أقل من أن يسمى الحزام العمرانى الجديد شرق القاهرة بالمباركية ، وبذلك تمتد حدود المدينة الكبيرة شرقاً وشمالاً لتضم ثمانية عشر مليون نسمة مع بداية القرن الحادى والعشرين .

ولم تكن زيارة السيد رئيس الجمهورية للمصانع فى المدن الجديدة من باب المعرفة فقط ولكن من منطلق القناعة بأهمية توفير فرص العمل بكل أنواعها كعامل أساسى للجذب السكانى يرتبط إرتباطا عضوياً بتوفير كل الخدمات والاسكان المناسب للطبقات المختلفة فى المجتمع الجديد وبصورة متوازنة وذلك لاستقرار التوطن السكانى المتكامل والمتكافل مع توفير الاجراءات والاساليب المناسبة لاسكان مستويات الدخول المتدنية التى لا مأوى لها والقادرة على العمل فى الصناعات الحرفية الكثيفة العمالة التى يوفرها صندوق الخدمات الاجتماعية فى المجتمعات العمرانية الجديدة . أو نقل مثل هذه الصناعات من المجتمعات القائمة إلى قرى انتاجية جديدة على أطراف الرقعة الزراعية . وكانت زيارة رئيس الدولة لمراكز الصناعات الحرفية فى صعيد مصر دليلاً على تأكيد مبدأ الاستيطان المتوازن والمتكامل بالسكن والعمل معا0 وهنا يضرب رئيس الدولة المثل لجميع المحافظين كل فى دائرة اختصاصه للعمل على زيادة عوامل الجذب فى المحافظات النامية مع زيادة عوامل الدفع من المحافظات الزراعية فى الوادى والدلتا وذلك بانشاء القرى التوءم فى مناطق التعمير الجديدة ، كما شوهد فى قرية البسايسة الجديدة فى سيناء وهى التوءم لقرية البسايسة القديمة فى الشرقية بدعم من المحافظين ، هذه هى احدى آليات التنمية التى تحقق الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير . واذا كان قانون الحفاظ على الاراضى الزراعية لم يحقق أهدافه كاملة فان آليات التنمية قد تسعى إلى تغريم كل من يتعدى على فدان زراعة فى المناطق القائمة بالقدر الذى يساوى تكاليف استصلاح واستزراع فدانين من الاراضى الجديدة مع توفير البديل للامتدادات العمرانية للقرى المتولدة على الزيادات السكانية فيها . وقد يكون من آليات التنمية العمرانية أيضاً النظر فى مستقبل القاهرة بنقل العاصمة الادارية تدريجياً إلى موقع جديد اقترح له من قبل مدينة الاسماعيلية لما لديها من المقومات المساعدة على ذلك ، الأمر الذى سوف يشكل عاملاً هاماً لدفع عدد من الانشطة الاخرى خارج القاهرة حتى تستطيع أن تسترجع أنفاسها المكتومة ، وبنفس المفهوم يمكن ايقاف الانشطة الجاذبة للسكان فى مدن وقرى الدلتا وتحريك ما يمكن تحريكه منها إلى مناطق التعمير الجديدة وذلك لكبح زمام الامتدادات العمرانية التى تكاد تبتلع ما تبقى من الأراضى الزراعية القديمة . ومع غير ذلك من الآليات يصبح التوجه القومى الذى تعمل فى اطاره القيادة السياسية والتنفيذية والادارة المحلية عند اتخاذ القرار بالنسبة لأى مشروع من المشروعات هو تحقيق أهداف الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير وذلك بالتعامل مع المجتمعات العمرانية القائمة على أنها مجتمعات طاردة ومع المجتمعات العمرانية الجديدة على أنها جاذبة وذلك فى اطار الربط المستمر بين حركة الارسال من الأولى وحركة الاستقبال فى الثانية وهو ما تنظمه آليات التنمية المتكاملة على المستوى القومى والاقليمى فقد حان الوقت لاستثمار هذا الكم المكدس من البحوث والدراسات فى الاطار التنظيمى والادارى لآليات التنمية الشاملة للحد من التداخل والتضارب بين اختصاصات الاجهزة المعنية بالتنمية القومية ، الأمر الذى بدأت بوادره تتحقق فى برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية لاقاليم سيناء و جنوب وشمال صعيد مصر ثم الدلتا حيث بادر رئيس الدولة بانشاء لجنة عليا لتنمة سيناء تضم ثمانية عشر وزيراً مسئولاً كلا فى اطار قطاعه التنفيذى .

لقد انتهت وزارة التخطيط من خلال مشروع الامم المتحدة ـ الذى يضم خبراء جميعهم من المصريين المتخصصين فى مجالات التنمية الاقليمية ـ من اعداد الخطط الاستثمارية لتنمية سيناء بكل تجمعاتها السكنية شمالاً وشرقاً وجنوباً وغرباً ، ومنها المنطقة الساحلية شرق قناة السويس التى بدأت احدى أجهزة الدولة المعنية بالتعمير بعد ذلك فى الاعداد لتنميتها بواسطة المكاتب المحلية التى تعمل فى حماية المكاتب الاستشارية الاجنبية وذلك بالرغم من تجاربها السالبة التى عانت منها مصر عندما دعيت مثل هذه المكاتب من قبل لدراسة تطوير وتنمية سيناء ومدن القناة وجنوب الصعيد وذلك فى اطار المعونات الفنية الأجنبية السابقة ، فقد أعد أحد المكاتب الاستشارية الامريكية دراسة لتنمية سيناء قدرت طاقتها الاستيعابية بثلاثمائة ألف نسمة بينما الدراسة التى أعدها الخبراء المصريون بوزارة التخطيط قد حددت هذه الطاقة بثلاثة ملايين مع الأخذ فى الاعتبار أهميتها الدفاعية والقومية الامر الذى يغيب عن الغرباء ان الاساتذة والخبراء المصريين الذين ارتقوا إلى أعلى الدرجات فى المنظمات الدولية وعملوا فى ميادين التنمية العمرانية والاقليمية فى الدول العربية ويقومون بالتدريس فى الجامعات الاجنبية هم أجدى وأجدر من غيرهم أن يقوموا بخدمة وطنهم الذى ينتمون اليه الامر الذى يحرص عليه رئيس الدولة وهو يشجع العامل المصرى كما يشجع العالم المصرى والخبرة المصرية فى الوقت الذى تنحصر فيه المعونات الفنية الاجنبية التى طالما ارتبطت بأغراض أخرى .

ان اهتمام رئيس الدولة بالبعد المكانى الذى يحقق أهداف الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير التى تحددت أبعادها فى برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية سوف ينعكس بالتبعية على مستقبل التجمعات العمرانية الجــديدة . وهنا ينقسم العمل التنموى بين جهازين قياديين فى الدولة . فبينما تنتهى وزارة التخطيط من وضع البرامج التنموية والاستثمارية لتنمية سيناء وجنوب الصعيد لتبدأ بعد ذلك بشمال صعيد مصر ثم الدلتا لعام 2018 ولن يبقى الا وضع الآليات التى تضمن تنفيذ هذه البرامج بتحديد دور الاجهزة التنفيذية لتنفيذها كل فى اختصاصه ومنها وضع المخططات العمرانية للتجمعات العمرانية القائمة منها والجديدة وآليات بنائها فى اطار هذه المخططات الاقليمية ، وفى الوقت نفسه تنتهى الهيئة العامة للتخطيط العمرانى من وضع الخريطة العمرانية المستقبلية لمصر كاقليم واحد لعام 2020 مع تحديد أولويات تنمية مناطقها المختلفة بعد محاولات عديدة فى هذا الاتجاه هنا تظهر الحاجة إلى توحيد الاداء تجنباً لاهدار الوقت والطاقات الامر الذى سوف يعالجه رئيس الدولة كما عالج العديد من المشاكل السابقة فهو صاحب القرار النهائى فى هذا المجال الذى لا تنفرد به وزارة أو أخرى . وبهذا تنتهى التساؤلات عن ضرورة وضع برامج استثمارية لسيناء أو لغيرها من الأقاليم ورسم صورة مستقبلية لتعمير مصر لقد تم كل ذلك ولم يبق الا الآليات التى تحقق تنفيذها . والاستفادة فى ذلك بالخبرات الكثيرة التى واكبت انشاء الاجيال المتتالية من المجتمعات العمرانية الجديدة وتمرست وتعايشت مع نموها وخبرت واختبرت سلبيات التجربة وايجابياتها وكذلك الخبرات التى درست وقومت وشاهدت التجارب العالمية المشابهة وخرجت بنظرياتها العالمية الجديدة فى هذا المجال الأمر الذى يفوق أى خبرة استشارية أجنبية فى هذا المجال .

وأخيراً نظمت الهيئة العامة للتخطيط العمرانى بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة للاستيطان البشرى وأمانة وزراء الاسكان العرب مؤتمراً ناقش مستقبل المجتمعات العمرانية الجديدة ، وقد شهد المؤتمر تفجيراً قوياً لطاقات الخبرة المصرية فى جميع المجالات التى ترتبط بموضوع المؤتمر سواء بالنسبة لتقييم التجربة المصرية ووضع النظريات البديلة أو بالنسبة للجوانب التنفيذية والادارية والتمويلية والاستثمارية وبكل ما يرتبط بآليات التنمية العمرانية المستدامة مع تحديد دور الدولة والمنظمات غير الحكومية فى هذه الآليات .وقد وضح ذلك من الاساتذة المعقبين والباحثين والممارسين من الحرس القديم . وان دل ذلك على شىء فانما يدل على توافر الطاقات العلمية والخبرات العملية فى الساحة المصرية والتى لا يمكن اغفالها أو مقارنتها بالخبرة الاجنبية بل لابد من استثمارها فى بناء المستقبل العمرانى لمصر .

وقد كشف المؤتمر عن الخلل فى آليات وادارة التنمية العمرانية للمجتمعات العمرانية الجديدة الامر الذى أدى إلى عدم التوازن بين الاستيطان التنموى أو الصناعى والاستيطان البشرى ، فبينما فاق الاول كثيراً ما كان مخططاً له وقل الثانى كثيراً عما كان مخططاً له نتيجة لتطبيق النظام الرأسمالى وآليات السوق على مجالات التنمية وتطبيق النظام الاشتراكى على سياسة الاسكان والخدمات الامر الذى أدى إلى انخفاض عوامل الجذب فى التجمعات العمرانية الجديدة عن عوامل الجذب فى التجمعات القائمة . وهذا لا يرجع إلى قلة كفاءة ادارة المدن الجديدة بقدر ما هو راجع إلى عدم التزام الاجهزة التنفيذية بتحقيق أهداف الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير فى كل ما يصدر عنها من قرارات أو ما تقوم به من مشروعات .

ويبقى بعد كل ذلك أن تعتصر كل الدراسات والبحوث التى عرضت فى المؤتمر وفى غيره من المؤتمرات السابقة فى صياغة واحدة ليس كتوصيات أو ينبغيات ولكن كهيكل تنظيمى وادارى لآليات التنمية العمرانية المستدامة المترابطة فى المجتمعات العمرانية القديمة والجديدة معاً حتى تقدم مصر إلى مؤتمر قمة المدن المزمع عقده فى اسلامبول عام 1996 م عصارة خبراتها السابقة وتطلعاتها المستقبلية التى تحاول أن تدخل بها القرن الحادى والعشرين .

وتستمر اهتمامات رئيس الدولة بالمستقبل العمرانى لمصر وتستمر معها اهتمامات كل الخبرات  المصرية المتخصصة فى مجالات التنمية والتعمير .

word
pdf