المدرس والتلميذ هما المشكلة

المدرس والتلميذ هما المشكلة2019-12-04T07:10:22+00:00

المدرس والتلميذ هما المشكلة

د / عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني سابقا

الأهرام الاقتصادي 
24/2/1992

نتابع تصديك لمشكلة التعليم في مصر … ونرى أن الأمر ليس فى الأهداف والسياسات والوسائل وغير ذلك من العبارات العامة التي يمكن تكرارها من حين لآخر دون أن يتغير فحواها. المهم هنا هو العنصران الأساسيان في العملية التعليمية وهما المدرس والتلميذ أو الأستاذ والطالب . فهبوط مستوى التعليم يرجع في الأساس إلى هبوط مستوى المدرس وانخفاض مستوى الاستيعاب عند التلميذ في التعليم الأساسي وكذلك هبوط مستوى الأستاذ وانخفاض مستوى الاستيعاب عند الطالب في التعليم الجامعي . إن الأمر يستدعى تكوين لجان لتقصى الحقائق في مختلف التخصصات تطوف بالمدارس والجامعات لدراسة الوضع على الطبيعة . فكارثة التعليم الأساسي والجامعي لا تقل أهمية عن انهيار جسر أو غرق عبارة أو انقلاب قطار … فهناك مثلا رئيس قسم في إحدى الجامعات جاء فى أول تقرير عنه لتعيينه في درجة أستاذ أنه لا يرقى إلى مستوى الطالب … وهذا عن بينة … ومع ذلك تم ترقيته بطريقة ملتوية . وهناك أعضاء هيئة تدريس ليس لهم دور في العملية التعليمية لا بالحضور ولا بالعطاء . وهناك مجالس أقسام يسودها الشقاق والخناق وأخرى تعمل بالمحاباة والنفاق . والعمداء ورؤساء الجامعات يتلقون  يوميا العديد من الشكاوى والاتهامات … وعلى الجانب الأخر طلبة في الكليات لا يواظبون على الحضور ولا يعرفون طريقهم إلى المكتبة – إن وجدت – ولا يدركون معنى التحصيل الذاتي ، فهم لا يعرفون إلا طريقة سلاح التلميذ أو ألف سؤال وألف جواب … فالتعليم الثانوي لا يؤهلهم للتحصيل الذاتي كما لا يؤهلهم لأي مهنة أو حرفة أو عمل نافع وكذلك الحال في بعض الأقسام في الجامعات إذ لا علاقة فيها بين ما يدرس من مواد ونظريات وما يجرى في الواقع من تطبيقات. 

أن الوضع يتطلب إعادة النظر في أسلوب تأهيل أعضاء هيئات التدريس فلم تعد درجات الماجستير أو الدكتوراه كافية للتأهيل … بل هي في معظم الأحيان بعيدة كل البعد عما يتلقاه الطالب من علوم ومواد فالجامعات في الدول المتقدمة لا تعطى هذه الدرجات نفس الأهمية بل تعتمد على القدرة في العطاء وهنا تظهر مشكلة التفرغ …. وإذا كانت المرتبات لا تسمح بهذا التفرغ فلماذا لا تضاعف المرتبات للمتفرغين وتخفضها إلى النصف لغير المتفرغين . فتواجد الطالب مرتبط بتفرغ الأستاذ … ولماذا لانقسم التعليم الهندسي مثلا إلى مرحلتين مرحلة أولى مدتها ثلاث سنوات يلم فيها الطالب بالمواد الأساسية التي تؤهله للعمل مساعدا إذا أراد ، يقضى بعدها عاما في التدريب العملي … فإذا وفق استمر في العمل وإذا أراد استكمال دراسته بعد التدريس يدخل المرحلة الثانية لمدة عامين يحصل بعدها على البكالوريوس وبذلك تتاح الفرصة لتلبية الرغبة في الالتحاق بالجامعة من ناحية وتوفير المستويات العلمية المناسبة للعمل من ناحية أخرى. صحيح أن هذا الاقتراح قدمناه على صفحات الجرائد عام 1961 ولم ير النور في مصر – ولكنه رأى النور في دول متقدمة في نفس السنة الأمر الذي يثبت أننا متقدمون فكرا متخلفون تنفيذا … وهنا يمكن إرسال البعثات لا للحصول على الدرجات العليا ولكن للتدريب مع هيئات التدريس في جامعات الدول المتقدمة … أو على الأقل لا يسمح للمدرس الجامعي أن يرقى غالى درجة الأستاذ المساعد إلا إذا قضى عاما في التدريب بإحدى الجامعات المتقدمة . وهنا لا بد من العودة لنظام أستاذ كرسي المادة كما في معظم جامعات العالم وان كان ذلك بعد الحصول على درجة أستاذ حتى يعتدل الهرم المقلوب في الهيكل التنظيمي للأقسام الجامعية … المهم في كل ذلك هو البحث في المحتوى أو في المضمون من واقع الحال وليس في طرح أهداف وسياسات ليس فيها من جديد.

word
pdf