المدينة والقرية بين التوسع والانكماش

المدينة والقرية بين التوسع والانكماش2019-11-20T13:10:07+00:00

المدينة والقرية بين التوسع والانكماش

الدكتور/ عبد الباقي إبراهيم

رئيس تحرير مجلة عالم البناء

 

فتح الدكتور ميلاد حنا باب الحوار حول قضية القاهرة بين التوسع والانكماش وذلك بعد بيات شتوي انتهى ليبدأ موسم الكتابة عن مشاكل مصر.. ويظهر أن لكل مشكلة موسم خاص مثل الفصول الأربعة التي تتتابع بين خريف وشتاء إلى ربيع وصيف دون اختلاف واضح إلا في بعض الأيام في كل موسم.. والدكتور ميلاد حنا بمقاله يبدأ موسم الكتابة عن مشاكل التخطيط والاسكان ويطرح على الساحة قضية القاهرة ومستقبلها بين التوسع والانكماش على إنها موضع خلاف بين المتخصصين والفنيين ويحسب أنهم ليسوا قادرين على حسم الخلاف إلا من خلال مناقشة أوسع بين كافة التخصصات والفئات على مستوى الجمهورية ، والقضية قديمة يعاد شرحها بين وقت وأخر دون أن تجد من يحلها.. فقد تم وضع تخطيط عام للقاهرة عام 1958 ثم تخطيط آخر عام 1971 ثم ثالث عام 1983 وهكذا وفي كل مرة تظهر الدعوة إلى ضرورة الحد من الهجرة تماما إلى القاهرة ويستمر الجدل وتتجدد الدعوات والدراسات ومع ذلك تنمو القاهرة وتتضخم حتى كادت أن تنفجر.. بل قد انفجرت فعلا بعض أجزائها.. والقاهرة كما يقول الدكتور ميلاد حنا هي “أم الدنيا” في مفهوم الفكر السياسي المتركز فيها.. كما إنها عند أبناء مصر الذين يقيمون خارجها هي “مصر” فلا يظهر اسم القاهرة إلا في المكاتبات الرسمية أو الاتجاهات العلمية.. فهي إذن كل مصر تستحوذ على 40% من استثمارات الخطط القومية مع إنها تستوعب 20% من سكان مصر فقد جذبت القاهرة كل الأنظار وأصبحت هي محور كل نشاط جديد أو تخطيط جديد أو فكر جديد يظهر في مقال جديد.. والمدن الجديدة تقام من أجل مصر (القاهرة) والتجمعات العشرة الجديدة تخطط من أجل مصر (القاهرة).. والمدن المصدات التي يقترحها الدكتور ميلاد حنا لاستيعاب سيل الهجرة في إتجاه مصر (القاهرة) والخريطة الجديدة التي يقترحها البعض للجمهورية تبدأ من مصر (القاهرة).. فالكل يرى مشاكل مصر من خلال مشاكل القاهرة وكان القائد المعز لدين الله يدرك قدرة هذه المدينة الكبيرة التي تقهر كل العقول فسماها القاهرة. فالقضية إذن ليست قضية القاهرة بقدر ما هي قضية كل مدينة وكل قرية في مصر.. هي قضية الوادي الأخضر بريفه وحضره.. هي قضية الضغط السكاني الرهيب الذي يمتص كل قدرات مصر فالكثافة السكانية في الوادي تمتد على الأرض الزراعية تأكلها كدودة القطن ولا ينفع معها أي مبيد أو أي قانون والكثافة السكانية في الحضر هي أساس كل مشاكل مصر الاقتصادية والتنموية هي أساس مشاكل المرور وهي أساس المشاكل التعليمية والصحية كما هي أساس المشاكل الاجتماعية والأخلاقية.

وإذا كانت الدعوة إلى الاتجاه إلى الصحراء هي دعوة قديمة إلا إنها بقيت في نطاق الشعارات اللهم إلا بخلاف بعض المحاولات القليلة في المدن الجديدة والتي لا تنفع أو تشفع. والمخططون في مصر يحاولون تحقيق أكبر عائد ممكن للاقتصاد القومي حتى ولو كان ذلك على حساب زيادة الكثافة السكانية على الأرض فهم يقيمون الكباري والأنفاق حتى يستقر السكان في القاهرة ويقيمون الجامعات الإقليمية حتى يستقر السكان في المدن الإقليمية. ويضيئون القرى بالنيون حتى يستقر سكان القرى في قراهم يشاهدون الفيديو والتليفزيون كل ذلك لأن أي تنمية خارج الوادي بعيدا عن الكتلة العمرانية في الوادي ليس لها مردودها السريع ولا تحقق أهداف خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتجربة الربع قرن الماضي لدليل قاطع على هذا الفكر التخطيطي الجامد والذي أضر بمصر كل الضرر.

والدعوة إلى الاتجاه إلى الصحراء لا بد لها من إجراءات تزيد من عوامل الجذب في التجمعات الجديدة كما تزيد من جهة أخرى من عوامل الطرد من المجتمعات القديمة.. فالخدمات الأفضلية فيها لمن يتجه إلى الصحراء.. والدعم الأفضلية فيه لمن يسكن المجتمعات الجديدة.. والاسكان الشعبي النسبة العظمى منه للمجتمعات الجديدة.. وفرص العمل تتوفر أكثر في مناطق التنمية الجديدة، والضرائب بأنواعها تقل في المناطق الصحراوية وتزيد في التجمعات القديمة.. والدولة لا تساعد إلا من يساعد نفسه في بناء مسكنه في المجتمعات الجديدة.. وهنا تظهر أهمية المشاركة الشعبية في التنمية والبناء ولكن في المناطق الصحراوية أكثر منها في المناطق الحضرية أو الريفية القديمة. ولأول مرة نسمع عن البعد المكاني في المحاور الأساسية للخطة الخمسية التالية ومع ذلك لم نرى لهذا البعد مكانا على الخريطة المصرية اللهم إلا بتحديد المشروعات وتوزيعها على المحافظات بنفس الأسلوب التقليدي. وإذا كانت وزارة التخطيط تسعى إلى الأخذ بمبدأ التخطيط الإقليمي فأين هي من الخطط العمرانية التي تعدها وزارة التعمير لتعمير سيناء والبحر الأحمر والساحل الشمالي والقاهرة الكبرى وكأن المخططون في مصر كل في فلكه يسبح.. وأفراد الشعب على الأرائك ينظرون ولا يشاركون.. وإلى الموسم القادم بعد بيات شتوي آخر حتى نلتقي لنناقش نفس المشكلة.

word
pdf