المعادلات الصعبة أمام لجنة الإسكان

المعادلات الصعبة أمام لجنة الإسكان2019-12-11T12:49:27+00:00

حول خطاب السيد الرئيس
25/6/1984

المعادلات الصعبة أمام لجنة الإسكان
ـــــــــــــــــــــــــ
دكتور / عبد الباقى إبراهيم

أستاذ التخطيط العمرانى ورئيس قسم العمارة

  بهندـة عــين شمـــس

وكبير خبراء الامم المتحدة سابقاً 
                                                          

أشار السيد رئيس الجمهورية في خطابه التاريخي أمام مجلس الشعب والشورى وفي بداية الفترة التشريعية الجديدة إلى مشكلة الإسكان حيث وضعها في مقدمة المشاكل التي تستأثر باهتمامه ورعايته, كما أشار سيادته إلى الأهداف التي وضعها أمام لجنة الإسكان التي شكلها سيادته من مختلف التخصصات وهي التحديد الدقيق والمنهج العادل لأن يحصل المواطن على مسكن في موقع محدد وتوقيت مقرر وفق برنامج زمني مخطط مع ترتيب الأولويات في الحاجة إلى المسكن وسوف يتأثر ذلك إذا استطاعت الدراسات الواقعية الشاملة أن تجتاز عقبات التمويل بحلول ذاتية خلاقة.

ولاشك في أن اهتمام الدولة بمشكلة الإسكان يظهر جليا في محتوى الخطة القومية للإسكان التي وضعتها من قبل مجموعة كبيرة من المتخصصين كما يظهر هذا الاهتمام في المؤتمرات والندوات التي ناقشت مشكلة الإسكان وخرجت منها بالعديد من التوصيات كما يظهر نفس الاهتمام في التقرير الذي خرج به مجلس الشورى وعدد فيه جوانب المشكلة ووضع فيه توصياته واقتراحاته.. كما يظهر هذا الاهتمام أيضا في الدراسات التي تجري حاليا لترجمة توصيات ندوة الإسكان إلى خطط وبرامج تنفيذية, كما ظهر الاهتمام كذلك في دراسات وتوصيات لجنة الإسكان في إطار إنجازات المجالس القومية المتخصصة.. كما يظهر في دراسات وتوصيات اللجان المتخصصة في الأجهزة القومية للبحث العلمي أو في مراكز البحوث والدراسات.. وتتوج هذه الجهود في النهاية بالدراسات التي تجريها اللجنة التي شكلها السيد رئيس الجمهورية وحدد أهدافها وأسلوبها ولا شك في أن الجميع ينتظرون منجزات هذه اللجنة بكل اهتمام لتكون منهاجا للعمل الوطني على كافة المستويات لاقتحام مشكلة الإسكان.

ليس هناك من شك في أن اللجنة التي شكلها السيد رئيس الجمهورية من العلماء والعمداء والمتخصصين سوف تواجه في بداية عملها فترة تنظيمية وإجرائية لوضع البرنامج التفصيلي وتوزيع الأدوار على أعضائها ثم توفير الأجهزة المساعدة لإنجاز أعمالها وإيجاد قنوات الاتصال مع جميع الأجهزة الإحصائية والتنفيذية التي تضطلع بتنفيذ الخطط السنوية والخمسية ثم بمراجعة أكوام البحوث والدراسات التي أعدتها الأجهزة المحلية أو الأجنبية, وبعد ذلك تواجه اللجنة العديد من المعادلات الصعبة التي تحتاج إلى حلول علمية وواقعية يمكن تحقيقها في ضوء الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة. وفي ضوء الاستراتيجية العمرانية القومية التي تهدف الى الامتداد الافقى للسكان وهى للاستراتيجية التى تستدعي امتدادا أفقيا لعناصر التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم امتدادا أفقيا لمصادر العمل ومواقع الإنتاج تستقطب إليها الفائض السكاني الضخم على الرقعة الإسكانية القائمة الأمر الذي لا بد وأن يتبعه امتدادا أفقيا لمشروعات الاستيطان والإسكان.

ومن أهم المعادلات التي لابد للجنة أن تبحث لها عن حل هي الموائمة بين مواقع العمل ومواقع السكن لاستيعاب شباب الحاضر الذي يمثل كبار المستقبل.. من هنا تصبح عمليات التسكين أو الاستيطان عمليات ديناميكية تتحرك في إطار برامج من الخطط القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى خشية ألا تقع اللجنة في المحظور وهو وضع التصورات العاجلة التي لا ترتبط بالتصورات المستقبلية الأمر الذي عانت منه عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية على مدى السنوات الطويلة السابقة وانتهت به إلى الوضع الحالي بكل تراكماته وتعقداته.

ومن الناحية التخطيطية والتصميمية سوف تواجه اللجنة معادلة الموائمة بين حجم المسكن المناسب في المكان المناسب للأسرة المناسبة وفي حدود الدخل المناسب بالأساليب الإنشائية ومواد البناء المناسبة وهذا عبء لابد وأن تتحمله اللجنة حتى تخرج بخططها وبرامجها التي تتمتع بالموضوعية والواقعية بعيدا التوصيات العامة فإن أهم ما يواجه المجتمع في المرحلة الحاضرة هو نقل هذا الكم الكبير من الاقتراحات والتوصيات إلى خطط وبرامج وتصميمات واستثمارات قابلة للتنفيذ العملى بإمكانيات البناء والتشييد المتاحة .

وإذا كانت اللجنة سوف تحاول إيجاد الحلول العملية والواقعية لتوفير الوحدات السكنية الجديدة فى المناطق الجديدة فهى لابد وان تواجه المعادلة الاخرى التى توائم فيها بين توفير الجديد من الاسكان والارتقاء بمستوى القائم أو القديم والذى يمثل حجما كبيرا من الثروة القومية .. وهنا لابد للجنة ان تواجه معادلة الموائمة بين مستلزمات التنمية العمرانية فى المدن القائمة ومتطلبات التنمية العمرانية فى المستوطنات الجديدة مع ما يرتبط بذلك من تطوير اللوائح والقوانين والأجهزة التى تحقق تنفيذها وذلك لتنظيم حركة السكان والبناء ودفعها من المناطق المزدحمة إلى المستوطنات الجديدة الامر الذى يستدعى مراجعة واعية للعديد من التشريعات والقوانين التى تنظم حركة السكان والبناء .. كما تستدعى مراجعة واعية للأجهزة القائمة على تنفيذ هذه التشريعات وهذه القوانين ومعالجة تضارب الاختصاصات بين الاجهزة المختلفة . وهذه معادلة اخرى صعبة لابد للجنة ان تقتحمها بخبراء التشريع والادارة , وتواجه اللجنة معادلة اخرى صعبة تكمن فى الموائمة بين الاسكان النوعى لفئات سن معينة أو لمستويات دخل محددة أو لطوائف معينة وبين الاسكان المتكامل الذى تتفاعل فيه فئات السن المختلفة ذات الدخول المتعددة لطوائف العمل المتنوعة موائمة فى ذلك بين التنويع والتجميع فى بناء المستوطنات البشرية الجديدة أو فى تطوير المناطق السكنية القائمة أو القديمة . وهنا تواجه اللجنة معادلة أخرى تكمن فى الموائمة بين الاسكان التعاونى بمفهومه الصحيح الذى يساعد الفرد على المساهمة الذاتية فى بناء الوحدة السكنية التى يرغبها سواء فى وحدات مستقلة أو مجمعة وسواء بالمساهمة المالية أو بالجهود الذاتية وبين الاسكان الاستثمارى الذى تقوم به الشركات الاستثمارية الوطنية أو الخاصة والذى تصبح فيه الوحدة السكنية سلعة تباع وتشترى وتخضع لظروف السوق من العرض والطلب .

وأمام عمداء الهندسة وعلمائها من أعضاء اللجنة معادلة اخرى تتطلب الموائمة بين طرق تصنيع المبانى من ناحية واستثمار الجهود الذاتية لدى شباب الاسر الصغيرة من ناحية أخرى الامر الذى يتطلب اسلوبا متطورا فى تصنيع مكونات الوحدات السكنية من عناصر انشائية أو تجهيزات فنية أو تشطيبات معمارية أو تأثيث .. وهنا تظهر المعادلة الصعبة التى تتوائم فيها القدرات الصناعية والقدرات الذاتية فى البناء فى ضوء مرحلية التنفيذ والامكانيات المادية المتاحة من مقومات ومدخرات .. ترتبط هى أيضا بمستويات الدخول فى مناطق الانتاج الجديدة أو القائمة . وهنا تتحدد عناصر دراسات الجدوى لمشروعات الاسكان بجوانبها الفنية والاقتصادية والاجتماعية .
ان المسئولية الكبيرة التى القاها السيد رئيس الجمهورية على أعضاء لجنة الاسكان سوف تظهر اصالة الانسان المصرى وقدرته على الانجاز والابتكار وصموده أمام قوى التحدى فبناة الاهرام لن يكونوا عاجزين عن بناء المستقبل فى المستوطنات البشرية القائمة أو الجديدة وتوفير المسكن المناسب لكل أسرة شابة تتطلع إلى أمل زاهر .

word
pdf