المنتجعات العمرانية الجديدة ـ على ورق سوليفان

المنتجعات العمرانية الجديدة ـ على ورق سوليفان2019-11-20T08:55:42+00:00

المنتجعات العمرانية الجديدة ـ على ورق سوليفان

 

دكتور عبد الباقى إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمرانية سابقا

 

 

تعتبر المنتجعـات العمرانية الجديدة إفـرازا طبيعيـا لسياسة التعمير في المناطق الجديـدة فـإن ما يثار حاليا حول مستقبل هذه المنتجعات ومدى الجدية في تطويرها وتعميرها بالصورة المبهجة التى تعلن عنها هو نتيجة حتمية لعدم وضوح الرؤيا عند المستثمرين في التنمية العقارية . وليس معنى أن ينجح المستثمر في المجال الصناعى أن يكون بالتالى قادرا على الإستثمار في المجال العقارى خاصة على المساحات الكبيرة من الأراضى . فالدولة من واقع مسئولياتها هى شريك فاعل في هذه المشروعات الإستثمارية فلا يقتصر دورها على تغذية هذه المنتجعات بمآخذ المرافق العامة ولكنها مسئولة بالتالى على توفير الخدمات العامة التعليمية والصحية والأمنية والإدارية من تليفونات ومواصلات وغيرها مما لايستطيع المستثمر توفيرها في مشروعاته مع انه يشير إلى توفرها في حملاته التسويقية التى تزخر بكم من الأشجار ومساحات كبيرة من المناطق الخضراء والنوادى والملاعب دون تقدير سليم لما سوف يتطلبه ذلك من توفير كميات كبيرة من المياه التى هى بمثابة العملة الصعبة في تنمية المناطق الجديدة . وإذا كان الهدف من سياسة التعمير هو إعطاء الفرصة للقطاع الخاص في المشاركة في تعمير المناطق الجديدة فإن الضوابط التى تحكم هذه الفرصة لم تتعرض إلى دور الدولة في المشاركة الكاملة في تعميرها  .. خاصة فيما يطلق عليه المنتجعات الجديدة التى ازدحمت الصحف بالإعلان عنها لجذب المستويات فوق المتوسطه والغنية من المجتمع للإقامة فيها بدلا من المناطق القديمة المزدحمة بالسكان والضوضاء والتلوث البيئى . ويقول البعض من واضعى سياسة تعمير هذه المناطق أن هذا الأسلوب سوف يجذب إليها أولا الشريحة القادرة من المجتمع والتى سوف تجر معها بعد ذلك الشريحة الغير قادرة على الحركة . ومع ذلك لانرى مكانا أو مستقبلا لهذه الفئات الفقيرة في هذه المنتجعات العمرانية الإستثمارية . الأمر الذى يثير العديد من التساؤلات عن الجدوى الحقيقية لهذه المنتجعات في حل مشكلة التعمير والإسكان واتساعها على الأراضى الصحراوية ، فلم تتضمن حملات الترويج لهذه المنتجعات الدعوة لجذب الفئات الغير قادرة للعمل في المصانع الجديدة التى سوف تقام فيها ولم توفر لهم الوسيلة لإيوائهم المؤقت حتى يستطيعوا بعد ذلك القيام بالمساهمة في بناء مساكنهم بأنفسهم مع مساعدتهم في توفير الوسائل التى تساعدهم على ذلك تفاديا لسرطان العشوائيات الذى قد ينتشر حول هذه التجمعات العمرانية .

فالمشكلة  ليست هى عدم قدرة الدولة على تعمير المناطق الجديدة وضرورة إشتراك القطاع الخاص في هذه العملية وتوفير الأموال الطائلة من وراء تخصيصها للإستثمار ولكن المشكلة هى في كيفية تحقيق الإستراتيجية القومية للإستيطان خارج الرقعة الضيقة التى يعيش فيها البشر في مصر .. كما هى في كيفية خلخلة المناطق المكدسة بالبشر من الفقراء متوسطى الحال ونقلهم إلى آفاق أرحب للإقلال من الفاقد الذى ينفق على الأمن والصحة والتعليم والأمراض الإجتماعية . وإذا كان لابد من اشتراك القطاع الخاص في تنمية المناطق الجديدة ويربح من مشروعاته الإستثمارية فعليه أن يتحمل جزءا من الأعباء الإجتماعية القومية وتوفير المأوى والعمل لمن لامأوى ولاعمل لهم وتحمل أعباء التكافل الإجتماعى في الإسكان بأن يأخذ من الغنى ليعطى الفقير ويعمل على توفير المكان لإسكان الفئات المختلفة جنبا إلى جنب في مناطق التعمير الجديدة تحاشيا للعزل الإجتماعى بين الطبقات الأمر الذى ينتج عنه الكثير من المشاكل الإجتماعية والأمنية . وإذا كان لابد من إشتراك القطاع الخاص في التنمية العمرانية ويربح من مشروعاته الإستثمارية فعليه أن يقوم بتطوير المناطق المزدحمة من السكان في قلب المدينة ويربح منها في نفس الوقت الذى يقوم فيه بتعمير المناطق الجديدة في عملية واحدة ومتكاملة . فمجال الإستثمار متوفر في تعمير المناطق الفقيرة المزدحمة بالسكان إذا تم بالتوازى مع الإستثمار في مناطق التعمير الجديدة إنطلاقا من مبدأ التكافل والتكامل في سياسة التعمير كقاعدة قومية في الإستثمار العقارى .. الذى يختلف في أبعاده عن الإستثمار في صناعة يتحمل المستثمر كل اعبائها في اطار سياسة التصنيع التى هى جزء من السياسة العامة للتعمير التى تتحمل العبء الأكبر من البعد الإجتماعى في عمليات الإستيطان البشرى في المناطق الجديدة .
فالمنتجعات العمرانية الجديدة لايقبل أن تقدم للمستثمرين على ورق سوليفان . بل لابد من إحاطتها بالعديد من المحددات التى تضمن حق المجتمع بكل فئاته وأن يتم تعميرها بالمشاركة مع الدولة في إدارة عملية التنمية العمرانية المقدمة لهذه المجتمعات العمرانية الجديدة .. بعيدا عن مفهوم المنتجعات الخاصة بالفئات القادرة من المجتمع حتى لاتتمتع فئة من المجتمع على حساب الغالبية المطحونة إقتصاديا واجتماعيا والتى تفرز الإرهاب الذى يهدد الكيان الحضارى للمجتمع . فالتكافل كموجه أساسى في سياسات الإسكان سوف يساعد على تقريب الفجوة بين الطبقات . ويبقى ان يتوفر ذلك في عمليات التنمية العمرانية في مناطق التعمير الجديدة الأمر الذى يستدعى تطوير المنهج العلمى في تخطيط هذه المناطق  جنبا إلى جنب مع تطوير المناطق القديمة في عملية واحدة لها أسلوبها التنظيمى والإدارى وآلياتها المناسبة .

فإذا كانت الدولة قد وضعت استراتيجية التنمية القومية في بعدها الكافى وأعدت الخرائط والدراسات التى تفصل هذه الإستراتيجية خاصة في مجال التعمير فينبغى عليها أن تضع وتنظم الآليات التى تعمل على تحريك هذه الخرائط والدراسات حتى ينتشر العمران متوازنا على ارض الواقع حاويا لجميع طبقات المجتمع . فالخريطة العمرانية والسكانية لمصر تنفرد بخاصية فريدة لاتنفع معها النظريات المستوردة ، ولكن تحتاج إلى النظرية التى تتناسب مع خصائصها الجغرافية والسكانية والإقتصادية والإجتماعية والإدارية . وتعمير المناطق الجديدة جزء من هذه النظرية سواء شارك فيها القطاع العام او القطاع الخاص أو كليهما معا مع اعتبار أن البعد الإجتماعى والقومى هو دائما الهدف التى تعمل له آليات التنمية العمرانية .

word
pdf