المنظور المتكامل لسياسة الاسكان

المنظور المتكامل لسياسة الاسكان2019-11-28T11:24:39+00:00

المنظور المتكامل لسياسة الاسكان

د / عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني سابقا

 

الاقتصادى 24/6/1996

أثار قانون العلاقة بين المالك والمستأجر الذى صدر أخيرا بالنسبة للتعاقدات الجديدة جدلا كثيرا سواء فى الأحزاب أو فى الصحف 000 وجميعها تؤكد أن القانون الجديد ليس لديه القدرة إلا على حل نسبة ضئيلة من مشكلة الإسكان التى قدرها البعض اعتباطا بحوالى 20%، وهكذا تطفو مشكلة الاسكان كلما القى حجر فى بحرها الراكد0 والمتتبع لتاريخ مناقشة العلاقة بين المالك والمستأجر على مدى الوزارات المتعاقبة منذ حوالى خمسة عشر عاما يلاحظ ان مناقشة هذه العلاقة لم تتم فى الاطار العام لسياسة الاسكان التى اغفلت ابعادها الاخرى وكأن المشكلة تقتصر على ايجاد التوازن فى العلاقة بين المالك والمستأجر فقط000 وسياسة الدولة لا تزال ترتبط بالنظام الاشتراكى الذى افقد هذه العلاقة توازنها فى الوقت الذى تعتمد فيه الدولة على النظام الرأسمالى فى كل ما يتعلق بالاصلاح الاقتصادى من اجراءات ولوائح وقوانين، فى حين أن العلاقة بين المالك والمستأجر لن تتوازن الا بالموازنة بين الدخول والقيم الايجارية للاسكان0

واذا تركت آليات السوق تعمل وحدها فى أسعار التمليك، والدولة لا تستطيع حتى الان رفع الاجور والمرتبات بالنسبة التى ارتفعت بها أسعار مواد البناء وتكاليف التشييد0 فسوف تستمر مشكلة الاسكان قائمة الى حين ايجاد هذا التوازن فى إطار السياسات القومية للتنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية0 فالاسكان ليس عملا يتولاه المهندسون بإنشاء العديد من الوحدات السكنية سواء شغلت او لم تشغل، كما هو الحال فى التجمعات العمرانية الجديدة أو فى توزيع أنماط محددة من الاسكان الاقتصادى الذى اصبح فى مستوى المتوسط فى المحافظات الزراعية حيث لا يوجد اى شبر من الارض يصلح لاستيعابها، الامر الذى حدا بالدولة لايجاد ظهير للمحافظات الزراعية على الاراضى الصحراوية وهكذا تتم معالجة مشكلة الاسكان بالقطاعى حيث لا توجد سياسة عامة تستطيع الدولة من خلالها ايجاد مناطق للامتدادات العمرانية الجديدة لا بالتحديد فقط ولكن بايجاد الآليات التى تساعد على توطين السكان بتوفير المسكن والعمل فى مكان واحد فما فائدة توفير اسكان للشباب على سبيل المثال فى مناطق بعيدة كل البعد عن الاماكن التى يعملون فيها وإلا تفاقمت مشاكل النقل بين أماكن العمل وأماكن السكن، الامر الذى حدا ببعض المسئولين الى البحث عن وسائل نقل سريعة تربط المناطق القديمة بمناطق التعمير الجديدة، الامر الذى سوف يزيد من كثافة السكان فى المناطق القديمة حيث الايجارات الرخيصة بالاضافة الى كافة الخدمات التجارية والترفيهية الجاذبة للسكن فيها فتصبح المناطق القديمة للسكن والمناطق الجديدة للعمل كما فى مدينة العاشر من رمضان التى تعانى من قلة السكان فى الوقت الذى تكتظ فيه المصانع وبنفس المنطق سوف تصبح ما يسمى بالقاهرة الجديدة عبئا ثقيلا على القاهرة القديمة بعد ان يتم الفصل بينهما فى التسمية على غرار مصر الجديدة000 وهكذا تعالج امور التنمية والتعمير بالقرارات السريعة التى يلجأ اليها البعض لاظهار انجازاته فى أقرب وقت ممكن وهذه ظاهرة تصيب الهيكل العمرانى للدولة فى مقتل0 ومع كل الآراء التى ابديت فى مشكلة الاسكان من حيث توفير الاراضى المستكملة بالمرافق لاسكان الفائض السكانى من الوادى الزراعى0 فإن ذلك لابد وأن يرتبط بايجاد فرص للعمل فى هذه الاراضى تأكيدا لهدف الاستيطان البشرى فيها000 ويتأتى ذلك بالحد من فرص العمل فى المناطق القديمة وتوفيرها فى المناطق الجديدة0 الامر الذى يدخل فى اطار سياسة التنمية القومية للدولة التى تصدر فى صور برامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى بعدها المكانى او العمرانى موضحة لحجم الاستثمارات والمراحل والاولويات والتوازن بين القطاعات، الامر الذى يدخل فورا فى صلب اختصاصات وزارة التخطيط التى بدأت تعمل بهذا المنهج وان كانت لم توضح الآليات التنفيذية ودور القطاعات المختلفة معززة بالقوانين واللوائح التى تعمل على نقل هذه الدراسات التى قامت بها وزارة التخطيط لاقليم سيناء ثم اقليم جنوب الصعيد الى حيز الواقع كما ظهر فى مناقشات مجلس الشورى وتبقى الاقاليم الاخرى واحدا بعد الاخر مع ان اسلوب التنمية فى مصر بصفة خاصة يتجه الى اعتبار الدولة وحدة واحدة تضم اقليما زراعيا طاردا فى الوادى وأقاليم صحراوية وساحلية جاذبة، وما بين الطرد والجذب لابد من وضع قائمة طويلة من القوانين والاجراءات التى تساعد على زيادة قوى الطرد والجذب معا، الامر الذى لم تقبل عليه الدولة بعد بالنسبة لاسعار الخدمات والضرائب والحوافز فى كلا الجانبين الطارد والجاذب معا، فالدولة لا تزال تعامل الاسكان فى كلا الجانبين بنفس المعاملة المتكافئة فهى لا تفرق بين الاسكان فى المناطق القديمة والاسكان فى المناطق الجديدة التى يحتاج كل منها الى اساليب خاصة فى التخطيط والتصميم والبناء والتشييد، الامر الذى اغفلته اجهزة البحث العلمى ولم تقدم جديدا فى هذا المجال000 وان كان بعض المسئولين قد فضلوا طرح هذه الاساليب فى مسابقات معمارية لاسكان الشباب عالجت الجوانب الشكلية ولم تستطع معالجة الجوانب الاقتصادية أو استنباط وسائل أو مواد جديدة للبناء الاقل تكلفة  فى المناطق الجاذبة على وجه الخصوص وهكذا لا يظهر لاجهزة البحوث اى دور فى حل مشكلة الاسكان من الناحية التخطيطية او المعمارية مع ان هناك الكثير من الدول فى افريقيا وجنوب شرق آسيا قد سبقتنا فى هذا المضمار، وإصدارات منظمة الامم المتحدة للاستيطان البشرى تذخر بالامثلة والتجارب خاصة بالنسبة لاسكان الفقراء الذى اغفلته خطط الدولة كلية فى برامجها التنموية مع انه يمثل حوالى 70% من المشكلة، ولهذا  الاغفال التام قامت العشوائيات واستشرت فى كل مكان تكاد تحيط بجميع المدن كأحزمة للفقر والارهاب بالاضافة الى تدنى الجوانب الصحية والاجتماعية والعمرانية مع أن فيها من الحسنات فى الآليات ما يمكن الاخذ به فى تطوير المناطق الجديدة0 واذا كان الاسكان المتوسط وفوق المتوسط والفاخر يمكن أن يترك لآليات السوق، فان الاسكان الاقتصادى لابد وأن يجد له وسيلة لدعمه من خلال الدعم الاقتصادى للاسر المحتاجة له اما اسكان الفقراء والمعدمين وغير القادرين على دفع المقدمات فليس امامه الا ان يكون مكونا أساسيا فى البرنامج القومى للتكافل الاجتماعى وهنا قد تدخل وزارة الشئون الاجتماعية طرفا فى حل المشكلة او صندوق التكافل الاجتماعى الذى يوفر فرص عمل لمن لا عمل لهم فيمكن ان يضيف الى نشاطه توفير المأوى لمن لا مأوى لهم بحيث يتكامل السكن مع العمل كلما امكن ذلك وبدلا من أن توفر الورشة والالة يمكن ان تستكمل ذلك بتوفير الاقامة فى مجتمعات عمرانية صغيرة لها صفة الانتاجية الحرفية بعيدا عن الارض الزراعية فى قرى انتاجية صغيرة تنشأ فى فلك التجمعات العمرانية الكبيرة فى اطار من التخطيط الاقليمى العمرانى المتوازن وبذلك تجذب الشباب خارج الرقعة الزراعية المحدودة فى تجمعات صغيرة بها السكن والعمل معا حتى لا تتحمل المدن والقرى القائمة مزيدا من الزيادة فى السكان التى تظهر فى الامتدادات العمرانية على الارض الزراعية متحدية كل القوانين واللوائح كما يشير الواقع، على أن يقوم فى كل تجمع انتاجى صغير مركز للبناء بالجهود الذاتية يقوم بتصنيع البناء من الموارد الطبيعية المتاحة ويشارك فى أعماله الشباب الذى يبحث عن مأوى كما يبحث عن عمل وهكذا يتضح ان القوانين الخاصة بتوازن العلاقة بين المالك والمستأجر ليست الا قطرة فى بحر راكد يحتاج الى الكثير من العوامل المتكاملة والقوى التى تحركه وتطهره مما ران عليه من أوضاع تسىء للانسان والبيئة التى يعيش فيها وذلك باتخاذ الاسلوب العلمى لوضع السياسات وحل المشكلات فلا يكفى أن يستنبط احدهم من بيانات الجهاز المركزى للاحصاء ان هناك حوالى 2 مليون وحدة سكنية مغلقة فى حين انه لا يعلم نوعية هذه الوحدات أو مواقعها أو اصحابها أو مستواها أو حجمها 000 حتى يستبين له الوضع ويستطيع ان يتخذ القرار السليم بشأنها فلا تؤخذ الامور بالشبهات ولكن بالبحث العلمى الدقيق000 وان كان تعداد السكان والاسكان يتم كل عشر سنوات فهناك دور اجهزة البحث العلمى التى تستطيع الحصر فى عينات، لتحدد فيه مساهمة هذه الوحدات فى حل المشكلة فى ضوء القانون الجديد وعما اذا كانت 20% أو 1% واذا كان لسياسة الاسكان بعدها المكانى فى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فان التعامل معها لابد وان يتم بكل الحرص والحذر، فإن اى منشأ ينشأ فى مكانه خطأ يستحيل إزالته اما غير ذلك من عناصر التنمية فمن السهل تطويرها أو تعديلها أو الغاؤها 000 فى حدود الظروف والعوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة عليها واذا كان الشىء بالشىء يذكر، فانه مع التقدم الكبير فى الاقتصاد اليابانى، فان اليابان تخطط الآن لانشاء عاصمة جديدة لها بدلا من طوكيو لتدخل بها القرن الحادى والعشرين فهل آن الأوان لان نبحث عن عاصمة اداراية لمصر لتدخل بها القرن القادم، فإنشاء عاصمة ادارية جديدة (وليس القاهرة الجديدة) سوف يجذب اليها فرصا للعمل وبالتالى فرصا للسكن تمتد على الاراضى الصحراوية0 والموقع الجديد الذى اختيرت له مدينة الاسماعيلية لتكون نواة للعاصمة الجديدة تنمو معها على الاراضى الصحراوية المحيطة بها، الامر الذى يدخل بالتالى فى المنظور المتكامل لسياسة الاسكان فى الدولة وهكذا يتضح ان سياسة الاسكان لا تخرج من الوزارة القطاعية  ولكنها تخرج فى اطار الخطط القومية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية التى تقوم بها وزارة التخطيط وتتولى رسم البرامج التنفيذية لكل وزارة قطاعية كل فى اختصاصه، وهذا حمل يتحمله رئيس الوزراء وايضا وزير التخطيط ، ان هناك من القوانين التى اقترحت من قبل ما لا يحتمل التسويف مثل قانون اتحاد الشاغلين للحفاظ على الثروة القومية من العقارات0 هناك أيضا القانون الخاص بوضع استمارة لكل وحدة سكنية يبين عليها سعتها وتاريخ انشائها وحالتها وموقعها والمعاملات التى تمت عليها000 ذلك بالاضافة الى استكمال القوانين المنظمة للعلاقة بين المالك والمستأجر ومنها ما قد تمت مراجعته وتطويره مثل قانون تنظيم البناء وتعاونيات الاسكان والتخطيط العمرانى  ترتكز جميعها على قواعد بحثية وعلمية تجعلها أقرب للواقع فى تطبيقها ليس فقط بلوائحها التنفيذية ولكن ايضا بدلائل الاعمال التى تساعد المسئولين المباشرين على تنفيذها بحيث تطبق كل هذه القوانين على المدن والقرى على حد سواء حيث اختفت الفروق البيئية بينها فكثير من القرى وضعت فى مصاف المدن كما ان كثيرا من المدن قد ابتلعت العديد من القرى، فالاسكان الحضرى والاسكان الريفى وجهان لعملة واحدة هى الاسكان 000 لننظر الى العالم من حولنا وما قدمه مؤتمر قمة المدن الذى عقد فى اسلامبول بتركيا فى اول يونية 1996م

نعم ان مصر فى حاجة ماسة الى سياسة قومية للاسكان كاملة ومتكاملة مع سياستها الاقتصادية والاجتماعية لما لها من جوانب انتاجية وخدمية على حد سواء فالاسكان اصبح مكملا للغذاء والكساء0

word
pdf